قراءة في رواية (1984) لجورج أورويل*
الترجمة العربية في 351 صفحة من القطع المتوسط
صادرة عن المركز الثقافي العربي/2006 ترجمة أنور الشامي.
قراءة:سعود العمر
تنبيه:
في مراجعة الرواية هذه لا يوجد حرق للرواية. في هذه المراجعة يتم استعراض عقدة الرواية الأساسية. كل ما كٌتب هنا بدا لي أنه سوف يجعلك تقرأ الرواية بشكل أفضل. هذه المراجعة كٌتبت خصيصاً لأولئك الذين لم يقرءوا الرواية بعد.
عنوان الرواية: 1984
اسم الروائي: جورج أوريل
سنة النشر: 1949
دار الترجمة: المركز الثقافي العربي
اسم المترجم: أنور الشامي
عدد الصفحات: 351
عن الرواية:
صدرت رواية “1984″ في عام 1948, وهي رواية سياسية دسيوتوبية, ومصطلح “يوتوبيا” يعني “العالم المثالي”, أو بالأخص “الحضارة المثالية” وخصوصاً في الجانب السياسي والاجتماعي منها, ومصطلح “دسيوتوبيا” يشير للفكرة المعاكسة من ذلك؛ والتي تعني المجتمع القائم على القمع والاستبداد.
الرواية عبارة عن تصور وتحذير لمستقبل من الوارد جداً حدوثه, وتاريخ نشر الرواية هو في غاية الأهمية؛ فعنوان الرواية بالنسبة لتاريخ نشرها يلمّح بأن السيناريو المستقبلي المخيف المذكور فيها قد لا يكون بعيداً, بل إن العديد من المفكرين يظنون أنه قد تحقق جزء كبير منه, والعقبة التي تحول دون تحققه كلياً هي مجرد عقبة تكنولوجية؛ وبشيء من التطور العلمي والتكنولوجي قد يصبح عالمنا – إن لم يكن كذلك الآن – مثل عالم “1984″.
تبدأ الرواية بالطبع في عام 1984 حيث العالم منقسم لثلاث دول: الدولة الأولى هي “أوشيانيا” (تمت ترجمتها لـ “أوقيانيا”), وهي عبارة عن الأمريكيتين واستراليا والجزر البريطانية. والدولة الثانية هي “أوراسيا”, وأراضيها هي روسيا والباقي من أوروبا. والدولة الثالثة هي “إيستاسيا” وتتكون من الصين واليابان وكوريا وشمال الهند. أما بالنسبة للشرق الأوسط, وجنوب الهند, وأفريقيا, فهي عبارة عن ساحات حرب ومناطق متنازع عليها من قبل هذه الدول الثلاث.
أحداث الرواية تدور في دولة أوشيانيا حيث الأيدلوجية هناك هي الاشتراكية الإنجليزية أو ما يسميه الحزب الداخلي بـ (الإنجسوك), وحيث المجتمع هناك مقسم لثلاث طبقات: طبقة “الحزب الداخلي” ونسبتها اثنان بالمئة من السكان, وطبقة “الحزب الخارجي” ونسبتها ثلاثة عشرة بالمئة منهم, وأخيراً توجد طبقة “العامة”, وفوق هذه الطبقات كلها يوجد الحاكم المسيطر المستبد “الأخ الأكبر”؛ هذه الشخصية التي أصبحت من أكثر الشخصيات الروائية شهرة, بل إنها أصبحت رمزاً لأي عملية استبداد أو تجسس أو قمع. وبالمناسبة, سبب تسمية البرنامج التلفزيوني الشهير “الأخ الأكبر” بهذا الاسم هو عملية المراقبة الدائمة على المشاركين فيه.
في هذه الرواية يثبت جورج أورويل أنه ليس أديباً فذاً فقط, بل يثبت أنه مفكر سياسي حاذق, فهو لم يكتفي بتحليل الفكر الاستبدادي وتحليل طريقة عمله, بل تجاوز ذلك ليتنبأ لنا بنبؤة مستقبلية متكاملة مذهلة لما سوف يؤول إليه هذا الفكر إن استمر حاله على ما هو عليه. هذا النوع من الفكر يستخدم ما يحلو لي تسميته (الداروينية الاستبدادية)؛ فهو بمرور الوقت يتخلص من نقاط ضعفه التي تطيح به عادة, وأيضاً بمرور الوقت يعزّز أوجه قوته كي يكسب أعضاء جديدة يسيطر بها على العامة وعلى الثورات والانقلابات المحتملة؛ فأفكار الأخ الأكبر في هذه الرواية تختلف تماماً عن الأفكار الاستبدادية التقليدية, فهو يتعامل مع الشعارات والهتافات والتسميات بطريقة مختلفة, ويتعامل مع الثوار والمنشقين بطريقة مختلفة, ويتعامل مع طبقات المجتمع والحروب والثروات والتقنية بطريقة مختلفة, بل أنه يفهم فكرة “السلطة” وغايتها وتطبيقها بشكل مختلف, يتعامل الأخ الأكبر مع هذه الأفكار ويفهمها بطريقة جديدة متطورة تضمن له أن يكون نظامه السياسي غير قابل للهزيمة؛ ويبدو لي أننا بقليل من التعديلات نستطيع تحويل الرواية لكتاب من نوع (الطغيان للمبتدئين).
في أوشيانيا يستبد الحزب الداخلي بقيادة الأخ الأكبر استبداداً مذهلاً وجباراً على باقي الطبقات؛ فهو يزرع شاشات الرصد في كل مكان؛ وهذه الشاشات مهمتها مراقبة الشعب ونشر الأخبار الملفقة وإصدار الأوامر للأفراد, ويزرع الحزب الميكروفونات في كل مكان لرصد كل همسة من الشعب, بل ويتجاوز الحزب ذلك ويعمد لتحطيم العلاقات الأسرية لإفناء كل ولاء ليس موجه له, ويعمد أيضا لإذلال العملية الجنسية بجعلها مجرد وسيلة لخدمته وبتجريدها من أي رغبة أو وله أو عاطفة كؤاد لأي احتمال لنشوء ولاء لغير الأخ الأكبر. ثم يتفوق الحزب في استبداده على نفسه ليصل لمرحلة الاستبداد العقلي فيسيطر على اللغة, ويدمر, ويعيد تركيب كلماتها, بل ويصنع لغة جديدة, ويمنع الاتصال بالحضارات الأخرى, ويحرّف التاريخ, ويلفّق الماضي, ويقلب الحقائق, حتى تتوه العقول فلا تجد إلا الحزب كحقيقة ثابتة تستطيع أن تؤمن بها.
في المشهد الافتتاحي للرواية نرى المواطن “ونستون سميث”, والذي يعمل في وزارة الحقيقة (وزارة الإعلام) والتي, بشكل ساخر, مناطه بتزييف الحقائق, نرى هذا المواطن وهو يدخل غرفته وقد أصابه الإحباط من دكتاتورية الحزب, ومن أسلوب الحياة الذي يفرضه. يفتح حينها دفتر كان قد اشتراه بشكل غير شرعي ليبدأ في تدوين أفكاره؛ وهو مدرك أنه ابتداء من هذه اللحظة قد صار في عداد الموتى, فمجرد عملية التفكير يعتبرها الحزب جريمة تستحق الموت ويسميها “جريمة الفكر”, يكتب ونستون في دفتره أنه يكره الأخ الأكبر, ثم يبدأ التفكير بـ “أوبراين”, وهو أحد أعضاء الحزب الداخلي الذي شعر ونستون أن ولاءه للحزب ليس تاماً, فقد شك ونستون أن أوبراين ينتمي لأخوية شديدة السرية والغموض تعمل ضد الحزب, ثم يفكر بعد ذلك في “غولدشتاين” عدو الحزب الأول, والذي كان أحد أهم أعضائة ولكنه تأمر عليه وحكم عليه بالموت ولكنه استطاع الهرب وأصبح يشكل قلقاً كبيراً للحزب.
انتهى ونستون؛ هذه الأفكار المجردة تعني مؤت زؤام مؤكد, لذا لم يعد لديه شيء يخسره, فالمرء في كل الحالات لن يُقتل إلا مرة واحدة ..
ومن هنا تبدأ الرواية؛ ويبدأ استعراض القمع والتسلط والطغيان والدكتاتورية والاستبداد, ويبدأ استعراض الريبة والقلق والاضطراب والجزع, الحزب في كل مكان, الحزب في كل فرد, أو كما يقول ونستون: لم يعد هناك مكان آمن سوى سنتيمترات معدودة في الجمجمة.
رواية “1984″ كان لها تأثير كبير على روايات عديدة؛ فقد أثرت في رواية “فهرنهايت 451″ لـ “راي برادبوري”, و”الرجل الراكض” لـ “ستيفن كنج”, و “البرتقالة الميكانيكية” لـ “أرثر بيرجس”, ومن جهة أخرى كان لرواية “نحن” للأديب الروسي” يفنجي زامياتين” ورواية “عالم جديد شجاع” لـ “ألدوس هكسلي” تأثيراً كبيراً على جورج أورويل أثناء كتابته لهذه الرواية.
أيضاً كان لهذه الرواية تأثير كبير على اللغة الإنجليزية؛ فقد شاع استخدام العديد من المفردات التي ابتكرت في هذه الرواية مثل: (الأخ الأكبر - Big Brother), (الغرفة 101 - Room 101), (شرطة الفكر - Thought police), ( التفكير المزدوج- Doublethink), ( اللغة الجديدة – Newspeak), بل لقد درج استخدم مصطلح (أورويلي – Orwellian) كطريقة لوصف الحالات, أو المشاهد, أو الأفكار, أو طرق التحدث التي تشبه ما جاء في أعمال أورويل عموماً وهذه الرواية خصوصاً.
العنوان الأصلي لهذه الرواية كان “أخر رجل في أوروبا” ولكن الناشر اقترح على أورويل تغييره, وبالرغم من المحاولات العديدة لتفسير سبب اختيار أورويل لعام “1984″ بالضبط كي يكون عنواناً للرواية, إلا أنها كلها غير مؤكدة, والاقتناع السائد الذي يُذكر غالباً بهذا الخصوص أن عنوان الرواية هو عكس لأخر رقمين من سنة 1948, وهي السنة التي أتم فيها أورويل كتابة الرواية والتي استغرقت كتابتها ثلاث سنوات بداية من 1945, ونشرت في عام 1949.
ترجمت هذه الرواية لـ 62 لغة, وبمناسبة الحديث عن الترجمات فإني أقدم جزيل الشكر للأستاذ “أنور الشامي” لترجمته الرائعة لهذه الرواية.
جدير بالذكر أن مجلة “التايم” اختارت هذه الرواية كواحدة من أفضل 100 رواية كتبت بالإنجليزية من عام 1923 وحتى عام 2005, هذا بالرغم من أنها منعت في الكثير من الدول والكثير من المكتبات حين صدورها باعتبارها رواية خطره سياسياً.
مما لاشك فيه أن جورج أورويل استوحى الكثير من سمات “الأخ الأكبر” من القائد الثاني للاتحاد السوفيتي “جوزيف ستالين”, واستوحي الكثير من سمات مجتمع “أوشيانيا” من مجتمع “الاتحاد السوفيتي” حينذاك, حتى شخصية المنشق “إيمانويل غولدشتاين” مستوحاة من المثقف الثوري الماركسي “ليون تروتسكي” الذي طرد من الحزب الشيوعي وأبعد عن الاتحاد السوفيتي.
اسم “جورج أورويل” الحقيقي هو “أريك أرثر بلير”, ولد في عام 1903 في الهند لأن والده كان يعمل هناك, بقي أورويل هناك حتى عاد – “ذهب” إذا تحرينا الدقة - مع أمه في سن الثامنة عشرة لبريطانيا, وبالرغم من أنه أتم تعليمه العام, وكان أداءه في الامتحانات جيداً, إلا انه لم يرغب بمواصلة تعليمه الجامعي, وفضل أن يذهب للعمل في الشرطة الاستعمارية في الهند, وهو العمل الذي تركه بعد خمس سنوات وعاد لأوروبا, كان مقته للاستعمار البريطاني الذي يعمل له وعشقه للكتابة هما سببا تركه لهذا العمل, وقد قرر عندما عاد لأوروبا أن يعيش حياة الفقراء, وقضى عاماً كاملاً يعيش معهم ويراقبهم, ليكتب بعد ذلك تقريره (متشرداً في لندن وباريس), ومن هنا نفهم سبب تغييره لأسمه؛ فهو يريد التخلص من شخصية الرجل الاستعماري الذي كانه ليصبح جورج أورويل اللاطبقي (أورويل: اسم نهر في الهند قرب المنطقة التي ولد فيها), وفي عام 1936 توجه أورويل لأسبانيا التي كانت تشهد حرباً أهليه كي يعمل كمراسل صحفي فيها, لكنه التحق بالمليشيات المحاربة للفاشية وأصبح يقاتل من أجل الاشتراكية, وتعرض أثناء ذلك لجرح خطير في عنقه, وقد دون خبراته هذه في كتاب (الحنين إلى كاتالونيا), وأثناء الحرب العالمية الثانية عمل كمراسل لمحطة (بي بي سي), وأثناء الحرب أيضاً كتب روايته الرائعة الشهيرة (مزرعة الحيوانات), وفي أخر سنيه كتب روايته “1984″ وتوفي بعد نشرها بأقل من عام في 1950.
تم تحويل الرواية لفيلم سينمائي, وقد كان توقيت عرض الفيلم مثير جداً؛ فقد صدر الفيلم في عام 1984, وفي ذلك العام أيضاً أصدرت شركة “Apple” جهازها “ماكنتوش” وروّجت له بإعلان شهير جداً مستوحى من رواية 1984, تظهر فيه شركة IBM”” كأنها “الأخ الأكبر” وهو يتحدث للشعب من على إحدى الشاشات الكبيرة, وتظهر شركة “Apple” كأنها فتاة تجري حاملة مطرقة, والجنود يطاردونها, ثم تحطم الفتاة الشاشة, بعد ذلك يظهر شعار الإعلان, وقد كان: شركة أبل سوف تقدم لكم ماكنتوش وسوف تعرفون لماذا 1984 لن يشبه “1984″.
***
أعمال أخرى مترجمة للعربية لنفس الروائي:
1 - مزرعة الحيوانات
2 - متشرداً في باريس ولندن
3 - الحنين إلى كاتلونيا
قراءة:رابعة محمد ماجد جلبي1984 الأخ الأكبر يراقبك
(1984) رواية الكاتب البريطاني الكبير (جورج أورويل) الصادرة عام 1949، وهي رواية ديستوبيا أو أدب المدينة الفاسدة (ديستوبيا: كلمة يونانية تعني مكان خبيث وهي عكس كلمة يوتوبيا: المدينة الفاضلة)، وهذه الدولة الافتراضية الديكتاتورية ذات الحكم الشمولي التي يحكمها اﻷخ الأكبر يسميها أورويل أوقيانيا وهي في صراع وحرب دائمة مع جاراتها أوراسيا وإستاسيا، الرواية تتحدث عن ونستون سميث؛ موظف يبلغ من العمر 39 عاماً، يعمل في وزارة الحقيقة، وهي وزراة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بل مهمتها هي تلفيق اﻷخبار غير الحقيقية والانتصارات الوهمية للأخ الأكبر وفي مكان سكنه وهو ككل اﻷبنية توجد في غرفه صورة مرسومة للأخ الأكبر وأسفل الصورة عبارة (اﻷخ الأكبر يراقبك) بشكل بارز.وفي كل شارع وزاوية توجد شاشة رصد تحصي على الناس أنفاسهم وتحركاتهم وتعبيرات وجوههم للتأكد من أنهم مخلصون للحزب وللأخ الأكبر، وليس لهم ولاء لغيره، يدير ظهره ونستون لها عندما يريد تذكر شيء ما من الماضي خوفاً من أن تصطاده: (أهذه هي لندن المدينة الرئيسية في القطاع الجوي رقم واحد وثالث أكبر مقاطعات أوقيانيا سكانا؟ اتراها كانت بمثل هذه الطرقات المزدحمة والمنازل المتهالكة) ص9، وبعدها يمضي إلى عمله في وزارة الحقيقة، التي كتب عليها شعار الحزب المؤلف من 3 جمل: (الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة) ص10، بهكذا عبارات مبهمة نستطيع أن نخمن عمل الوزارة الغامض حتى للموظفين فيها، وهذا يصب في سياسة الحكومة لأحكام السيطرة ولتكون المصدر الوحيد للحقيقة والدقة، وكان إلى جانب وزارة الحقيقة التي تختص بشؤون الأخبار ووسائل اللهو والاحتفالات والتعليم، وزارة السلام التي تعنى بشؤون الحروب ثم وزارة الحب وهي المسؤولة عن حفظ النظام وتطبيق القانون، ثم اخيرا وزارة الوفرة وهي ترعى الشؤون اﻻقتصادية، وكما وزارة الحقيقة التي لا تمت إلى اسمها بصلة كذلك كانت وزارة الحب في الواقع مصدرا للرعب والخوف، يحيط بها سياج من اﻷسلاك الشائكة والعاملون بها يرتدون بزات سوداء، ويحملون هراوات مدببة، فكل شيء في هذه الدولة كان مدروسا لتحويل البشر إلى ارقام وكائنات لا حول لها ولا قوة، فحتى السجائر كان يطلق عليها (سجائر النصر).
وكان ونستون قد اشترى دفتراً مع إنه اجراء يدعو الى الشبهة، ولكن أراد أن يستعمله كمفكرة، ولم يكن ذلك يخالف القانون، ليس لأنه مسموح بذلك، بل لأنه لم يكن هناك قانون في الاصل يحدد ما هي المخالفات. ومع علمه بأنه اذا افتضح امره، سيعاقب بالاعدام او السجن لمدة 25 عاماً، إلا أن رغبة عارمة للكتابة انتابته، فلم يستطع السيطرة عليها، فاخذ الدفتر وكتب عليه كل ما خطر بباله: ليسقط اﻷخ الأكبر، ورغم أنه احس بفزع وخوف من شرطة الفكر، إلا أنه لم يمزق الصفحة . و في دقائق الكره التي كانوا يقومون بها بشكل يومي حيث يقومون بالتهجم على غولدشتاين عدو الحزب اﻷول، ليتم تفريغ كامل غضبهم عليه، ولدحض افكاره الخبيثة، كان يتم القاء القبض يوميا من قبل شرطة الفكر على جواسيس ومخربين يرتبطون به ويعملون تحت إمرته، ولكن ونستون كان يشعر أثناء دقائق الكره هذه بأن كرهه هو للأخ الأكبر وليس لغولدشتاين، وأن اوقيانيا متفقة مع اوراسيا، وليست في حالة حرب معها كما تدعي، ولكن لا وجود للحقيقة: (فاذا كانت كل السجلات تحكي القصة نفسها فإن اﻻكذوبة تدخل التاريخ وتصبح حقيقة) ص 43، وهذا ما كان يقوم به الحزب، السيطرة على الماضي للسيطرة على الحاضر والمستقبل، وفي دقائق الكره هذه تعرف على جوليا وهي فتاة في 27 من عمرها، سرعان ما تحولت علاقتهما إلى علاقة محظورة؛ علاقة حب مليئة بالمشاعر، أحاسيس وجدها وينستون تستيقظ في اعماقه فجأة، لم يكن يتخيل أنها موجودة داخله من قبل، واستمرا في لقاءهما بشكل سري يتحدثان عن العالم، ويتبادلان حبهما في غرف سرية، وفي هذه اﻷثناء كان وينستن يعتقد بأن (اوبراين)، وهو أحد أعضاء الحزب الداخلي، ينتمي لأخوية شديدة السرية والغموض، تعمل ضد الحزب، فقرر هو وجوليا أن ينضما لهذه الأخوية، وأقسما أن يفعلا كل شيء لمساعدة التنظيم، ولكن لم يكن اعتقاد وينستون يمت الى الواقع بصلة، فبعد أن امسكت اجهزة الأمن بالعاشقين، أخذا لوزارة الحب من أجل الاستجواب، وأشرف أوبراين بنفسه على التعذيب، فانهار وينستون بعد أشهر، ليخون نفسه ويخون جوليا عندما يقول: عذبوها هي وليس أنا. فيستسلم لعملية غسيل المخ، حيث يتعلم أن يحب الأخ الأكبر فقط وألا تكون له أي مصالح أو مشاعر فردية، ولا يفكر بشيء لم يسمح له الحزب التفكير فيه، وعندها يطلق سراحه، ويعتبر مواطناً مثالياً، ولم يعد خطراً على المجتمع، فكما يقول في نهاية الرواية: (لا باس فقد انتهى النضال وها قد انتصرت على نفسي وصرت احب الأخ الأكبر) ص 351.
هذه الرواية تؤكد أن أورويل ليس مجرد أديب فذ وفقط، إنما مفكر سياسي حاذق وصاحب رؤية عميقة، فقد اصبحت مصطلحاته جزءاً من الثقافة الشعبية، وكلمة اﻷخ الأكبر اصبحت تستعمل كمرادف للتعسف وعدم احترام الحكومة للحريات المدنية، وايضا شرطة الفكرالتي تدل على قمع حرية التعبير والتفكير، لم يكتف أورويل بتحليل التفكير الاستبدادي وطريقة عمله وتفكيره وتفكيك آلياته: (إن الحزب يسعى لبلوغ السلطة لذاتها، فالمرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة، إنما يشعل الثورة لاقامة حكم استبدادي) ص 311، إنما يقدم كل ذلك بلغة معبرة ومفاهيم بسيطة وببساطة مدهشة ووضوح شديد في الرؤية، ينهي أورويل روايته بانتصار الحزب على الإنسان، هذه النهاية الاليمة، وهو يقدم هنا نبوءة مستقبلية لما سيؤول اليه هذا النموذج، فبمرور الوقت يتخلص النظام من نقاط ضعفه التي تطيح به عادة، ليكسب أعضاء جدد يسيطر بهم على العامة، وعلى الثورات والانقلابات المحتملة، فالأخ الأكبر يطور فكره وطريقة تعامله ليكون نظاماً سياسياً غير قابل للهزيمة.
وأورويل لا يتحدث فقط عن الأنظمة الشمولية، بل يتكلم عن المستقبل وعن استخدام التكنولوجيا والاعلام لطمس وتغيير الحقائق، ولتوجيه الناس للعمل وفق رغبة هذه الأنظمة، عبر عملية غسل مخ مكثفة، وهذا ما يحصل حتى في اكثر البلاد التي نصفها بالديمقراطية، وقد حولت الرواية في عام 1956 لفلم يحمل نفس العنوان من بطولة john hurt و Suzanna Hamilton وانبثقت عن الرواية الكثير من الروايات التي صورت وضع الإنسان ومصيره في ظل هكذا أنظمة شمولية منها رواية (فهرنهايت451) للاميركي راي برادبري، فالرواية تحكي قصة نظام شمولي يجعل التلفزيون دعاية سياسية له، ويقوم بحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايت، ورواية (مباريات الجوع) للكاتبة الاميركية سوزان كولنز، حيث يتم اختيار 24 ولد وبنت، اعمارهم بين 12 و18 عام ليتقاتلوا حتى الموت والفائز هو آخر شخص يبقى على قيد الحياة،لذلك عدت رواية 1984 رواية ثورية ومنعت في العديد من الدول الشمولية كالإتحاد السوفيتي السابق، وقد اختارتها مجلة التايم كافضل مئة رواية مكتوبة بالانكليزية منذ صدورها ولغاية عام 2005، وقد تمت ترجمة رواية 1984 الى 62 لغة، كما واصبحت تستعمل الكثير من عباراتها في علم النفس الحديث كعبارة (تفكير مزدوج)، وهذا ما يجعل هذه الرواية عالمية بكل المقاييس فلن يكتفي قارئها من قراءتها مرة واحدة، إنما هي رواية تقرأ عدة مرات، وكل مرة يكتشف لها بعدا جديداً وهاماً.
التعريف بالكاتب
*جورج أورويل الاسم المستعار لـ (إريك آرثر بلير ولد (25
عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء وخفة الدم والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية.
يعتبر القرن العشرين أفضل القرون التي أرّخت الثقافة الإنجليزية، كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية.
أكثر شيء عرف به هي روايته 1984 التي كتبها في عام 1949، وأيضاً روايته المجازية مزرعة الحيوان عام 1945، واللتين انتشرتا أكثر من أي كتاب آخر لأي من كتاب القرن الواحد والعشرون.
كتابه تحية لكتالونيا في عام (1938) كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهلية الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة. في عام 2008م وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة "أعظم 50 كاتب بريطاني منذ عام 1945.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق