إيران في ذروة التصعيد ضد أردوغان
ياسر الزعاترة
منذ ثلاث سنوات، وإيران وتركيا تتحاربان في سوريا، لكن ذلك لم يحل دون أشكال كثيرة من التعاون بينهما، وفي المقدمة التعاون الاقتصادي الذي أفاد تركيا طيلة عقدين، خاصة منذ مجيء حكومة العدالة والتنمية الأولى عام 2002، فيما ساعد إيران على مواجهة العقوبات القاسية التي فرضها عليها الغرب بسبب المشروع النووي الذي كانت لتركيا مواقف إيجابية منه تخالف الموقف الأميركي والأوروبي.
اليوم تشن إيران حربا إعلامية غير مسبوقة على تركيا، يشارك فيها سياسيون وعسكريون وأمنيون من مختلف المستويات، ووصل الأمر حد إطلاق التهديدات الصريحة، الأمر الذي يجعل من الصعب القول إن الأمر سيتوقف عند ذلك الحد، إذ يمكن أن تنتقل الحرب من الكلام إلى الفعل، لاسيَّما أن بوسع إيران أن تفعل الكثير لإحداث القلاقل في تركيا، إن كان عبر تحريض الأكراد على نقض تفاهماتهم مع الحكومة التركية (باستغلال قضية كوباني)، أم عبر أعمال عنف داخلية يمكن لإيران أن تنفذها من خلال اختراقات لها في مجموعات مسلحة من شتى الألوان والأصناف، فضلا عن استخدام أدوات خارجية.
السبب الواضح والصريح لهذه الحرب الإيرانية المحمومة (هي تعبير عن أزمة قبل كل شيء)، والتي يمكن أن تتصاعد بمرور الوقت وتتخذ أشكالا متعددة يتمثل في الموقف التركي من القضية السورية، وكذلك القضية العراقية، وإذا قيل إن الموقف التركي من الملفين لم يتغير كي يحدث التحول في العلاقة، فإن الأمر لا يبدو كذلك بعد الصعود الصاروخي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسيطرته على ثلث العراق، وأجزاء كبيرة من سوريا، وتصاعد صدامه مع النظام كما لم يحدث من قبل خلال العامين الماضيين اللذين تركز جهد التنظيم خلالهما على الصدام مع الجماعات المسلحة الأخرى، بصرف النظر عن المبررات التي تطرح في هذا السياق.
من المؤكد أن التهديدات الإيرانية لتركيا هي تعبير عن حالة نزق غير مسبوقة، فإيران بعد اجتياح الموصل وانشغالها هناك، وتراجع النظام السوري في عدة مواقع لم تعد قادرة على إخفاء نزقها ولا مأزقها، وهي تشعر أن نزيفها يكبر يوما بعد يوم، ويمكن أن يتطور أكثر فأكثر على نحو لا يمكن احتماله.
من المؤكد أن كلا الملفين السوري والعراقي يمثلان بعدا حيويا لإيران، وفيما تبدو خسارة العراق مستبعدة في ضوء الظروف الراهنة مهما بلغت قوة تنظيم الدولة والمساحة التي يسيطر عليها، فإن وضع سوريا يبدو مختلفا، والسبب أن خسارتها ستفضي إلى خسارة العراق نسبيا، والتأثير على لبنان أيضا، ما يعني نهاية مشروع التمدد الإيراني، وما يعني أيضا خسارة تالية للمحافظين في إيران الذين يخوضون حربا غير معلنة ضد الإصلاحيين، لأن الشعب الإيراني سيحاسب من ورَّطوه في مغامرات بائسة وضعته رهن المعاناة من أجل مشروع تمدد ينتهي إلى لا شيء.
وفيما رأت إيران في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة فرصة ينبغي الاستفادة منها من أجل تغيير الوضع على الأرض لصالح النظام، فهي ترى أن تركيا هي التي تشذ عن القاعدة العامة، وهي وحدها من يتحدث عن تحالف يستهدف بشار وتنظيم الدولة في آن، وهي وحدها من طالبت وتطالب بمنطقة عازلة داخل الأراضي السورية، والنتيجة أن سياستها هي التي تهدد النظام عمليا، فضلا عن دعمها للثورة والثوار بشكل عام.
اليوم يجري استغلال قضية كوباني أو عين العرب في سياق التصعيد الداخلي ضد تركيا، ويأمل الإيرانيون في أن يؤدي ذلك إلى إشعال الساحة التركية الداخلية ونقض المسار السلمي مع الأكراد، فيما لا يمكن لتركيا أن تنتصر لتنظيم كردي سوري يعاديها، ويوالي النظام السوري، فضلا عن طموحاته الانفصالية.
تركيا ليست ضعيفة في المقابل، إذ بوسعها أن تثير المتاعب لإيران أيضا، سواء في سوريا والعراق، أم داخل إيران التي لا تبدو تناقضاتها العرقية والمذهبية أقل من تركيا، إذ لها أكرادها ومطالبهم أيضا، فضلا عن العرب والبلوش وسواهم، وحين يتحدث وزير الأمن الإيراني عن إلقاء القبض على 130 إرهابيا، بينما يُقتل ثلاثة من الشرطة الحدودية في اليوم التالي، فهذا يعني أن التربة الإيرانية جاهزة لاستقبال العنف في ظل حشد طائفي يجتاح المنطقة.
والخلاصة أن التوتر المتصاعد بين تركيا وإيران وفي داخل كل منهما، هو جزء لا يتجزأ من حالة الفوضى في المنطقة، والتي لا يتحكم بخيوطها أحد، وهي فوضى ستكون نتائجها حصيلة تدافع القوى جميعا، لكن إيران التي فتحت على نفسها نزيفا كبيرا (أضافت إليه اليمن الآن) لن تخرج من هذه الفوضى سالمة، ربما أكثر من الآخرين (سيتضرر الجميع بكل تأكيد)، وفي النهاية ستقبل بتسوية إقليمية تعطيها حجمها لا أكثر. متى سيحدث ذلك؟ لا أحد يدري.
إنه غرور القوة الذي يدفع الدول إلى مغامرات بائسة تستنزفها دون جدوى، وقد قلنا منذ البداية إن سوريا لإيران ستكون بمثابة أفغانستان للاتحاد السوفيتي، وربما فيتنام لأميركا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق