السبت، 27 أبريل 2013

إعلام السلحفاة.. والصحافة الحرام


إعلام السلحفاة.. والصحافة الحرام

وائل قنديل

عندما يهتم بعض الإعلاميين بخبر وفاة أقدم سلحفاة فى مصر فى عهد محمد مرسى باعتبار ذلك مكسبا للمعارضة (الثورية) ضد الرئيس (الضعيف المستبد الإخوانى) أكثر من اهتمامهم بأنباء ارتفاع إجمالى إنتاج مصر من القمح لأرقام غير مسبوقة فإننا نكون أمام مأساة مهنية وسياسية.

وعندما يختصر بعضهم خارطة سيناء فى يوم عيدها إلى مجرد بقعة صغيرة استشهد فيها ١٦ من جنود مصر، ولا يرى أبعد من ذلك، أو بالأحرى لا يريد أن يرى غير ذلك، فنحن بصدد رغبة عارمة فى صناعة أجواء جنائزية، ينصرف فيها الجميع إلى اللطم والنواح والسفسطة، للتغطية على كل ما هو مضىء، أو قطع الطريق على ممارسة الأحلام، فى عصر الكوابيس الاصطناعية.

وعندما تلمح سيوف الثورة بأيدى الذين تورموا وتضخموا وتسمنوا على فساد زمن مبارك وانحطاطا، فإنك لا تملك إلا أن تعيد قراءة قصيدة صلاح عبدالصبور الشهيرة عن زمن الحق الضائع وتتحسس رأسك عندما ترى رءوس الناس على جثث الحيوانات ورءوس الحيوانات على جثث الناس.

وفى هذه الأجواء الكاذبة وطقوسها الخادعة يأتى كتاب الزميل سامى كمال الدين بعنوان «الصحافة الحرام» والذى صدر هذا الأسبوع عن دار كيان للنشر، ويعد وثيقة شديدة الأهمية جاءت فى وقتها عن أبطال عمليات النصب الصحفى بعد ثورة ٢٥ يناير.

يقول سامى كمال الدين فى الغلاف الخلفى للكتاب «فى الوقت الذى شطبت فيه نقابة الصحفيين فى تونس أسماء الصحفيين الذين تورطوا مع نظام بن على فى إفساد البلاد قفز الإعلاميون الذين تعاونوا مع نظام حسنى مبارك على الثورة وسرقوها من بين عيون شهدائها».

وسامى كمال الدين الذى طالته شظايا طلقات عصابات الصحافة فى مصر يبدو فى هذا الكتاب وكأنه ينفذ عملية فدائية، إذ يضع يده فى عش الدبابير، ويقتحم أوكار الأفاعى حافيا، متسلحا ببيت شعر لشاعر النيل حافظ إبراهيم يقول فيه «إذا نطقت فقاع السجن متكأ.. وإن سكت فإن النفس لم تطب».

وأهمية هذا الكتاب الذى يأتى مدعما بوثائق أفرد لها المؤلف ملحقا كاملا تنبع من أن صاحبه يروى وقائع فساد وانحطاطا رآها ولم يسمع عنها، عاشها ولم يشاهدها عن أولئك الأبطال المزيفين، وكما قلت فإن المؤلف يدرك أنه يسير فى حقل ألغام، خصوصا أنه يتحدث عن شخصيات بأسمائها ممن يملأون الدنيا ضجيجا أجوف، فيقول فى المقدمة «تسبب بعض ما فى هذا الكتاب فى قطع عيشى وإلقائى على أرصفة الشوارع، ومحاولة تشويه سمعتى عبر فتيات ليل ورشاوى مقنعة وتهديدات مباشرة»، ثم يتساءل: «ترى ماذا سيحدث معى بعد نشر الكتاب»، ويجيب «ومن يتوكل على الله فهو حسبه».

ويبقى أن أهمية الكتاب تنبع من أنه يحول المحكى والمروى والمتداول فى جلسات الكلام والنميمة إلى وقائع موثقة بالمستندات والتواريخ والشهود الأحياء، فيرفع الغطاء عن أولئك الذين يسلكون دوما على اعتبار أن الجماهير تمتلك ذاكرة خئون متسامحة وساذجة على نحو يجعلهم لا يفرقون بين الجلاد والضحية وبين الحديد والصديد.

وأخيرا.. هذا كتاب جدير بالقراءة فى هذه اللحظات التى تعلو فيها أمواج الدجل حتى كادت تغرق الجميع.
مقالات أخرى للكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق