الجمعة، 26 أبريل 2013

العدالة لأبنائنا في العراق (1/2)


العدالة لأبنائنا في العراق (1/2)

د. سلمان بن فهد العودة
27 إبريل 2013

أؤمن بأن الحقوق الإنسانية كلٌّ لا يتجزَّأ منذ قرأت قوله تعالى: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا} (135) سورة النساء.

ودعاة الحقوق الصادقون يجب أن يحاربوا الظلم بكل أنواعه ودرجاته، مهما يكن الطرف الذي وقع منه الظلم أو وقع عليه.. هذه قضية قرآنية صارمة يجب أن تتحول إلى ثقافة سائدة في مجتمعاتنا العربية؛ التي أهدرت فيها الحقوق، وكان الخلاف المذهبي أو الملِّي أو القبلي أو المناطقي أحد أسباب السكوت أو التواطؤ.

عند بعض أصدقائنا إذا دافعت عن مظلوم فأنت توافقه في مذهبه ومشربه أو على صلة معه، وفي حالة ما إذا كان قد أخطا أو ارتكب إثماً فلتسقط عندهم حقوقه، ولتنتهك كرامته، ولتدس إنسانيته وكل من يشاركه ولو في جزء من توجهه.

آلاف السجناء الذين كانوا في السجون العربية وما زال جزء منهم كذلك تحت مسمى الإرهاب أو أي مسمى آخر، تتبرع أقلام لإدانتهم وتجريمهم وحرمانهم من الحقوق، واعتبارهم مفسدين في الأرض، وقتلة ومعتدين على السِّلم الاجتماعي.. قبل أن تقول المحاكم قولها فيهم، وبعض الأقلام تعتبر المطالبة بإحالتهم للقضاء مشاركة في الجريمة.

مع أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والقضاء -مهما تكن حاله- هو مطلب الجميع وأداة فصل النزاعات، ووسيلة إثبات التهم أو نفيها.

أسال سؤالاً جوهرياً: أليس من حق (المجرم) أن يحصل على حقوقه المشروعة؟ هل يجوز انتهاك حقوق القتلة؟ هل يجوز ظلم الظالم؟ أم العدل وحفظ الحق واجب على كل أحد، ولكل أحد، وفي كل حال؟

هل هذه المسألة محل خلاف أو جدل؟ ألم يقل المصطفى المبعوث رحمة للعالمين: « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». (رواه مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ).

من هنا أقول: إن إصلاح السجون وتحويلها إلى بيئة حافظة للكرامة والسكينة إلى جوار الأمن هو من ضروريات الحياة.

ومن هنا أقول: إنني أدافع عن حقوق السجناء -ولو كنت مختلفاً معهم ولا أعرفهم- وأعد هذا فضلاً من الله على من يوفقه لحماية ضعيفٍ أو مظلوم، ولن تمنعني جلبة يفتعلها أحد هنا أو هناك أن أقول ما أراه صواباً وأتحمل مسؤوليته.

لقد كنت أنهى الشباب عن السفر إلى مناطق القتال؛ في بلاد العراق أو الشيشان أو أفغانستان، وأُكرر ذلك حتى مللت الكلام وملَّني، وظن بعض أبنائي أنه ليس لديَّ موضوع آخر لأقوله، وسجَّلت في ذلك عشرات الحلقات، ودبَّجت عشرات المقالات، وقد جمعتها عندي، وهي موثَّقة، وموجودة في المواقع، وفي اليوتيوب، وبمراجعة قوقل يتضح هذا، ولم أكن أقصد الاستسلام لعدو، ولا التخلِّي عن نصرة، لكنها نظرة اجتهادية مستقبلية محضت فيها النصح لمن أحب، وأرى أن التجربة أثبتت صدقها، وكان آخر ذلك أني لا أرى الذهاب إلى سوريا، مع اعترافي بقسوة المعاناة والمشاهد المؤلمة وتكالب الأعداء.. لكنني أقول: دعوا البلد لأهله فهم أدرى به، كنت أقول هذا وأتحمل تبعاته من غضب أبنائي ولومهم، واتهام بعضهم لي بأنني ضد الجهاد..

وأعوذ بالله أن أكون كذلك أو أكون من الجاهلين! ولكني أقرأ الواقع، وما يحفُّ به وتأثيراته، والأوضاع القريبة والبعيدة؛ قراءة تجعلني أتجه لهذا الرأي، بينما كانت الحكومات تُحرِّض الشباب على الذهاب، وتُسهِّل لهم الأسباب، وأحياناً تغضُّ الطرف لاعتبارات سياسية مصلحية آنية الله أعلم بها!

وكوني لا أرى الذهاب لا يعفيني من إنكار أي ظلم يقع، فليس الحق حكراً لأولئك الذين يتفقون معنا في الرأي، وليس كل من سُجن في العراق أو في غيره قد ذهب لأعمالٍ قتالية، فقد سُجن سائق شاحنة لشركة إماراتية وهو سعودي.

وليس الاعتراض على العدل، فبالعدل قامت السماوات والأرض، والمعتدي يجب أن ينال جزاءه، وسيقول قائل: إن المقتولين في حوادث تفجير أو أعمال عنفٍ لهم ذات الحقوق، وهذا صحيح وليس محل خلاف.

لكن من الذي يسعه السكوت على سجناء في (أبوغريب) سيئ السمعة؛ الذي سُجن فيه عام 2003م سبعة وعشرون سعودياً؛ تعرَّض بعضهم لنهش الكلاب، ومات أحدهم وهو "سعد المصبح" ولم يُرسل جثمانه حتى الآن؟
ومات بعده "مازن الحربي" عام 2007م، ولم يُسلَّم جثمانه لبلده إلى الآن!
 ثم أُعدم "مازن المساوي" ولم يُعيَّن له محامٍ، ولم يحدث أي تدخل لإنقاذه، واعترف مسؤولون عراقيون بأن الأمن كثيراً مايعتمد على (المخبر السري) الذي يكتب -أحياناً- دعاوى كيدية غير موثَّقة!

الآن هناك ستون سجيناً بعضهم محكومون بالإعدام، وفيهم صبي محكوم بالمؤبد عمره ست عشرة سنة، وفيهم "ناصر الرويلي"؛ خطفته مليشيا طائفية وباعته للأمريكان، وصدر له أمر إفراج، ثم أُبلغ أنه محكوم خمس عشرة سنة دون أن يذهب للمحكمة بعد تسليمه للعراقيين!

يقول المحلل العراقي عدنان حسين: إن عدداً كبيراً من أحكام الإعدام غير قانونية، وصدرت استناداً إلى معلومات غير صحيحة.

وطالبت جبهة الحوار الوطني العراقية بوقف الإعدامات فوراً، وقال المطلق: إن المؤشرات تؤكد تعرض القضاء العراقي لضغوطٍ من قِبَل جهات معروفة، واتهم بعض القضاة بإصدار أحكام تخدم مصالح تلك الجهات..

أيّ (وطنية) يحملها ذلك الذي يقرر التهمة على أبناء وطنه ويصدر الحكم وهو لم يطلع على التحقيق، ولم يتأكَّد من المجريات بمجرد أن تدعي جهة أمنية مثقلة بالانحياز والتعصب والطائفية؟ أليست هي ذاتها التى تقتل أبناء بلدها في ساحات الاعتصام دون اكتراث؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق