أن تبقى قضية فلسطين
عادل سليمان
والقضية التي نقصدها، هنا، هي القضية الفلسطينية، واصطلحنا على تسميتها قضية العرب الأولى، أو قضية العرب المركزية، وبعض نظم الحكم الموصوفة قومية وتقدمية، كانت الأعلى صوتاً في رفع شعارات تحرير فلسطين، والقضاء على إسرائيل المزعومة.
والمثير أن تلك النظم هي التي ظلت تحارب المقاومة الفلسطينية بضراوة، وتطاردها في كل مكان، بل وتنعتها بالتطرف والإرهاب، وتوثق العلاقات مع إسرائيل، وتمد جسور التفاوض والتعاون معها، تارة بزعم تنسيقٍ أمني ضروري، وأخرى بدعوى السعي إلى الوصول إلى السلام، وحقن الدماء الفلسطينية.
قد يُسأل: كيف هذا، وقد خاضت بعض تلك النظم حروباً وجولاتٍ عسكرية عدة مع العدو الإسرائيلي، وقدمت من أبنائها عشرات آلاف الشهداء من أجل القضية الفلسطينية؟
وهو سؤال مشروع، بطبيعة الحال، بل هو حتمي، لتصويب مدركاتنا للأشياء.
بدايةً، علينا أن نفرق بين وعي الجماهير ودوافعها في كل جولات الحروب العربية - الإسرائيلية، وبين توجهات القادة والزعماء، ملوكا ورؤساء.
وفي استعراض سريع لتلك الجولات، ومن دون تدخل بتحليلٍ، أو تقييم، نكتفي باستعادة الوقائع:
قبل ١٩٤٨، وإعلان قيام دولة إسرائيل، كانت هناك حركة مقاومة شعبية فلسطينية داخلية ضد العصابات الصهيونية، تدعمها جماعاتٌ من الفدائيين المتطوعين من بعض البلدان العربية، خصوصاً سورية ومصر، تحت راية الجهاد من أجل فلسطين. وبعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم ١٨١ في ٢٩ نوفمبر/تشرين أول ١٩٤٧، والقاضي بتقسيم فلسطين، جرت تحركات عربية عديدة في إطار جامعة الدول العربية التي كانت تضم، في ذلك الوقت، سبع دول فقط.
وانتهت اجتماعات في القاهرة وبلودان وعمّان، عن قراراتٍ بدعم المقاومة، وإنشاء جيش الإنقاذ من المتطوعين، بقيادة فوزي القاوقجي، واعتماد مبلغ مليون جنيه، لمساعدة الفلسطينيين، مع السعي إلى حل القضية سياسياً، وتقديم طلب لبريطانيا بتأجيل إنهاء انتدابها على فلسطين عاماً (وقد رفضت بريطانيا الطلب، وأصرت على إنهاء الانتداب في الموعد الذي حددته في منتصف مايو/أيار ١٩٤٨)، من دون التوصل إلى اتفاق بشأن التدخل العسكري بالجيوش.
ولم يجدِ ذلك كله، وأعلن بن غوريون قيام دولة إسرائيل في ١٥ مايو/أيار ١٩٤٨، لتبدأ الجولة العسكرية العربية - الإسرائيلية الأولى، وعرفت بحرب فلسطين، وشاركت فيها مباشرة جيوش مصر والأردن وجبهة سورية ولبنان، مع دعم من العراق والسعودية ، والتي انتهت بهزيمة للجيوش العربية، أطلقنا عليها النكبة، وما نتجاهله، دائماً، أن تلك الحرب لم تنته فقط بالهزيمة، بل أيضاً بالأهم، وهو عقد اتفاقيات الهدنة الانفرادية "الثنائية" بين إسرائيل التي أصبحت دولة والدول العربية التي خاضت الحرب ضدها، وهي المعروفة بدول الطوق المحيطة بإسرائيل، مصر في ٢٤ فبراير/شباط 49، ولبنان ٢٣مارس/آذار٤٩، والأردن ٣ إبريل/نيسان ٤٩، وسورية ٢٠يوليو/تموز 49، ما يعني اعترافاً ضمنياً بدولة إسرائيل، مع النص على تسوية القضية سلمياً، وقد ترتب على توقيع تلك الاتفاقيات صدور قرار الأمم المتحدة رقم ٢٧٣ في ١١ مايو/أيار ٤٩ بقبول دولة إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، باعتبارها "دولة ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة ومحبة للسلام ".
تلك كانت الحرب العسكرية الأولى الرسمية من أجل فلسطين، بشكل مباشر، وربما الأخيرة.
انتقلت القضية الفلسطينية، بعد ذلك، إلى ساحات الصراع السياسي محلياً على المستوى الفلسطيني – الفلسطيني، وانتهى الأمر سريعاً بانضمام الضفة الغربية للأردن، ووضع غزة تحت الإدارة المصرية، على الرغم من أن ذلك انهار في حرب يونيو/حزيران 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة وغزة.
وإقليميا على المستوى العربي – العربي، حيث انقسم العرب إلى دول تقدمية قومية، ترفع شعارات تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ودول رجعية ترتبط بأميركا والغرب، ودولياً بين دول تتعامل مع القضية باعتبارها قضية لاجئين، ترعاهم وكالة غوث أممية، ودول تعتبرها قضية شعب له حقوق مشروعة. والعامل المشترك الأعظم بين هؤلاء حرصهم على استمرار القضية حية ملء السمع والبصر، فمن أجلها وبسببها، قامت نظم ثورية سلطوية، ونشأت منظمات وهيئات إقليمية ودولية، واتسع المجال لقيام عشرات المؤسسات والمراكز والباحثين والخبراء، بل ومئات الرسائل الجامعية وآلاف الكتب والمراجع والموسوعات، وكلها تتعامل مع القضية.
ولا يمكن أن نتجاوز جانبا مهما في الصراع، هو سلسلة الحروب التي جرت منذ توقيع اتفاقيات الهدنة في ١٩٤٧، وما هو تصنيفها؟
ولا يمكن أن نتجاوز جانبا مهما في الصراع، هو سلسلة الحروب التي جرت منذ توقيع اتفاقيات الهدنة في ١٩٤٧، وما هو تصنيفها؟
وهي بالتحديد حروب ٥٦ و٦٧ وحرب الاستئناف وحرب ٧٣ ثم سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية، أو ما يعرف "بالحروب المنخفضة المستوى اللاتناسقية" ضد لبنان وسورية والضفة وغزة، والتي قدمت فيها شعوب تلك الدول عشرات آلاف الشهداء والمصابين، ناهيك عن خسائر مادية لا تقدر، إضافة إلى إعاقة خطط للتنمية أو التقدم، لو أمعنا النظر في كل تلك الحروب، لوجدنا أن إسرائيل هدفت منها إلى تكريس وجودها، وتأكيد قدرتها على الهيمنة على مقدرات المنطقة، وشل قدرة الأطراف العربية على مجرد التفكير في شعارات تحرير فلسطين، والتحول إلى القبول بها دولة قوية في المنطقة.
وفيما أكتب الكلمات الأخيرة في هذا المقال، يعلن محمود عباس، باعتباره رئيس السلطة الفلسطينية، اتفاق وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي، بعد أسطورة صمود غزة وإبداع المقاومة، وذلك من الأرض الفلسطينية في رام الله.
وفيما أكتب الكلمات الأخيرة في هذا المقال، يعلن محمود عباس، باعتباره رئيس السلطة الفلسطينية، اتفاق وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي، بعد أسطورة صمود غزة وإبداع المقاومة، وذلك من الأرض الفلسطينية في رام الله.
وفيه ولأول مرة إقرار بالحق الفلسطيني وبالمقاومة، وهي نقلة نوعية بكل المعايير في الاتجاه الصحيح لحل القضية، على عكس ما تشتهي أطراف كثيرة عربية وغير عربية، بل وربما فلسطينية، ويمكننا أن نقول بثقة: غزة انتصرت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق