الأحد، 12 أكتوبر 2014

مشايخ علمانيون!!



مشايخ علمانيون!!

ياسر الزعاترة


إذا كان شعار «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، هو أحد الشعارات التي قامت عليها أسس العلمانية، فإن بعض مشايخ هذه الأيام قد تجاوزوا هذا الشعار بكثير، فهم لا يعتبرون أن ما لقيصر لقيصر، وما لله لله فحسب، بل يعتبرون أن لقيصر كل شيء على الأرض في الحدود القومية الخاضعة لسيطرته، وله ما عليها من بشر وثروات، أي أن الدنيا له، لكن الأسوأ أنه له الدين أيضا.

حين قال عبدالفتاح السيسي إنه مسؤول عن القيم والأخلاق، ومسؤول عن الدين أيضا، فهو لم يكن يعكس في واقع الحال سوى الخطاب الذي سمعه من مشايخ رفعوه إلى مستوى الأنبياء، وهؤلاء لم يكونوا ينتمون إلى تيار فكري بعينه، بل ينتسبون إلى تيارات مختلفة، وإن بدا أن معظمهم ينتمي إلى تيار السلفية التقليدية، والصوفية وبعض مشايخ الأزهر.

لا يتوقف الأمر عند حدود مصر، فهو ينسحب على خطاب ما لبث أن شمل دولا كثيرة، بصرف النظر عن الألقاب والمسميات التي منحت للسيد الذي يُطالب الناس بطاعته في المنشط والمكره، وصولا إلى تحريم انتقاده في العلن.

واللافت هنا أن الخطاب الذي استند إليه تيار فكري عريض في الساحة الإسلامية خلال السنوات الماضية، والذي يعود في جذوره إلى الفقه الحنبلي؛ اللافت أنه لم يجد حرجا في الانقلاب على المبدأ الذي آمن به من حيث الطاعة لحاكم الغلب، وصولا إلى حرمة انتقاده في العلن، إذ قَبِل، بل برر سلوك أنظمة كان يدافع عنها مستندا إلى ذات الخطاب، وذلك رغم أنها تآمرت على حاكم شرعي منتخب، وليس حاكما جاء بالغلب.

وهنا تكمن مفارقة عجيبة، إذ إن المنطق الذي استند إليه الأقدمون في القبول بحاكم الغلب، لا يبدو حاضرا هنا، فقد ذهبوا إلى هذا الخيار من باب المصالح والمفاسد، وتفضيلا لخيار الوحدة على خيار العدل، وتجنبا للفتنة، لكن المشهد اليوم يبدو مختلفا، فنحن ابتداءً نتحدث عن دولة قُطرية محدودة، وليس عن خلافة تشمل عددا كبيرا من الأمصار، وبالتالي فإن ولي الأمر ما لبث أن نزل من مستوى الخليفة إلى مستوى حاكم القُطْر، بل وصل إلى مستوى رئيس الحكومة، وربما الوزير أيضا، لأن بعضهم لا يرى أحقية الناس في انتقاد وزير باعتباره جزءا من منظومة حاكم الغلب، ويفضلون النصح له بالسر، مع أنه يرتكب موبقاته في العلن.

وحين نقول إن من يفعلون ذلك ينتسبون إلى تيارات عديدة، وليس إلى تيار محدد، فهذا يعني أن الهوى هو الموجِّه العملي، وليس الفقه الحقيقي، والمشايخ هنا لا يختلفون البتة عن النخب الأخرى التي ساندت الظالمين من باب النكاية بتيارات أخرى، وأحيانا من باب المصالح الخاصة بها، سواءً كانت شخصية، أم كانت تتعلق بالأفكار أيضا، كما حصل مع تيارات يسارية وقومية وعلمانية لم تلبث أن انقلبت على شعاراتها لأن الخصم إسلامي الهوية.

ومن المثير بالطبع أن فكرة الفتنة لم تلبث أن سُحبت على مبدأ النصح في العلن، أو الدعوات للإصلاح، فقد انتقل القوم في وصفهم للخوارج من حملة السلاح ضد الدولة أو النظام إلى مستوى الناصحين بالعلن؛ وبأساليب سلمية، وصار مصطلح الخوارج هو الأكثر تداولا في السياق السياسي خلال السنوات الأخيرة، ورأينا مشايخ يبيحون قتل المعتصمين السلميين أمام الملأ، وصولا إلى أن يقول أحدهم «طوبى لمن قتلهم وقتلوه»، وأنهم «كلاب النار».

إن هذا الخلط بين دعوات الإصلاح السلمي وبين استخدام العنف لم يكن عفويا بحال من الأحوال، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة الحرب على ربيع العرب والثورات، بل حتى دعوات الإصلاح السلمي استنادا إلى تبرير يقول إنها ما تلبث أن تتحول إلى عنف، من دون أن يقول أحدهم من هو الذي يدفعها دفعا إلى ذلك الاتجاه اعتقادا منه بسهولة ضربها بعد ذلك، كما حصل مع بشار الأسد على سبيل المثال.

من الطبيعي أن يقف أبواق كثر من المستفيدين من الأنظمة في مربع رفض الإصلاح، ومحاربة الإصلاحيين، ولكن تلبيس الدين وزر هذا النفاق السياسي المفضوح لا ينبغي أن يسكت عليه الشرفاء، بل يجب أن يغدو مفضوحا على الملأ، لأنه أسوأ بكثير من سواه، وحين يصل الحال بمفتي سوريا (مفتي بشار بتعبير أدق) حد القول إنه انتخب بشار الأسد امتثالا لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا منتهى الكذب على رسول الله، بل منتهى الكذب على دين الله الذي جاء كي يحرر البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

يبقى القول إن هذا اللون من خطاب المشايخ لا يجد قبولا عند الغالبية من الناس، ولكن فضحه يبقى ضرورة من قبل العلماء العاملين، لأن السكوت عليه يمكن أن يمنحه بعض الرواج بمرور الوقت، الأمر الذي يشكل خطورة؛ ليس على البلاد والعباد فحسب، بل على دين الله الذي يتعرض لتشويه كبير على يد بعض منتسبيه، وبعض مشايخه أيضا، أحيانا تحت لافتة الجهاد، وفي أحيان أخرى تحت لافتة الحفاظ على الأوضاع القائمة، بكل ما تنطوي عليه من فساد واستبداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق