الخميس، 9 أبريل 2015

صفقة إيران الأميركية.. البنود السرية

صفقة إيران الأميركية.. البنود السرية
مهنا الحبيل

ما رصدناه من تسلسل الأحداث على مدى عقد من الزمن في طبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية، وكونها تتجه لتقاطعات مصلحية أكبر من مساحة الصراع الإعلامي والسياسي العلني، يثبت صحته اليوم.
ويهمنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن لغة التحليل السياسي التي اعتمدناها ومسيرة الرصد سبقت الملفات الكبرى في هذه التقاطعات التي تحولت لتحالف كبير في العراق ثم سوريا، وصولا إلى إيمان واشنطن بأن الحارس الإقليمي الجديد بالعمامة البديلة عن تاج الشاه يبقى هو المرشح المفضل، اختيارا أو اضطرارا للتحولات الكبرى التي يشهدها المشرق العربي والشرق الإسلامي.
أما مسألة المذهب والصناعة الطائفية التي اعتمدتها إيران الجمهورية الدينية، فهي -كما رددنا سابقا- عنصر فعال من حيث صناعة حقن طائفي وفصل للأقليّات، ثم تحشيدهم ككتل بشرية وديمغرافية ضد مصالحهم الوطنية أو علاقاتهم الأممية، وربطها فقط بقرار المصلحة الإيراني الذي تستخدمه كبطاقة قوة مع الغرب.
ونلاحظ في هذا الصدد كيف عمدت إيران الى التواصل الحيوي وتحشيد الطائفية العلوية في تركيا، رغم قوة الحق الدستوري والمساواة القانونية الحازمة، والتي لم يتعرض فيها المواطنون العلويون لأي انتهاك رغم حدة النزعة الطائفية في أوساطهم ودعم سياسييهم الشرس لنظام الأسد، فإن الخط الإيراني دخل عليها لذات الهدف، لصناعة مصالح نظام الأسد ومصالح طهران معه في صناعة الإقليم الجديد.
"الطائفية التي اعتمدتها إيران باتت عنصرا فعالا في صناعة الحقن الطائفي وفصل الأقليّات، ثم تحشيدهم ككتل بشرية وديمغرافية ضد مصالحهم الوطنية أو علاقاتهم الأممية، وربطها فقط بقرار المصلحة الإيراني، لاستخدامها كورقة قوة مع الغرب"
وتم ذلك لأن الكتلة التصويتية والقدرات السياسية لدى علويي تركيا أكبر بكثير من الأقلية الجعفرية التي رفضت شريحة مهمة منها قبول لعبة طهران، وثبتوا في إطار الوحدة الدستورية للدولة التركية، فيما لا تشكل المجموعة الأخرى الموالية للمرجعية الإيرانية قاعدة تفعيل مؤثرة، ولذلك تم التعامل مع الكتلة العلوية للتأثير في الوضع الإقليمي تأثيرا يتجاوز نظام الأسد إلى الداخل التركي، وتحييد أو تهديد المشروع التركي الجديد وقوة صعوده الشرقي.

إن هذا البند بمجمله واستخداماته المتعددة هو أحد أهم عناصر التعامل الغربي مع إيران، ونلاحظ هنا مسارا مهما في هذا الملف، فوفق ما أكده الباحث الأميركي البارز د. أريك ديفيس أستاذ العلوم السياسية في جامعة روتغرز، هناك قلق لدى واشنطن والغرب من مشروع المصالحة الكردي في تركيا والذي تراعاه حكومة العدالة، كأهم ملفات الداخل الإستراتيجية في مستقبل تركيا الحديث.

ما عبر عنه ديفيس وافقه فيه محمد الأفندي، وهو صحفي من أصل كردي عراقي مقيم في أميركا مناهض لتركيا، (في حلقة برنامج من واشنطن، في 31 مارس/آذار المنصرم)، حيث أكد الأفندي وجود التخوفات الغربية التي ذكرها ديفيس من مشروع المصالحة وأضاف أن على واشنطن المبادرة لاحتواء أو مواجهة هذا الملف.

إن هذا الملف المهم الذي تغولت فيه طهران فصنعت من بعض أكراد تركيا وسوريا -وهم أقلية الأقلية في الكرد- ترسا لمواجهة مشروع المصالحة ولو اقتضى ذلك مواجهة أوجلان ومساعديه، هو أحد عناصر التنسيق الرئيسية بين الغرب وإيران اللذين يجمعهما الخوف من صعود المشروع التركي.

ومن هنا فإن بنود الاتفاق النووي من حيث حرية التجارة ورفع العقوبات الاقتصادية التي مارسها الغرب لضبط توازناته مع المشروع الإيراني، ليست كل القصة في مستقبل هذا التوافق، والذي سُبق أصلا في العراق وفي سوريا، وفي مجمل فكرة الإيمان بإيران وبطاقة الأقليات لديها للتحكم في واقع المشرق، ومنع وصول قوة تنافس وتهديد كبرى لمصالح الغرب في المشرق العربي من أجواء التحرر في قيم الربيع المغتال.

وأفادت إيران كثيرا من عنصرين رئيسيين: الأول ضعف وتصدع البناء العربي المقابل، وخاصة مشاركة نفط الخليج في حملة إسقاط الربيع العربي الذي اتضح اليوم أنه كشف ظهر الأمن القومي في كل بلدان المشرق العربي، واتضح حجم المساحة الرخوة في بدلائه الذين تستفيد اليوم منهم طهران من دمشق إلى اليمن.


أما
الثاني فهو حرب داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) على عمق الثورات ووحشيتها وفوضويتها الانشطارية التي تفتح الباب لكل تدخل وتحالف يجعل شراكة الغرب مع طهران مشروعا مطلوبا، فضلا عن حجم الإضرار النفسي والإعلامي والدموي الذي تصنعه في شعوب الشرق وتشويه الإسلام ورؤية الإنسان العالمي له، وأن إيران شريك مقبول لدى الرأي العام الغربي لمكافحة محاضن السنة، وهم الضحية بين كماشتين.

وقد تأخرت كثيرا مواجهة مشروع الهيمنة الإقليمي لها، والذي كان من الممكن أن يكون بقوة وبحيوية وفطنة سياسية أكبر لو بدأ قبل ثلاث سنوات على الأقل من اليوم، وعزز شراكته مع تركيا، في حينه.

ورغم أن أي عرقلة للمشروع الإيراني ستساهم بكل تأكيد في تحجيم قدرات دفعه الجامحة اليوم بعد الاتفاق النووي، والتي ستكتسب زخما كبيرا بفضل بنوده الاقتصادية، وبالتالي التأثير على قدرات حكوماتها السياسية في بغداد وفي دمشق وفي صنعاء ونفوذها في لبنان، لكن عرقلتها بجهد مركز وتعاون عربي خليجي مع تركيا، سيصنع فارقا مهما، وقاعدة تأسيس لتوازن إقليمي هو اليوم ضرورة قصوى للبيت العربي المشرقي.

لا تتحدث بنود الاتفاق النووي عن مناطق الاشتباك الساخنة ولا كيف سيتم التعامل معها، ولا حتى الموقف الحقيقي للغرب المشكوك فيه من اليمن، فضلا عن نظرية الإيمان بضرورة بقاء الأسد التي ترتفع وتيرتها في واشنطن وبالتالي هزيمة الثورة وتصفيتها، وهي مفصل حيوي للبنود التي تعقدها واشنطن مع طهران اليوم.
 
"مداومة واشنطن على دعوة الأطراف الخليجية لطمأنتهم عند كل خطوة تتقدم فيها مع طهران أو تتوافق بها مع روسيا، هو حديث مجاملات دبلوماسي مخادع، حيث تُشبَع إيران بالشتم الأميركي العربي وتذهب بمساحة جديدة، على أعين واشنطن وبرضاها أحيانا"
وأهم بند هو طبيعة إدارة هذا العهد التوافقي الجديد لمناطق الشرق العربي، وخاصة إقليم الخليج العربي، حين تنجح إيران في اليمن أو حين يستمر واقع التيه العربي، ويُقبل مشروع الوسطاء الذين يراقبون بكثب المشهد اليمني وخطوطهم ساخنة مع طهران حتى لو أبدى بعضهم معارضة لها، ليتولوا الترويج لمشروعها، كونه واقعا تتعامل معه واشنطن. وبهذا تحبك آخر وأخطر نتائج التقاطع الإيراني الغربي، على حساب العرب والشرق الإسلامي.

إن مداومة واشنطن على دعوة الأطراف الخليجية لطمأنتهم عند كل خطوة تتقدم فيها مع طهران أو تتوافق بها مع روسيا كما جرى في سان بطرسبرغ ضد الثورة السورية، هو حديث مجاملات دبلوماسي مخادع، يستخدم موسميا، دون أي تأثيرات إيجابية للخليج العربي بل العكس، حيث تُشبَع إيران بالشتم الأميركي العربي وتذهب بمساحة جديدة، مرت على أعين واشنطن وبرضاها أحيانا.

وهي سلسلة تتكاثر اليوم من التمدد، لكن زحفها اليوم أخطر بكثير من الأمس. ورغم صعوبة الواقع، فإن أكبر درس يستفاد منه هو أن ترك المبادرة والانشغال بملفات فرعية أخرى أو جدلية لا تقوم على أي مصداقية مع الإسلاميين، أضرّ كثيرا بواقع الشرق العربي.

وهنا تبدو فرص متاحة من داخل هذه الملفات في سوريا والعراق والأحواز، لا يجوز سياسيا التفريط بها، بل التعامل معها بجدية واهتمام، وهي بوابة الإنقاذ الوحيدة من سقوط المشرق العربي تحت أقدام إيران أو في صراعات وفوضى تجلب طهران شرطيّة للمنطقة، وتعطي الغرب حصته.

وأبرز هذه الملفات اليوم في سوريا، فمع تقدم الثوار وإعادة ضبط مسار المعركة، وعودة التيار الإسلامي المعتدل وحركة الجيش السوري الحر ليشارك في توازن الميدان، والقناعة المشتركة القوية بعدائية إيران وكارثية داعش، يحتاج المشهد رعاية إقليمية توافقية قوية، تتحرك اليوم وليس بعد حرب اليمن، وهي مهيأة لاغتنام فرصة لانتصار شعبها السوري بعد هذه التضحية الكبيرة، وانتصار الشرق على مشروع الإرهاب الإيراني ومباركته الغربية.
المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق