"التنوير" في زمن العسكر
خليل العناني
لم أتمالك نفسي من الضحك، حين قرأت عنواناً في صحيفة مصرية يومية يصف شخصاً "بهلواناً" يتلاعب بالنصوص الدينية، ويخوض في التاريخ الإسلامي، بوقاحة يُحسد عليها، بالتنويري. وهي الصحيفة نفسها التي تدّعي أنها حارسة الحريات والتنوير، في حين أنها أحد المدافعين عن انقلاب 3 يوليو، وبررت قتل المئات واعتقال الآلاف، وكان رئيس تحريرها عضواً في الحزب الوطني المنحل.
أما عن صاحبنا "التنويري"، فقد كنت أتابع بعضاً من "شطحاته"، حين كان يكتب فى صحف صفراء، أواخر عهد حسني مبارك، وكنت أتعجب من جرأة جهله، ومن إعطائه صفحات كاملة لنشر تفاهاته. وبعد الانقلاب، أصبح هذا "التنويري" أحد الدعاة الجدد الذين يملأون الفضائيات لغواً وعبثاً.
ولكن، الرجل لا يتحدث من فراغ، فهو أحد التابعين المخلصين للجنرال عبد الفتاح السيسي الذي دعا، قبل شهور، للقيام بـ"ثورة" دينية، من أجل تصحيح الخطاب الديني وتنقية التراث.
ولم يتوان صاحبنا "التنويري" عن تلبية دعوة الجنرال، فبدأ هجومه على التراث بـ"غشومية" واضحة واستفزاز، وهو ما أثار حفيظة الأزهر والسلفيين، على الرغم من أنهم جميعاً حلفاء للجنرال.
لست متفاجئاً مما يحدث الآن فى مصر. فقد وصلنا إلى مرحلة ما بعد "الحضيض" الفكري والأخلاقي التي أصبح فيها جنرال عسكري ووزير داخليته من "الرُسل"، كما وصفهم أستاذ للحديث النبوي في جامعة الأزهر، أو أنهما رجلان اصطفاهما الله، لتطهير مصر من "الأوباش"، حسبما وصفهم شيخ موتور ومفتي سابق للديار المصرية. أو أن يعلن قس مسيحي أنه يذوب عشقاً فى "جمال السيسي"، ويعذر نساء مصر المغرمات به، قبل أن يلحق به زميل آخر، ويعلن أن الجنرال "مرسلٌ من السماء لإنقاذ الأرض".
التنوير في زمن العسكر هو أن يتحدث الجنرال "التنويري" بلغة ناعمة للصحافة الأجنبية عن حرية الاعتقاد الديني والحق فى الإلحاد، وأن "يفتي" بأن الجنة ليست حكراً على أحد، في الوقت الذي يقتل ويقصف رقبة كل من يخالفه فى المعتقد السياسي.
لست متفاجئاً مما يحدث الآن فى مصر. فقد وصلنا إلى مرحلة ما بعد "الحضيض" الفكري والأخلاقي التي أصبح فيها جنرال عسكري ووزير داخليته من "الرُسل"، كما وصفهم أستاذ للحديث النبوي في جامعة الأزهر، أو أنهما رجلان اصطفاهما الله، لتطهير مصر من "الأوباش"، حسبما وصفهم شيخ موتور ومفتي سابق للديار المصرية. أو أن يعلن قس مسيحي أنه يذوب عشقاً فى "جمال السيسي"، ويعذر نساء مصر المغرمات به، قبل أن يلحق به زميل آخر، ويعلن أن الجنرال "مرسلٌ من السماء لإنقاذ الأرض".
التنوير في زمن العسكر هو أن يتحدث الجنرال "التنويري" بلغة ناعمة للصحافة الأجنبية عن حرية الاعتقاد الديني والحق فى الإلحاد، وأن "يفتي" بأن الجنة ليست حكراً على أحد، في الوقت الذي يقتل ويقصف رقبة كل من يخالفه فى المعتقد السياسي.
وهو التنوير الذي يسمح فقط لـ"دين الدولة" ورجال "دين النظام" بحرية الحركة والنشاط، وأن يحاصر ويعتقل كل من يخالفهم الفهم الديني. التنوير في زمن العسكر هو أن يحاجج صاحبنا "التنويري"، بعد الهجوم عليه، بأن قدوته فى "التنوير" هو الجنرال، وأنه لو أراد أحد محاكمته، فليحاكموا الجنرال معه. أو أن يخرج مقدم برامج تلفزيونية، كي يعلن نسخته من "التدّين الجميل" المصحوب بالخمور والخلاعة. فى الوقت الذي تمارس فيه السلطة كل أشكال التضييق على حرية العبادة.
وهو التنوير الذي تستضيف فيه الأذرع الإعلامية التابعة للجنرال "الشاب التنويري"، وترعاه وتقدمه على أنه "شهيد الحرية"، فى الوقت الذي تحرّض فيه، صراحة، على قتل كل من يطالب بالحرية الحقيقية وإقصائه.
التنوير في زمن العسكر هو أن تُحذف صفحات قليلة عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع من المناهج التعليمية، وأن توضع صور متمردين مرتزقة، أمثال محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين على أغلفة الكتب المدرسية. أو أن يطالب بعضهم بأن يتم تدريس قصة حياة المناضل "عكاشة" ضمن فصول التاريخ المصري.
التنوير في زمن العسكر هو أن يتملق شيوخ "سلفيون" الجنرال، ويحرضونه على اعتقال منافسيهم، في الوقت الذي لا يتحرك لهم جفن، بسبب الهجوم المتكرر على "التراث" الذي يقدسونه، ويعتبرونه خطاً أحمر.
التنوير في زمن العسكر هو أن تُحذف صفحات قليلة عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع من المناهج التعليمية، وأن توضع صور متمردين مرتزقة، أمثال محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين على أغلفة الكتب المدرسية. أو أن يطالب بعضهم بأن يتم تدريس قصة حياة المناضل "عكاشة" ضمن فصول التاريخ المصري.
التنوير في زمن العسكر هو أن يتملق شيوخ "سلفيون" الجنرال، ويحرضونه على اعتقال منافسيهم، في الوقت الذي لا يتحرك لهم جفن، بسبب الهجوم المتكرر على "التراث" الذي يقدسونه، ويعتبرونه خطاً أحمر.
وهو التنوير الذي جعل ياسر برهامي، شيخ "السلفية السياسية"، يدافع عن الجنرال السيسي، ويبرر جرائمه في ميداني رابعة العدوية والنهضة، مقابل السماح له، ولجماعته، بالعمل السياسي والدعوي.
لست متفاجئاً بهذا "التنوير" المزّيف، فكل شيء فى مصر بات مزيفاً من أول السلطة ومن فيها وحتى الكلمة التي ينطق بها هؤلاء "التنويريون" الأشاوس.
لست متفاجئاً بهذا "التنوير" المزّيف، فكل شيء فى مصر بات مزيفاً من أول السلطة ومن فيها وحتى الكلمة التي ينطق بها هؤلاء "التنويريون" الأشاوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق