مسيحيو العراق !!
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
إن المسرحية المفتعلة المسماه "مسيحيو العراق" جديرة بوقفة تحليلية، خاصة وأنها توضح وتؤكد إزدواجية المعايير والتعامل بوجهين، إضافة إلى عبودية وتنازلات قادة هذا العالم، الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى وشركائهما، للكيان الحربى القائم على إبادة الآخر والمسمى "إسرائيل".
ومن الواجب توضيح أن الخطوط العريضة لهذه المسرحية ترجع إلى عدة سنوات، قبل حتى أن يتوجه البابا بنديكت 16 إلى هيئة الأمم ليطالب بحماية "مسيحيو الشرق الأوسط" ويعطى إشارة البدء لحملة إعلامية للتابعين له لإستخدام عبارة "الأقليات المسيحية" أو "مسيحيو الشرق الأوسط"، لتبرير التدخلات الجديدة فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وتتبدل الصياغات المستخدمة من "مسيحيو الشرق الأوسط" أو "الأقليات المسيحية فى مصر"، أو مجرد "مسيحيو الشرق"، إلا أن الأحداث القريبة منا والتى بدأت فجر يوم الخميس 7 أغسطس 2014 ، تتسم بأنها تكشف، إثر وقوعها، المتناقضات والتحيّزات بصورة فجة مثيرة للقرف.
ولتبسيط الرؤية العامة لهذه المسرحية لا بد من الإشارة إلى أن الموضوع متعلق بالمقارنة بين مأساتين من مآسى الأحداث الجارية : القتل العرقى المتعمد للفلسطينيين فى غزة ، بكل ما به من بشاعات، و"خشية" وقوع قتل عرقى لمسيحيي العراق !!
كيف دارت الأحداث :
فى فجر يوم الخميس 7 أغسطس إستولى مجاهدو الدولة الإسلامية على مدينة قرقوش، أكبر مدينة ذات أغلبية مسيحية فى العراق، بعد إنسحاب الأكراد.
وفى نفس ذلك اليوم صباحا، تم توجيه خطابا إلى البابا فرنسيس والقيادات الأسقفية فى العالم ووكالة الأنباء الفرنسية، وذلك من قِبل المونسنيور لويس رفائيل ساكو، بطريارك الكلدانيين، والتعبير عن خشيته من حدوث "قتل عرقى" للمسيحيين، ووضع المجتمع الدولى أمام مسؤولياته وطالب "بتصرفات محددة" لصالح مسيحيي العراق، الذين "أصبحت حياتهم مهددة اليوم".
ويقولها بوضوح لا ريب فيه : "خشيته" ، أى مجرد خشية !
ثم بادر بإدانة أنانية القوى العظمى الذين "يحملون مسئولية إنسانية ومعنوية" فى نظره حيال هؤلاء البؤساء المضطرون إلى الفرار. ثم سارع بإضافة أن الحل "يوجد فقط فى أيدى المجتمع الدولى بدأً بالقوى العظمى. لذلك يسارع بمخاطبة ضمائرهم حتى يمكنها مراجعة مواقفها وتعيد تقييم الموقف الحالى".
وتتصاعد وتيرة الخطاب ليضيف قائلا : "اليوم نوجه النداء بكثير من الألم والحزن إلى مجلس أمن هيئة الأمم، والإتحاد الأوروبى، وكافة المنظمات الإنسانية لمساعدة هؤلاء الذين يواجهون خطر الموت"..
ولم يفت الأب ساكو أن يضيف بعد مضاعفة عدد المسيحيين، ليؤكد أن مائة ألف مسيحى أطروا للنزوح وراح يتحدث عن "مأساة إنسانية".
فى حين أن وثائق الإحصائيات تؤكد أن عدد مسيحيو المدينة خمسين ألف نسمة !
وعلى الفور قام وزير الخارجية الفرنسية، لوران فابيوس، مدفوعا بحماس يُضرب به المثل، ليطالب بإجتماع فورى وغير عادى لمجلس أمن هيئة الأمم لتدارس مصير العراق وشعوبه التى "تطاردها الدول الإسلامية". ودارت مناقشات فورية فى مجلس الأمن مساء نفس يوم الخميس بناء على طلب لوران فابيوس !! إلا أن مجلس الأمن الذى انعقد مساء نفس ذلك اليوم، أى الخميس 7 أغسطس 2014 ، أصر على أن تكون الجلسة سرية ! والموقف برمته فى غنى عن أى تعليق..
ومن الملاحظ أن هذا المطلب قد تم بعد عدة ساعات من الإستيلاء على مدينة قرقوش، وكانت تضم خمسون الف نسمة إضافة إلى العديد من الممسيحيين المطرودين من الموصل التى سقطت فى أيدى المجاهدين يوم 10 يونيو 2014.
وفى نفس الوقت، وفى توافق مدروس ، كان البابا فرنسيس قد قام ـ قبل طلب لوران فابيوس بعدة ساعات ـ بإطلاق نداء فى نفس يوم الخميس، إلى نفس المجتمع الدولى لحماية شعوب العراق و"تأمينهم بالمساعدات اللازمة" !
وسرعان ما قام أوباما بإمطار مسيحيى العراق، الذين "قد" يتعرضوا لقتل عرقى، بألاف الوجبات وآلاف زجاجات مياة الشرب.
وكان البابا قد قام بتوجيه "هذا النداء العاجل إلى المجتمع الدولى حتى يسخّر نفسه لوضع حد للمأساة الإنسانية الدائرة وحماية الشعوب الفارة".
وفى هذا النداء الذى قرأه نيابة عنه المتحدث بإسمه، الأب فدريكو لومباردى، حدد البابا أنه : "يتضامن مع نداءات الأساقفة الملحّة فى المنطقة من أجل السلام، ويطالب المجتمع الدولى حماية و تأكيد المساعدات اللازمة للسكان الفارين".
وهنا نوضح، بما أن التوضيح يساعد على رؤية أفضل للأمور : أنه قبل الغزو الأمريكى سنة 2003، كان يعيش فى العراق أكثر من مليون مسيحى، منهم ستمائة ألفا فى بغداد.
لكن بسبب العنف المدمر والدك القاتل الذى اجتاح البلاد ولمدة عشر سنوات، فقد تقلص عدد المسيحيين بسسب فرارهم إلى حوالى أربعمائة ألف فى العراق بكلها. وهو ما يعنى أن هروب المسيحيين من العراق لم يتم ولم يبدأ فعلا إلا بسبب الغزو الهدام للغزاة المسيحيون ـ العنصريون ـ المحاربون ـ الأمريكان، وليس بسبب المسلمين.
وفى نفس هذه الأثناء وفى توافق مع ردود فعل فرنسا، المستعدة لمساندة القوات التى تحارب مرتزقة داعش، قامت بمنح فيزات مأوى عاجلة بما أن الحكومة ترحب بإستقبال الهاربين (وكان ساركوزى قد سبق وقدّم خمسمائة وظيفة فورية للهاربين من العراق فى عهده). كما قام البابا بإرسال ممثل له هو الكاردينال فيلونى، بينما راح أوباما يدرس توجيه ضربات موجهة محددة ضد داعش فى شمال العراق.
كل ذلك تم بسرعة فائقة فى غضون يوم الخميس 7 والجمعة 8 أغسطس !
ويا لغرابة التصرفات : ما أن تمت دراسة فكرة توجيه الضربات الجوية حتى تم التنفيذ صباحا، لكنها لم توجه ضد فلول داعش !!
إن السرعة التى تحرك بها المجتمع الدولى لإنقاذ مسيحيى العراق لا تكشف عن تواطؤ مخزى وفاضح، فى مؤامرة تدور فى نطاق حرب دينية غير معلنة.
ونورد لمجرد التذكرة : أن مجمع الفاتيكان الثانى (1965) كان قد قرر إقتلاع الإسلام وتنصير العالم، وتلته مسرحية 11/9 لتنفيذ ذلك بعد أن تلفعت بالشرعية الدولية..
القتل العرقى الحقيقى :
بعد شهر من القتل المتعمّد والإبادة الذى اكتفى خلاله المجتمع الدولى بالنظر أو بإطاحة الوجه بعيدا، أو التعليق بفتور على استحياء، أعلن نتنياهو يوم السبت 9/8/2014 فى حديث صحافى مشترك مع موشيه ياآلون، وزير الدفاع (!)
قائلا : "سنأخذ كل الوقت الذى نحتاجه وسنمارس كل القوة اللازمة".
ثم أضاف : "إن الجيش الإسرائيلى سيواصل عملياته فى غزة بعد إبادة كافة أنفاق المحاربين الفلسطينيين".
وهو ما يعنى أن هناك مجزرة قتل عرقى حقيقية أخرى قادمة لتضاف إلى تلك التى تمت طوال شهر يوليو ! ولم ترتفع أية أصوات لتردعه أو لتدافع عن الفلسطينيين..
إن هذه العبارة السلطوية المتغطرسة، التى نطق بها نتنياهو بعد أن قام فعلا بتنفيذ عملية قتل عرقى، تنفيذ مجزرة حقيقية، بما أنه أباد أكثر من ألفين فلسطينى ، فالعدد يتزايد بسبب عشرة آلاف من الجرحى الذين يعانون من إصابات بالغة، معظمهم من المدنيين والنساء والأطفال ؛ وبعد أن دك بوحشية بهيمية كل البنية التحتية لدولة خاضعه للحصار المفروض عليها منذ قرابة عشر سنوات ؛ وبعد أن هدّم بصلف فاجر محطة الكهرباء الوحيدة الباقية فى غزة ، وهدّم أحياء بكاملها، ومستشفيات، ومدارس، منها سبعة تابعة للإنروا، و133 منشأة تابعة للأمم المتحدة، ومساجد .. دكها دكا .. ورغمها، اكتفى عظماء هذا المجتمع الدولى بالتعليق ببرود : فقد قام البابا بصلاة جماعية، بعد أن كان قد وضع إكليلا من الزهور على قبر مؤسس الصهيونية ؛ ورفضت فرنسا التدخل لوقف الهجوم على غزة ؛ أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت بإرسال ثلاث بواخر مكدسة بالسلاح مساندة لإسرائيل !!!
ترى هل من الصعب إلى ذلك الحد إعلان أن "إسرائيل" قامت فعلا بجرائم حرب يصعب وصفها من بشاعتها ، أو تأكيد أن "إسرائيل" إقترفت فعلا مجزرة وحشية ، مجزرة أسوأ من كافة الحروب السابقة التى دارت على الأرض لأنها تعمدت سحق شعب بأسره خاضع للحصار منذ عشر سنوات ؟
هل من الصعب إلى ذلك الحد دفع المسئولين عن هذه الجرائم وكل هذه المذابح وكل هذا التدمير المتعمد إلى محكمة العدل الدولية لمحاسبتهم ؟!
أم ترى ، هل يجب إضطرارنا إلى قول : لو كان هؤلاء الفلسطينيون مسيحيين لتحرك المجتمع الدولى فى عدة ساعات للدفاع عنهم ؟؟!
محاربو داعش :
فيما يلى تلخيصا أو إختيارات مما نطالعه فى بعض المواقع الجادة خاصة موقع Veteran Today :
أن الخليفة البغدادى عميل للموساد ، وُلد عن أب وأم يهوديان. وأن الإسم الحقيقى لأبى بكر البغدادى هو "شيمون إليوت".
وهذا الإليوت قد جنده الموساد الإسرائيلى وتم تدريبه على التجسس وعلى العمليات الأرضية.
وقد خضع لتدريبات عسكرية متعددة ومر بالعديد من الإختبارات ليمكنه من قيادة عمليات هادمة لحياة العرب والمسلمين والفكر الإسلامى ، ليقود إستراتيجية هادمة لهذه المجتمعات.
وتنظيم داعش هو فرع من تنظيم القاعدة فى العراق وسوريا، ويوجد على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية.
وتقوم بتمويله الولايات المتحدة، و وافق عليها الكونجرس بموجب قانون تمت الموافقة عليه للعام الضريبى 2014 فى جلسة سرية، وهو سارى المفعول حتى 30 سبتمبر 2014 ..
وهناك معلومة أخرى تضيف مزيدا من الوضوح فى هذا الموقف : أن أبو بكر البغدادى كان سجينا فى جوانتانمو من 2004 إلى 2009، وخلال هذه الفترة قامت كلا من السى آى إيه والموساد بتجنيده لتكوين فريقا يمكن تجميعه من "المجاهدين"، من مختلف البلدان فى مكان معيّن ، ليكونوا بعيدا عن إسرائيل.
وخطة أو سبب تكوين هذا الجاسوس هو : التسلل إلى الأوساط العسكرية والمدنية للبلدان التى تم الإعلان عن أنها تسبب تهديدا لإسرائيل، حتى يمكن هدمها لتسهيل عملية قيام الدولة الصهيونية بالسيطرة على كل المنطقة وإقامة إسرائيل الكبرى..
وبعد أن تم تجميع معظم المتعصبين من كافة أنحاء العالم فى مكان واحد، وتكوين ما يمكن تسميته جيش حقيقى للشيطان، رافعا راية سوداء عليها شارة "لا إله إلا الله" ، لغرس كراهية العالم ضد الإسلام، وهو جيش مكوّن من دمويين يذبحون ضحاياهم بلا أى رحمة ، يقتلونهم ببرود غريب، بل ولا يترددون فى تصوير بشاعة ما يقترفونه وتوزيعه على المواقع الإجتماعية والإعلام.
إن تصرفاتهم تتسم بوحشية لا يمكن تصورها. ولكى يصل المرء إلى هذا المستوى من اللا إنسانية، التى لا يمكن لبشر أن يقبلها أو يتحملها ، لا بد وأن يكون ذلك الشخص مخدرا تماما وواقع تحت تأثير التوجيه ، ومعتاد على رؤية الدم والبشاعة. وهوعمل تقوم به الآلة الحربية الأمريكية الصهيونية منذ زمن بعيد.
وبإختصار شديد، فإن هذا الجيش الإسلامى المزعوم، لا علاقة له مطلقا بالإسلام، وقد تم تكوينه بدلا عن مرتزقة البلاك ووترز ، باهظى التكاليف بالنسبة لميزانية دولة وشيكة على الإنهيار ، لمحاربة الإسلام بأيدى مسلمين !
12 أغسطس 2014
Les chrétiens d’Irak !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق