نعم.. انتصرت غزّة
شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية
حتى قبل أن يجف حبر التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والاسرائيليين في القاهرة، أول من أمس، انطلق متصهينون عرب في مهمة جديدة، بعد فشل مهمتهم الأولى في تثبيط عزائم المقاومة، والملتفّين حولها من أبناء الشعب العربي.المهمة الجديدة التي سارعوا إلى تنفيذها، في محاولة منهم لجعلنا ننسى جريمتهم المخزية في التصهين والانحياز للعدو في أثناء الحرب، هي إشعال فتيل نقاش جانبي، بشأن فكرة واحدة، هي أن غزة لم تنتصر!
لكنهم بالطبع لم يجرؤوا على القول إن إسرائيل انتصرت، وخصوصاً أن إسرائيل نفسها لم تجرؤ على ذلك.
وفي الوقت الذي ظهر فيه مذيعو القنوات الإسرائيلية متجهمي الملامح وهم يقرأون خبر الاتفاق الذي اعتبره معظم المتابعين الموضوعيين انتصاراً واضحاً وصريحاً لغزة ومقاومتها وهزيمة نوعية لإسرائيل، تبارى المتصهينون في التشكيك بالانتصار، بتشفٍ واضح، بينما لجأ بعضهم، من المراوغين والمثبطين، إلى حيلتهم القديمة في التستر وراء أطفال غزة، والقول إن ما حدث قتل مجاني لهم، وتدمير للبيوت والمنشآت بلا أي فائدة، وإن ضحايا غزة أكثر بعشرات المرات من ضحايا إسرائيل. والتخريب الذي حدث في غزة أكثر بما لا يقاس بالذي حدث في إسرائيل، وغيرها من الحجج التي لم يملّوا من ترديدها طوال حرب الخمسين يوماً.
صحيح أن شهداء فلسطين أكثر بكثير من قتلى إسرائيل، وأن خسائر غزة المادية في البيوت والمساجد والجامعات والمنشآت والشوارع كارثية، لكن هذا لا يدلّ سوى على همجية إسرائيل، وعلى كذبها، عندما بدأت الحرب، بحجة الرد على حماس، وتدمير الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لسكان غزة، واتّضح لنا في أثناء هذه الحرب أنها، كالعادة، تكذب، فقد كان هدفها الرئيس الذي سعت إليه قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والأطفال، وتدمير ما تستطيع تدميره من منشآت البنية التحتية في غزة. ولعلّ هذا هو الهدف الوحيد الذي نجحت فعلاً فيه.
فالأنفاق، كما يبدو، ما زالت تعمل بكفاية نوعية، وسلاح المقاومة ما زال بأيدي المقاومين، والطلقة الأخيرة التي أطلقت قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار كان طلقة فلسطينية، في دلالة ذكية على بقاء الكلمة الأولى لرجال المقاومة.
حسناً، مرة أخرى، ما شكل النصر الذي يرضيكم في حرب بين طرفين، أحدهما مدينة صغيرة محاصرة من كل الجهات، ومنذ سنوات بلا منافذ خارجية ولا ميناء ولا مطار ولا موارد تقريباً، وبأسلحة في معظمها بدائية ومحلية الصنع، والطرف الآخر "دولة" تمتلك ما تدّعي أنه أحد أقوى جيوش العالم بأحدث الأسلحة التي لا تكاد توجد إلا بين يديه، ولم يجرّبها في حرب حقيقية سواه، وبمساندة من أقوى دول العالم؟ أيُّ نصرٍ يمكن أن يكون بين طرفين كهذين، أعظم وأوضح من الصمود والمقاومة والتصدي وفرض الشروط التي أُعلنت، منذ البداية حتى النهاية؟
نعم.. انتصرت غزة، على الرغم من أن الحروب عادة لا منتصر فيها بشكل كامل ومثالي، فأيّ طرف يشتبك مع طرف آخر في قتال لا بد سيخسر، لكن الخسارة غالباً ما تكون نسبية، وبالتالي، يمكن حسم الحرب لصالح أحد الطرفين ضد الآخر، وفقاً لمعطيات الخسارة النسبية، وما تحقّق من أهداف معلنة للحرب، منذ البداية، لكلا الطرفين.
نعم.. انتصرت غزة لأن أهداف إسرائيل لم تتحقق. فلم تنجح في تدمير الأنفاق، ولم تنجح في تحطيم سلاح المقاومة، ولا في إيقاف الهجمات الصاروخية حتى آخر لحظة، ولم تنجح في شلّ حركة المقاومة، ولم تنجح في تقوية معسكر ما يسمى الثورة المضادة، ولم تنجح في صناعة الضغط الشعبي على حماس.
وفي المقابل، صمدت المقاومة كما لم يحدث لأي جيش عربي طوال سبعين عاماً في المواجهة مع إسرائيل، وتعززت قواها، وتحسنت سمعتها الدولية، بما يشبه الاعتراف الدولي بها، بعدما باركت الولايات المتحدة الاتفاق الأخير، والتفَّ أهل غزة، وفلسطين كلها من مختلف المدن، حولها، بالإضافة إلى أنها زعزعت الوضع السياسي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتنياهو، وقلّلت من فرصه في النجاح في أية انتخابات مقبلة، وساهمت في تدني شعبيته، وفضحت عرباً كثيرين من ذوي الأهواء الصهيونية.
رحم الله شهداء غزة الذين بدمائهم حققوا هذا النصر، وسوَّد الله وجوه المتصهينين العرب في كل مكان
شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من
مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول
بالفتنة"و"مجرد امرأة مستلقية"،ولها
مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز،
وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق