الجمعة، 10 أبريل 2015

البوّاب حينما تنفِر عروقه


البوّاب حينما تنفِر عروقه
عبد الحكيم حيدر

غالباً ما يبدأ البوّاب عمله طيّباً وعادلاً وخدوماً، وأكثر مروءة، في خدماته، أحياناً، من ملاّك العمارة أنفسهم.
وغالباً ما يبدأ عمله، وأسرته في قريته الأولى بعيدة عنه، ونظراً لمروءة هذا الطيب الجديد الذي أثبت، بعد اختبارات، حُسن صلاحه، يطالب سكّان العمارة بلمّ الشتيتين، البواب وأسرته، ويتطوعون ببناء غرفة له في السطوح.
في أول ليلةٍ للبوّاب في السطوح، يحسّ بنقلةٍ ما، خصوصاً بعد إشعال أول سيجارة له، بعد أن ينصب السرير، ويشد مفرشاً رخيصاً على الكنبة، ثم يطل على باقي العمارات الأخرى المجاورة، ويحس بمكانته الجديدة، ويا حبذا لو رأى، من سطح عمارته الجديد، نجمة ما تِعده بالحظ والسعادة، وكثيرة هي النجوم في مثل تلك اللحظات.
في الصباح، بعد أن يكون قد ضمن لنفسه مكاناً فوق الجميع، سكناً ومجلساً ثابتاً على الباب، بكرسيين يرى منهما الداخلين والخارجين، تنتاب البوّاب حالة الصحافي صاحب المعلومة والسطوة على الجميع، كبيرهم وصغيرهم، حتى وإن استمر طيباً وخدوماً.
أما لو دخل الشقق، فسوف يتحول الصحافي، في طور الإمكان هذا، إلى ماسورة معلوماتٍ لا يستهان بها، إذا ما انفجرت في أي وقت، خصوصاً ما يتعلق بالأعراض والقيل والقال.
وهنا، تبدأ قوة ذلك الصحافي الجديد في طور الإمكان الذي لم يقصد، ولا يعرف، ولا يأمل أن يكون صحافياً، ولا حتى يمتلك أوراقاً ولا أقلاماً، وقد لا يكون يعرف القراءة أو الكتابة أصلاً، إلا أن النجاح في اقتناص المعلومات التي تسعى إلى حجره سعياً حتى وهو نائم، أو تنام طيّعة بين أصابعه، وهو في الكرسي أمام الباب، تدفعه إلى مزيدٍ من القوة والفجور في حالات أن يلعب (الدولار) بين أصابعه، أو (الصنف)، أو تأجير شقة مفروشة هنا أو هناك. 
وهنا، تبدأ مرحلة الخطر في حياة البواب، وتلاحظ أن أكتافه صارت عريضة، أو تزوج بأخرى، أو اشترى عربة ربع نقل لأحد أبنائه، أو نفرت العروق في رقبته بوضوح، بعدما زادت شحومها، وكل آن ينظر بقلق إلى ساعته، وباقي أبواب العمارات المجاورة، وقد أهمل جلسة الباب، كعادته في الصباح، وقد يدخل هو وأولاده في (عركة) صغيرة، أو عركتين، في الشوارع الجانبية.
هنا، تبدأ مرحلة الخطر القصوى في حياة البوّاب، خصوصاً لو رجع من (عركة) منهم بسبع غرز أو أكثر.
 ارفع هذا البواب من المشهد تماماً، وضع بدلاً منه إبراهيم عيسى، بعدما صار يرمي دانات مدافعه، لا على منتج، أو مخرج، من أجل شراء قصة له في بداياته، أو مقال يلاطف به ابتسامات مخرجة شابة، أو رجل أعمال، طلباً لإعلان سريع لزوم السفر، هو وأولاده إلى دولة أوروبية، للاطلاع على ماكينات الطباعة ومستوى صناعة الصحف في الغرب، بل دانات على ملوك ودول، حتى شملت داناته البخاري وصحيحه، وشيخ الأزهر، بل الأزهر برمته، يقول ذلك والذقن ناعم، والكرش مدلّى..
لولا حصافة الترزي وعبقريته في ستر الشحوم في أعطاف قماش البنطلون، لكانت ليلتنا هباباً. فمن أجلس إبراهيم خلف هذا المدفع، ومن يمده بكل هذه الدانات؟
المدهش أن السعودية أدركت هول الدانات، وأصابتها، فقفلت حنفية الدولارات فقط بغمزة صغيرة، لم تكلفها شيئاً، وألغت له برنامجاً، كأول رد فعل من المانحين على الدانات. هنا، بدأ إبراهيم غلق الموضوع، خوفاً وحرصاً على باقي النعم.
 إذا عدنا إلى البواب، سنجد، بعد السبع غرز، أن مجلس إدارة العمارة اجتمع، وأمره بالرحيل عن العمارة. قطعاً سيرحل البواب، في الليلة نفسها، ويعالج غرزه في شقته، إلى أن يعثر على مكان عمل آخر. وحتماً، لن تنتفخ عروقه ثانية، خصوصاً لو عاد إلى قريته من غير عمل. 
وبدوري، دعائي لإبراهيم عيسى ألا تنتفخ عروقه، مرة أخرى، بهذا الشكل، لأنه حتماً سيواجه مصير البوّاب سابق الذكر.
أما لو كان واثقاً من صاحب المدفع والدانات، فعليه أن يواصل عمله، كشاويش مدفع رمضان، على الأقل ضماناً لاستمرار الأرز. لكن، حذار أن توجه مدافعك إلى الملوك، فأمامك البحر فقط، وإلا زدناك على البوّاب بغرزتين، فتحسس (يا فلان) غرزك واعتبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق