من سخريات هذا الزمن الرديء أن الاجتماع (المسرحي!) المنعقد اليوم الأحد بالقاهرة لبحث عملية إعمار غزة.. يحضره قادة الدول المؤيدة والداعمة للكيان الصهيوني!.
وكان من الطبيعي أن التصريحات المبدئية التي نقلتها وسائل الإعلام عن الاجتماع تقول أن الداعمين المفترضين (أو المزعومين في الحقيقة) يعبرون عن قلقهم من احتمالات عودة الحرب وتدمير ما سوف يتم تعميره.
ولا يخفى على عاقل أن هذا الكلام السخيف ليس موجها للعدو الصهيوني الذي يدير المذابح ويحرق الأخضر واليابس، أو للمطالبة بضمانات لمنع تكرار العدوان، ولكنه موجه للضحايا من الفلسطينيين (والصهاينة العرب) بضرورة الاستسلام لشروط العدو والقضاء على المقاومة كشرط لتعمير غزة!.
وأكثر ما يغيظ الإنسان الحر في هذا الشأن هو التواطؤ العربي، وضهور مصطلح الصهاينة العرب!..
إذ ما زال الشعب الفلسطيني المجاهد يدفع ثمن السياسات العربية العشوائية غير المدروسة بما فيها من أخطاء وتواطؤ وخيانة وضعف وتخاذل أمام العدو, منذ عام 1947 وحتى الآن.
ورغم أن الزمن غير الزمن, والظروف غير الظروف.. فلم يستفد العرب من أي شيء: لا من عبرة التاريخ وتكرار الأحداث, ولا من ثمرات عصر ثورة المعلومات والاتصالات والسماوات المفتوحة, ولا من الوضع العربي القوي الراهن بامتلاك العرب للمخزون النفطي العالمي، ولا من ثورة الشعب الفلسطيني التي لم تفتر أو تهدأ رغم تجريده من السلاح ومن كل شيء عدا الطوب والحجارة التي يوفرها لهم العدو الصهيوني بهدم منازلهم، وأخيرا الصواريخ المبتكرة المباركة، محلية الصنع، التي تحقق قول الحق سبحانه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)!.
والأسئلة التي نلح على الحكومات العربية- بما فيها حكومة السلطة الفلسطينية- في البحث عن إجابات لها, كثيرة ومحيًّرة.. ولا نظن أنها غائبة عنهم, ولكننا سوف نقتصر على بضعة أسئلة, لعل أحدًا يمن علينا بالإجابة.. ولو من باب سد الذرائع:
*هل هناك أدني شك في أن أمريكا (والغرب عموما) شريك كامل ومخلص للعدو الصهيوني, وأنها متآمرة علينا عمدًا, مع سبق الإصرار والترصد, وأنها لن تخلص لنا يومًا وأنها لن تغير من سياستها تجاهنا إلا إذا أرغمت على ذلك؟!... وإذا كانت الإجابة أوضح من الشمس فلماذا نضع كل الأوراق في يدها ولا نفكر في الاعتماد على أنفسنا؟.*هل يشك أحد في أن العدو الصهيوني ليس لديه أية نوايا سلمية, وأن مسرحية «الحل السلمي» مجرد خطة لتضييع الوقت وفرض الأمر الواقع؟.
*هل يجادل أحد في أن انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته المبدعة هي السبب في إذلال العدو واضطراره إلى الإذعان والتظاهر برغبته في السلم؟.. ولماذا لا ندعم هذه الثورة حتى تحقق النصر الذي وعد الله به من ينصره؟!.
*هل تدرك السلطة الفلسطينية أنه لولا وجود «حماس» و«الجهاد»، ولولا جهادهما الصادق في سبيل الله لما فكر العدو في إنشاء هذه السلطة لاستخدامها ضد المجاهدين؟.. وهل تظن السلطة أن العدو لن ينقلب عليها وينزع سلطتها بعد التخلص من المجاهدين وتقليم أظافر الشعب الثائر المناضل؟.
*لماذا لا نكون واضحين في التمسك بحقوقنا مثل وضوح العدو في التمسك بالباطل؟.. ألم يعلن العدو صراحة أن القدس عاصمته الموحدة؟.. ألم يؤكد بالقول والفعل أن سياسة الاستيطان لا رجعة فيها؟.. ألم يرفض بكل صفاقة عودة اللاجئين, أصحاب الأرض؟!.. ألا يحاول الآن السيطرة على المسجد الأقصى استثمارا لحالة الشلل العربي الراهنة؟، ماذا بقي لكم لكي تتفاوضوا عليه؟.. هل يتصور عاقل أن الحدأة يمكن أن تلقي إليكم بالكتاكيت التي خطفتها؟!.
من غير المعقول أن تستمر هذه الغفلة أو التغافل عما يدور حولنا..
يا حكام العرب.. لا تخضعوا لمؤامرات الحلف الصهيوأمريكي وتنزلقوا إلى كمين القضاء على المقاومة الفلسطينية..كفى خداعًا للنفس وللشعوب المقهورة, وإذا لم تستطع الحكومات العربية أن تكون على مستوى هذه الأحداث المصيرية وتتعامل مع القضية بقوة واقتدار, فليترك الأمر لشعوبها.. وهي- والله- قادرة على تحرير فلسطين كلها.. فالهزائم والانتكاسات العربية ليست بسبب براعة العدو بقدر ما هي بسبب خيبة الحكومات المستبدة المقهورة أو عمالة الحكومات الخائنة.
abdallah_helal@hotmail.com
المصدر: الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق