الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

السلفية السنية.. مدارس ومسارات

السلفية السنية.. مدارس ومسارات 

مهنا الحبيل 
كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي

في الهجوم المهول على العالم السُّني اليوم كما ونوعا تضطرب مجددا قراءات ووعي الرأي العام الإسلامي المحاصر من داخل جغرافيته وعبر التحالف الإيراني الأميركي الشرس وصعود تقاطعاته في المشرق، إضافة إلى استدراج واشنطن عددا من الحُلفاء للالتزام بتحديدات هجومها وتسخير حركة الإعلام الغربي وما يدور في فلكه عربيا مساحات هجوم وتكثيف مصطلحات مناهضة لأهل السُّنة تحديدا.
ومع انتساب جماعات الغلو الوحشي إلى مصطلح السلفية، فقد تعزز هذا الخلط وامتد ليعزف على وتره كل جاهل أو عالم يحمل هدفا سياسيا أو أيديولوجيا أو أمنيا ضد العالم الإسلامي وقاعدة الأمة فيه، وهم بطبيعة التاريخ وحمل الرسالة أهل السُّنة.

ولن يتيسر للقارئ الكريم فهم هذه القضية والتسلسل المعرفي ما لم يعد إلى ما كتبناه تحت عنوان "إلى منهج أهل السنة من جديد"، ليتبين له تحديد معالم مسارات الفقه والفكر في تاريخ التشريع الإسلامي للمسلمين.

بانتساب جماعات الغلو الوحشي إلى مصطلح السلفية، فقد تعزز الخلط وامتد ليعزف على وتره كل جاهل أو عالم يحمل هدفا سياسيا أو أيديولوجيا أو أمنيا ضد العالم الإسلامي وقاعدة الأمة فيه
إن السلفية في العالم السُّني ومدارسه تنزع إلى ثلاثة مسارات رئيسية:
الأول هو تمييز الصدر الأول من قرون المسلمين بالخيرية كونهم أقرب زمانيا إلى الوحي وتطبيقاته العملية في حياة الصحابة وتابعيهم، وتحقيقهم صيانة النص من العبث والخرافة، وهي إحدى دلالات تميز ورعاية الوحي (الكتاب والسنة) في رسالة الإسلام.

وهذه السلفية وتعظيم تقدمها ومكانتها هي قاعدة مجمع عليها عند كل مدارس أهل السنة الكبرى وتابعيهم، وقد حددها الإمام السفاريني الحنبلي وغيره وتوافق عليها جموع المتقدمين كونها تتبع ذات الأصول في استدلالات العقائد والفقه وفي مقومات الجسم المركزي للأمة في مداولات التاريخ والحضارة والفكر، وهم الأشاعرة والماتوريدية وأهل الأثر، في حين تمثل مدرسة الفقه المذهبي الذي يتصدره الأربعة، ويضم معه مدارس أخرى كداوود الظاهري وغيره من منهجية التعدد الفقهي الثري.

والمقصود توحد فكرهم تجاه النص ودلالات الفروع في مدرسة أهل السُّنة، فارتبط التوافق بينهم بهذا المصطلح، وليس المقصود جزرا معزولة أو قبائل تفرز في تاريخ المسلمين، فهؤلاء ومن تبعهم كلهم على موقف واحد من الصدر السلفي للأمة.

أما المسار الثاني فيمثل نزعة المحافظة على دلالات ظاهر النص في السلوك واللباس والديانة التعبدية وعدم الانفتاح إلا بحذر شديد وتردد في المباحات تورعا، أو تأثما، وهذه الصفات تنتشر في كل مذاهب أهل السُّنة سواء في ذلك من نُعت بالسلفية أو المذهبية السنية أو الصوفية، فللناس نُسك وسلوك تعبدي لا يزال قائما حتى اليوم وليس محصورا بمن يُنعت بالسلفية أو لا ينعت من حيث التمسك بفهمه لظواهر الدليل والنصوص وتحفظه على بعض المباحات أو المكروهات وعدم تداوله فقه المقاصد أو الأولويات.

وهذه الشريحة واسعة في كل بلد ومنحى ولا يترتب على مظهرها وسلوكها شرط الإيمان بالعنف أو بأقوال داعش المدنية أو داعش العسكرية (تنظيم الدولة الإسلامية) أو مجمل عقائد السلفية الطائفية، بل هي تتمسك بإطار تراه سلوكيا وتعبديا، ولا تؤمن بقهر السُّني أو المخالف، ولا يجوز أن يَفرِض أي نظام دستوري إسلامي ولا مدني برنامجا يتعقب هؤلاء الناس ولا صناعة خطاب إعلامي في أي دولة أو وطن يدمغ هؤلاء بالصورة النمطية للتشدد وسوء السلوك، الذي قد يتقدم بعضهم فيه خيرا ممن يدعي الانفتاح والتنوير. وقلوب العباد مردها إلى الله.

أما المسار الثالث فهو التيار أو الفقه السلفي، وهل هناك في تاريخ التشريع الإسلامي تيار سلفي مستقل، وهل أدت الاستقلالية في كل مراحل نشوء هذا التيار إلى إعلان انفصاله واعتباره مدارس أهل السنة مدارس كافرة أو ضالة واعتبار مواجهتها مدنيا أو عزلها قسريا أو عسكريا بذاته أو مع قوى دولية، عملا مشروعا لأنه يعتني بإقامة العقيدة الصحيحة -في منظوره- التي ارتد عنها المسلمون.

ليست مواقف هذا التيار متعلقة فقط ببعض مظاهر الأخطاء والانحرافات كما يجري عند القبور فقط، بل تبتدئ مواقفه من هذه المدارس فتُقرر ضلالها، ويصنع لذلك مهمة أزلية وتاريخية يراها هي دين الله ويرى مشروعية التحالف مع أهل الكتاب ضدهم أو من يُمثلهم في العالم الدولي مشروعا ضد المبتدعة والضالين المنتمين لمدارس السُّنة.


متعلقات


إلى منهج أهل السنة من جديد (1)  

إلى منهج أهل السنة من جديد (2)    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق