ابتذال العاصفة: غزة ليست صعدة
وائل قنديل
تقرأ وتسمع هذه الأيام خطابا مضحكا من دوائر سياسية وإعلامية، شديدة الارتباط بمنظومة الانقلابات العربية، يحاول تصوير ما يحدث في عدن وصنعاء اعتداء على الشعب اليمني، واستخداما مفرطا للقوة ضد مجموعة من الحملان الوديعة التي تكتب الشعر، وتعزف الموسيقى الحالمة، وليس ضد ميليشيات طائفية مسلحة، مارست القتل والقمع والسلب والنهب والتعذيب، على مدى شهور عدة، على مرأى ومسمع من العالم كله.
يتحدث بعضهم، وكأن "الحوثيين" حكام شرعيون لنظام سياسي ديمقراطي ومحترم، وليسوا مخالب وأدوات لقوى إقليمية، بلغت بها الصفاقة السياسية أن أبرمت اتفاقيات تسيير رحلات طيران إلى العاصمة، مع مجموعة من المغامرين الطائفيين، بمعزل عن السلطات الرسمية في اليمن.
يثرثر بعضهم بكلام مغرق في عبثيته، عن عدوان على "السيادة" باليمن، بينما لم يسمع أحد لهم صوتا، عندما قامت مجموعات "عرقية" باختطاف الجيش والشرطة، والأجهزة المجسدة لهذه السيادة، بقوة السلاح القادم من الخارج.
ويثير العجب أن المتباكين على استخدام "الحزم" مع ميليشيات الانقلاب المسلحة كانوا، هم أنفسهم، المحرضين على سحق حركات المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني، في غزة، ومع ذلك، لا يستشعرون حرجاً أو خجلاً، وهم يتّهمون "عاصفة الحزم" بالتمكين لمخطط أميركي صهيوني إمبريالي ضد العرب.
بالتزامن مع ثرثرة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، تحريضا على غزة ومقاومتها، تطل تلك" المصادر السيادية" إياها، لتبلغ صحف الانقلاب المصرية عن "تورط جهاز مخابرات أجنبي في العملية الأخيرة بسيناء، بوضع خطة الاستهداف بالتنسيق مع جماعة أنصار بيت المقدس".
وبصرف النظر عن أن تكرار الضربات بالكيفية ذاتها، وفي المكان ذاته، يكشف أن ما تسمى "جهات سيادية" لا تمت للسيادة بصلة، وتبدو في حالة استرخاء وفشل وعجز، تجعلها أقرب إلى "السياحية" منها إلى "السيادية"، فإن السياق الذي تأتي فيه هذه التصريحات يكشف عن تربص وانتهازية من قبل معسكر الثورات المضادة، المتماهي مع الرؤية الإسرائيلية، بما يجعلهم وكأنهم لا يريدون تفويت فرصة "عاصفة الحزم" ضد الانقلاب الحوثي باليمن، من دون استثمارها في تحقيق مكاسب وتسجيل نقاط، ضد مشاريع المقاومة العربية، سواء مقاومة الاحتلال، أو مقاومة الانقلاب.
محمود عباس، يضبط ساعته دوما، على توقيت سلطة الانقلاب في مصر، طوال الوقت هو الصدى لتلك الأصوات الناعقة بالعداء والكراهية لمشروع المقاومة في غزة، إذ كان هو وسلطته أول من بادر، لاقتناص فرصة الحرب على الطائفية السياسية باليمن، للمطالبة بعاصفة مماثلة، ضد المقاومة الفلسطينية.
ومنذ انطلاق "عاصفة الحزم"، والنظام الحاكم في مصر لا يرى فيها أكثر من مناسبة لجني أرباح سياسية، واقتصادية، فمن ناحيةٍ يريدون استغلالها في الحصول على شهادة براءة لعملية قصف المدنيين في ليبيا، تلك العملية التي جرّمتها ردود أفعال الهيئات والمنظمات الدولية، وأيضا يريدون المقابل المادي، لمشاركتهم في "العاصفة" عسكريا، على الرغم من أنها تهب على أشباههم إلى حد التطابق، في الانقلاب على الشرعية، واختطاف السلطة السياسية، بقوة السلاح.
منطق التكسب والتربح الذي صبغ الموقف الرسمي المصري جعله يظهر متناقضاً ومتخبطاً، بين الحماس الشديد والفتور الكيدي الواضح، ثم معاودة الحماس.. ولا يعرف أحد ماذا يحمل الغد من تقلبات جديدة في موقف السلطة المصرية، لكن اللافت، حتى الآن، أن "الابتزاز" هي الكلمة الأدق في توصيف هذا الموقف.
لذا، يجري استخدام كل الأوراق، وكل الأصوات، حيث تجد ماكينة إعلام سلطة الانقلاب تشتغل في اتجاه رفض "عاصفة الحزم" يوما، ثم تجدها تعمل في اتجاه آخر، في اليوم التالي.
تارة، يستدعون ذكريات التدخل الناصري الستينياتي في اليمن، باعتباره عنواناً للمسؤولية القومية الناصعة، وتارة يطرحونه باعتباره ذلك الخطأ الرومانتيكي الذي أعقبته النكسة، وفي المحصلة، لا يوجد موقف مصري واضح، يعتمد مبدأ واحداً، في ما يخص "عاصفة الحزم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق