نهاية نظام «الدولة العربية القُطرية» (2)
أحمد منصور
بقيت الأنظمة العربية التي سمحت الدول الغربية بقيامها بعد الحرب العالمية الثانية والجامعة العربية التي أسستها بريطانيا هي الأوعية السياسية للحكم في المنطقة وهذا وحده كفيل بتفسير الدخول مع إسرائيل في عدة حروب عبارة عن هزائم والحرب الوحيدة التي كان ظاهرها أنها انتصار وهي حرب العام 1973 كانت كما قال عنها السادات كانت حربا للتحريك.
ولم تكن حربا للتحرير وتحولت نتائجها إلي تحييد أكبر جيش عربي وهو الجيش المصري وتحوله إلي حام لإسرائيل وليس خطرا عليها، من ثم فإن أمن إسرائيل بل وتفوقها مع مكلمات وأصوات عالية من أنظمة عربية كان هو السائد طوال ما يقرب من خمسين عاما من نظام الدولة العربية القطرية التي أسست بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن هذا لم يعد كافيا للولايات المتحدة التي أصبح لها اليد الطولى في المنطقة والعالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والإعلان عن تفككه رسميا في 25 ديسمبر من العام 1991، فانتشرت في الغرب الدراسات والمقالات التي تبحث عن عدو جديد وانتشر الكلام عن «الخطر الأخضر» كتوصيف للخطر الإسلامي علي الغرب، حيث تقوم ثقافة الغرب على صناعة الأعداء إن لم يكن لهم أعداء وعلى إشعال نار الحروب إن لم يكن هناك حروب حتى تبقى مصانع السلاح التي تشكل حجما هائلا في دورة الاقتصاد الأميركي والغربي تعمل ولا تتوقف، وتم تضخيم الخطر الإسلامي علي الولايات المتحدة والغرب بعد سنوات قليلة من دعم الولايات المتحدة للجهاد الإسلامي ضد السوفيات في أفغانستان بل وتشجيع حلفائها في العالم العربي على السماح للشباب بالتوافد على الجهاد في أفغانستان ومد المجاهدين بالأسلحة المتطورة من أجل إسقاط العدو السوفياتي
فجأة أصبح هؤلاء الذين كانت تشجعهم الولايات المتحدة على الجهاد في أفغانستان وتقوم حكوماتهم بدعمهم بالتذاكر والرواتب هم الأعداء الجدد، وبدأت ملاحقة المجاهدين العرب في دولهم وفي كل الدول التي يلجؤون إليها، ولم يعد نظام الدولة العربية القطرية مناسبا للولايات المتحدة والدول الغربية لاسيما بعدما تأكد أن التهديدات الديمغرافية وتنامي المشاعر الوطنية في الدول العربية وتصاعد روح الجهاد والمقاومة ضد إسرائيل وقيام حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تتبنى الجهاد المسلح ضد إسرائيل بعدما دخلت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير في لعبة المفاوضات السياسية وأوسلو ما بعدها يهدد الكيان الإسرائيلي الذي أنشأه الغرب على أطلال فلسطين، وبعدما أغوت الولايات المتحدة صدام حسين بالدخول في حرب مع إيران استمرت ثماني سنوات حصدت الأخضر واليابس قرروا التخلص ليس من صدام حسين ولكن من العراق الذي كان يمثل قوة عسكرية تهدد الكيان الصهيوني بل والمصالح الغربية، فتم إغواء صدام حسين باحتلال العراق لتكون هذه البداية لتدمير جيشه وتفكيك العراق واستخدام جيوش الدول العربية الأخرى في المعركة ليتم تدمير الجيوش التي زعم أنها قامت من أجل إسرائيل في معارك بينية في ما بينها، وكانت حرب تحرير الكويت من احتلال العراق تجربة ناجحة ورطت الولايات المتحدة فيها جيوش دول عربية كثيرة في الدخول في معركة تدمير الجيش العراقي، في نفس الوقت كانت خطوات تقسيم السودان تجري على قدم وساق بعدما قام عمر البشير بانقلابه بدعم من الإسلاميين في العام 1989، في ما بدأت عملية انكفاء كبيرة من الدول العربية على نفسها.
(نكمل غدا)
(نكمل غدا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق