السبت، 4 أبريل 2015

أمريكا وإيران ؛ اتفاق نووي أم صفقة شاملة

أمريكا وإيران ؛ اتفاق نووي أم صفقة شاملة


شريف عبدالعزيز

لا جديد ، ولا مستغرب ، ولا بنود سرية ، ولا أي مفآجات في اللحظات الأخيرة ، وكما كان متوقعا تماما ، جاء الاتفاق النووي بين إيران والغرب .

فمن يتوغل تاريخيا ويتعمق دراسيا في العقلية الإيرانية والنفسية الغربية يترجح عنده يقينيا أن الاتفاق محسوم منذ سنوات . فالتعاون الفارسي الغربي ، أو بالأحرى المجوسي الصليبي ضد العالم الإسلامي ذو تاريخ حافل وطويل ،ولعب دورا كبيرا في تأسيس القواعد الرئيسية في العقلية والذهنية الحاكمة بين الجانبين ، وفي تشكيل النظرة السوداوية لديهما تجاه العالم الإسلامي أو بالأحرى أهل السنّة تحديدا .

فمنذ تعاون النصارى أهل الكتاب مع الفرس المجوس في معركة " أليس " المعروفة تاريخيا بنهر الدم سنة 12 هـ ، وتاريخ العلاقات بين الطرفين حافل بالمشاهد المخزية، مرورا بالمواقف العدائية العنيفة من الدول الشيعية التي ظهرت عبر التاريخ ضد العالم الإسلامي ، وأبرزها الدولة الصفوية التي تعتبر إيران وريثتها الشرعية اليوم ، وهي الدولة التي ناصبت الخلافة العثمانية العداء لقرون وتحالفت مع روسيا القيصرية ضد العثمانيين، وكانت من أهم أسباب ضعف العالم الإسلامي وقتها ، وانتهاء بالتعاون الإيراني مع أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان والاجهاز على ثورات الربيع العربي ، لذلك فليس غريبا أن يتم توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب والذي يمثل ذروة التعاون الاستراتيجي بين الطرفين .

شهدت ليلة الخميس الماضي ، التوصل إلى اتفاق بالخطوط العريضة بين طهران والمجتمع الدولي بخصوص برنامج إيران النووي، الذي اعتبر مصدر تهديد متعاظم من قبل الدول الغربية، عقب تسريع إيران برنامجها عام 2005.

وجاء الاتفاق بعد مفاوضات طويلة خلال الـ 18 شهرًا الماضية بين إيران ومجموعة (5+1) التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، حيث قررت الأطراف التوقيع على النص النهائي في 30 يونيو المقبل ، وهو الأمر الذي اعتبره كثير من المحللين والمراقبين بأنه انتصار كبير لسياسة أوباما الرامية نحو تجسير العلاقات مع إيران كمدخل رئيس نحو حل أزمات المنطقة بالسماح لإيران فعليا بالهيمنة والسيطرة عليها .

كل الخطوات التي تتم على الأرض خلال ال18 شهر التي مثلت عمر المفاوضات حول ملف إيران النووي كانت تشير إلى أن الاتفاق سيخرج للعلن بصورة ترضي جميع الأطراف ما عدا الدول السنية التي تمثل الغالبية العظمى من العالم الإسلامي
-الشيعة أقل من 7% من إجمالي تعداد المسلمين ــ
فالتقرير السنوي الصادر في مارس الماضي عن جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الأمريكية، أوصى برفع إيران وحزب الله اللبنانى، من قوائم الإرهاب، فيما اعتبر مؤشرا أوليا على قرب توقيع الاتفاق النووي ، وعلى إعلاء أمريكا لشأن علاقاتها مع إيران على حساب حلفائها التقليديين في المنطقة في المرحلة المقبلة ، وكذلك دلّ على طبيعة التفاهمات الأمريكية – الإيرانية فيما يخص الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي السياق ذاته جاءت تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، في منتصف يناير الماضي ، وهي التصريحات التي أظهرت تحيزاً لا يقبل الشك للرئيس باراك أوباما وإدارته، لمصلحة التنظيمات الشيعية وإيران، على حساب المجموعات والأنظمة السنية.

ففي جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة الأميركية، ورداً على سؤال حول إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، أجاب" فيكر" بالإيجاب.
 بعد ذلك بأيام، أعلنت واشنطن أنها قطعت التنسيق في مكافحة الإرهاب مع الحكومة اليمنية التابعة للرئيس هادي.

أوباما رمى بثقله في المواجهة مع الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون الرافضون للاتفاق مع إيران ، حتى أنه اتصل شخصيا بمشرعين، من الحزبين، لإجبارهم على التخلي عن التعديل الذي قدمه السناتور الجمهوري بوب كوركر، والذي يقضي بتعديل قانون التحالف الإستراتيجي الأميركي مع إسرائيل لإدراج بندا فيه يعطي الكونجرس حق نقض أي اتفاقية نووية مع إيران، ما حمل المعلقة في صحيفة «واشنطن بوست» جينيفر روبن على الكتابة أن خطوة أوباما «تتعارض مع ما سبق أن أعلنه مسؤولو إدارته من أن الكونجرس سيكون مشاركا في أي اتفاقية نهائية مع إيران تؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها».

ومع أن رفع العقوبات الأميركية عن إيران يحتاج إلى قانون في الكونجرس، إلا أن لرئيس الولايات المتحدة الصلاحية لتعليق أي عقوبات بموجب مرسوم يتم تجديده على أساس سنوي.

ومواجهة أوباما، شخصيا، مع أعضاء الكونجرس حول سياسته تجاه إيران والمنطقة ليست الأولى من نوعها، فقبل أسابيع، سرت تقارير مفادها انه على إثر قيام عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي عن ولاية ديلاوير، كريس كونز بربط الصراع في أوكرانيا بأحداث سورية والتشبيه بينهما أثناء جلسة استماع علنية، استشاط أوباما غضبا واتصل بكونز هاتفيا،وقال له:«إذا كنت تريد الفوز لحزبنا (الديمقراطي) في الانتخابات المقبلة فلا تثر موضوع سورية».

أوباما يتعامل مع الملف الإيراني بحرص شديد، ولا يريد إثارة أي تشويش، من قبيل رفض أي عمل عسكري مباشر أو غير مباشر ضد الرئيس السوري بشار الأسد وقواته، لا لأن الرئيس الأميركي يؤيد بقاء الأسد، بل خشية أن تعكر أي خطوة من هذا النوع صفو المفاوضات مع الإيرانيين

أما على الأرض فكل الخطوات التي جرت خلال عمر المفاوضات كانت لا تبشر بخير على الإطلاق للدول السنية والعالم الإسلامي ، فأمريكا والغرب أبديا إنحيازا سافرا نحو إيران وحلفائها ومشروع إيران الكبرى في المنطقة ، ففي العراق تسمح للمليشيات الطائفية وفليق القدس بقيادة سليماني بعمل مجازر مروعة بحق أهل السنّة تحت غطاء الحشد الشعبي ، وأصبح العراق فعليا هو المحافظة رقم 32 في المحافظات إيرانية ، وتتعالى الأصوات على لسان كبار المسئولين الإيرانيين باعتبار بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الإيرانية الجديدة .
أما في سوريا فأمريكا حريصة كل الحرص على بقاء الأسد ومنع انتصار المعارضة السورية بأي ثمن حتى أنه قد كشف النفاب أخيرا عن مباحاث سرية بين الإيرانيين والأمريكان بخصوص بحث سبل بقاء الأسد في منصه والحيلولة دون سقوطه مهما كانت التكلفة.

وفي اليمن مر بنا تصريح مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، عن التنسيق بين الأمريكان والحوثيين لاستهداف القاعدة باليمن، ناهيك عن قيام أمريكا بوأد ثورات الربيع العربي التي مثلت أكبر تهديد للهيمنة والتمدد الإيراني في المنطقة.

بالجملة عندما يغادر أوباما البيت الأبيض ستكون ايران أكثر دولة في العالم استفادت من فترة حكمه ، وليس هنالك شك أنّ المكاسب التي أصبحت في متناول يد ايران ستكون من نصيبها بفضل سياسة خارجية أمريكيّة راهنت على قيام إيران الكبرى.

إيران حققت مكاسب ضخمة من هذا الاتفاق الذي لم يقض نهائيا على طموحات إيران النووية إنما قام بترحيلها عدة سنوات فقط ، ومن أبرز مكاسب إيران : رفع العقوبات الاقتصادية عن كاهل الاقتصاد الإيراني الذي عاني كثيرا من هذه العقوبات الخانقة ، وعاني أيضا من إنهيار سعر النفط عالميا ، ناهيك عن المليارات الكثيرة التي أنفقها الإيرانيون على دعم نظام الأسد وإبقائه ، تلك العقوبات التي بلغت ذروتها اعتبارا من ٢٠١٢م، وصارت مربكة بشدة للاقتصاد الإيراني ومؤثرة على حياة المواطنين.

وكذلك التسييل التدريجي لأموال وأصول إيران المجمدة في الغرب والبالغة وفقا لتقديرات إيران لمائة مليار دولار ، مما سيعطي دفعة كبيرة لجهود إيران الرامية نحو تأسيس الإمبراطورية الإيرانية ، فالاقتصاد المنهك بالعقوبات قد حقق نصرا استراتيجيا بالغ التأثير خلال السنوات الماضية ، فكيف به بعد أن يتعافى من العقوبات ويصبح قويا ، عندها سنجد على الأغلب في كل شارع من شوارع مدن وقرى دول المنطقة بؤر إيرانية أما ثقافية أو تجارية أو دينية!!

أيضا من مكاسب إيران عدم خلط أوراق الملف النووي بغيره من الملفات العالقة! فلم يفرض الاتفاق أية قيود على المنظومة الصاروخية لإيران، رغم تصريحات "فرانك روز" نائب وزير الخارجية في ٢٧ أبريل ٢٠١٤م بأن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها على الحد من إمكانات إيران الصاروخية (والتي زادت بعد الإعلان في مارس ٢٠١٥م عن الصاروخ "سومار" المعدل من الروسي "كي إتش ٥٥" والبالغ مداه ألفي كيلومتر).
كذلك لم يتعرض الاتفاق لأي قيود على العلاقات الإقليمية لإيران رغم التعهدات الغربية المتتالية لدول الخليج، واكتفت الولايات المتحدة بزيادة تواجدها العسكري في مياه الخليج العربي اعتبارا من ٢٧ مارس الجاري، كوسيلة لطمأنة حلفائها بأننا هنا من أجلكم! والأصح من أجل تسليمكم لإيران.

أيضا من مكاسب إيران استمرار مفاعل فوردو ـ وهو بالمناسبة مقام تحت جبل ولا يمكن تدميره عسكريا ــ كمركز بحثي للنظائر المشعة لعلاج السرطان بمشاركة دولية، بديلا عن مقترح سابق بتقديم دول الخمسة زائد واحد النظائر المشعة لإيران ،وهو ما يضمن التراكم المعرفي في هذا المجال لإيران وليس استهلاكه وحسب ، أي بعبارة أخرى الحفاظ على الإمكانات النووية الإيرانية كما هي مما يمثل أكبر تهديد لدول الجوار .

سيمكّن هذا الإتّفاق إيران من الخروج من عزلتها وإلتقاط أنفاسها ، وسيمكّن إتّفاق كهذا من إذابة الجليد الذي ظلّ لسنوات يلفّ ظاهريا العلاقات بين إيران و أمريكا وبالتّالي سيشجّع دول أخرى على إستعادة علاقاتها التّجارية مع إيران إن لم تكن قد فعلت ذلك مسبقًا في كنف السرّيّة.
ستحظى إيران بمكانة جديدة ووضع أفضل في المجتمع الدّولي وتستفيد من عدّة إمتيازات إقتصادية وهو أمر سيضر أعدائها بلا شكّ.

وإذا كان أوباما يظنّ أنّ مجرّد مكالمة هاتفية للسّعوديّة ستحدّ من غضب السعودية على هذا الاتفاق فإنه واهم لأنّه لن يستطيع بلباقته و كلماته المنمّقة أن يطفئ غضبًا يغذّيه صراع مذهبي عمره أكثر من ألف سنة.

هذا السّيناريو يمثّل كابوسًا لدول الخليج ليس فقط لأنّ هذا التّغيير في العلاقات مع إيران سيمنح هذه الأخيرة قوّة سياسيّة وإقتصاديّة نافذة ومؤثرة إقليميا وعالميا، وسيكون هذا الإتّفاق أيضا حجر أساس لبناء سياسة أمريكيّة جديدة في المنطقة ترتكز على إدارة التّوازنات بين مختلف الأطراف الفاعلة بهدف المحافظة على الإستقرار وإحتواء أيّ تهديدات محتملة.وذلك بتمكين إيران من بسط نفوذها في المنطقة.

إيران لعبت بمهارة عالية ضمن نظرية ملئ الفراغ، لتعزز نفوذها وقوتها واستثمرت حالة الفقر الشديد وحاجة بعض الدول لها، بجانب براعة مفاوضيها في جنيف، حتى نجحت من إنجاز صفقة سياسية مع الإدارة الأمريكية والغرب، منحتها مزيدًا من النفوذ والتمكين لطهران في العديد من ملفات المنطقة، وهذا سيكون بالتأكيد على حساب الدول السنية عامة ، والمملكة السعودية خاصة التي بدأت إيران تلعب في حدائقها الأمامية والخلفية وهذا دفع السعوديون لإعادة ترتيب أوراقهم من جديد، بما ينسجم وحجم ودور ومكانة المملكة، وبذلك بدأنا نسمع عن تصريحات تصالحية مع جماعة الإخوان المسلمين، وجهود دبلوماسية مع دول تمثل حدائق خلفية وأمامية لإيران وكأننا نعيش مرحلة الحرب الباردة، ثم كانت عاصفة الحزم التي دخلت بالمواجهة إلى حلبة الصراع ببُعده الطائفي والقومي، فالسعودية التي تشكل الحاضنة العربية للعالم السنّي، في مقابل الإمبراطورية الفارسية التي تشكل الحاضنة للفكر الإسلامي الشيعي.

أوباما والاتحاد الأوروبي والغرب عامة ينحازون اليوم بشكل واضح لإيران والشيعة ضد السنّة وأنظمتهم وتنظيماتهم، المعتدلة منها والمتطرفة.

هذا الانحياز كان من قبل في الأقبية المظلمة ، ثم صار على صفحات الصحف وألسنة المسؤولين ، وأصبح اليوم واقعا واتفاقا ملزما يربح فيه الإيرانيون والأمريكان ، ويبكي فيه من جعل جلّ همه وأد الثورات العربية ، وقمع خيارات الشعوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق