الجمعة، 10 أبريل 2015

تركيا «الرجل القوي»


تركيا «الرجل القوي»
خلود عبدالله الخميس

رافق الإعلان عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لجمهورية إيران التحليلات والتفسيرات وكثير من التشكيك والخوض في النوايا الخفية لتركيا واتهامها بالتقية السياسية.
وذلك الاتهام يعود لعوامل عدة على رأسها دعم تركيا اللامشروط لعاصفة الحزم بغرض إعادة الشرعية متمثلة بالرئيس هادي، هذا بالنسبة لأحداث اليمن كآخر تأزم سياسي.
وهذا كما أعلنت رئاستي الجمهورية في تركيا والوزراء بالتوازي مع بدء «العاصفة» بقيادة المملكة العربية السعودية، كذلك التقاء وجهات النظر في أزمة سوريا حول تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة. 
الأمر لم يثر الغرابة بالنسبة لأي مراقب للسياسة التركية فهي تنتهج البراجماتية في الحكم وتعتمد على التوازن في العلاقات الخارجية والانفتاح العالمي اقتصادياً.
ورغم تشابك واضطراب المشهد العام للعلاقات السياسية بوجود ملفات عالقة مثل مصر وسوريا والعراق واليمن مؤخراً.
تبرز تركيا كمفاوض ناجح لمناورة إيران طبقاً لمنهجيتها في العلاقات الدبلوماسية المعتمدة على المصالح المشتركة والاتفاقات بعيداً عن الحسابات الدينية والطائفية.
 وهذا يميز إدارة تركيا عن الإدارات الأخرى «السنية» إن صح الوصف؛ لأنها دولة أولاً علمانية الدستور تفصل في الحكم بين الدين والدولة.
ثانياً تضم مختلف الأعراق والمذاهب والأديان ما يتطلب منها أن تتعامل في إطار المواطنة والقانون فقط.
لتفكيك الصورة يمكن أن نقسم العلاقات مذهبياً في المنطقة مكان النزاع: (سنية- سنية)، (سنية- شيعية)، (شيعية- شيعية) والأخيرة تنقسم إلى شيعة عرب وشيعة فرس.
وهذه التقسيمات لها حساباتها في النزاع الأخير القائم في اليمن والذي بلا شك سيؤثر على سوريا والعراق ولبنان والبحرين والكويت، وكل دولة لديها أقلية من الشيعة تنشط مذهبياً عبر ساستها ونخبتها وملاليها ستتأثر بالتقسيم أعلاه، ويثبت كلامنا التصريحات المناهضة لعاصفة الحزم التي أطلقها نواب في البرلمان الكويتي وقنوات مدعومة من إيران.
العلاقات (السنية- السنية) وتتمثل بالسعودية وباكستان وتركيا ودول مجلس التعاون تقف بحسم وراء عاصفة الحزم. 
أما (السنية- الشيعية) يقودها لوبي ليبرالي من المذهبين يدعي وجوب الاحتكام إلى المواطنة وهي الفيصل أمام القانون.
وهذا قول الليبرالية العربية وعلمانيتها التي سقطت سقوطاً مدوياً بعد أزمتي مصر وسوريا وانكشاف ظهرها للعالم بأنها مزيفة الشعارات وأن جُل همها السيطرة على السلطة سياسياً وعالم المال اقتصادياً.
مهما كلف ذلك من ثمن فالمواطنة معروضة لمن يدفع أكثر، ولن نسهب في أمر معروف للجميع ما عدا عمان مستثناة من موقف مجلس التعاون؛ لأنها من الأغلبية الأباضية في المذهب الديني من جهة ولتفضيلها البعد عن المواجهات وعدم الانحياز لأي طرف.
العلاقات (الشيعية- الشيعية) وهي التي يعول عليها الساسة لتميل الكفة لصالح العرب، ولا أثق بهذا التعويل لأن الفكرة الدينية أقوى من العرقية، وتعتمد على أن الشيعة العرب يجب أن يقفوا ضد سياسات إيران التوسعية الفارسية، وأن الشيعة العرب خارج المشروع الصفوي فيزج بلحومهم وعظامهم لمفرمة «شاه إيران الجديد» الذي يرتدي عمامة.
ما سبق مدخل مهم لفهم التشابك (المصلحي- المذهبي) بين السنة والشيعة في الصراعات القائمة بين الشعوب والأنظمة في الوطن العربي.
وبما أن تركيا حولت بوصلتها إلى الشرق بعد حكم حزب العدالة والتنمية بات لزاماً أن نستقبل القادمين من تلك البلاد بكرم العرب.
زيارة أردوغان لإيران بعد اللقاء بكبار المسؤولين السعوديين مثل الأمير محمد بن نايف لها مدلولاتها، ومما لا شك فيه كما أشرنا أعلاه أن تركيا هي أفضل مفاوض عن منطقة الشرق الأوسط لعدم طرحها الطائفي، وأنها سوف تُسمع لقوتها الاقتصادية أيضاً.
العلاقات الإيرانية- التركية ستشهد تغيرات مقبلة كبيرة عندما يُرفع الحظر الاقتصادي في يونيو المقبل بعد الاتفاق على ملف النووي، والتفكير الاستراتيجي أن تهتم تركيا بالأعمال معها، خصوصاً أن آخر استطلاع رأي عام نشرته وسائل الإعلام التركية أن ما يفوق ثلثي الشعب لا يهتم بانضمام بلاده للاتحاد الأوروبي.
ولا ننسى تصريحات المسؤولين الترك أن الاتحاد سيكون عبئاً على تركيا لا العكس نظراً لنموها الاقتصادي المشهود.
هذه العقلية في الإدارة جعلت تركيا، التي اعتمدت على الإصلاحات والتنمية الاقتصادية، تصر على زيارة إيران رغم التصعيد الإعلامي ضد أردوغان من قبل البرلمان الإيراني وتسمية تصريحاته حول رغبة إيران بالهيمنة على المنطقة ودعم الإرهاب بالاستفزازية، إلا أنه لم يلغ الزيارة.
السياسي الناجح لا يأخذ الأمور بصفة شخصية، وينظر للمصلحة العامة قبل أن يتصرف.
الزعامة فن التعامل مع المخالفين والسياسة فن جعل اللامعقول في الوقت السيئ ممكناً وإفساح الوقت له، هذا تعريفي ورؤيتي، وهذا ما تفعله تركيا الآن.
ومؤشر نجاح السياسة التركية في احتواء الأزمات الداخلية وسيادة القانون على الجميع. فقد مثَل أعضاء ووزراء واقتصاديون من حزب العدالة والتنمية الحاكم أمام القضاء في تهم الفساد التي انكشف لاحقاً أنها مدبرة من الكيان الموازي، كما تطلق عليه الإدارة التركية، وحصلوا على البراءة لم يستثنِ القانون أحدا.
الأحداث الإرهابية الأخيرة التي عاثت في تركيا، وهي مدروسة قبيل الانتخابات، هي فاتورة منهج إدارة حزب العدالة والتنمية في الحكم ضمن السياسة القيمية الأخلاقية، وهو منهج لا يألفه دعاة الحروب والتصفيات.
ومن نتائج زيارة أردوغان، وكما نما لعلمي، أن هناك قمة ثلاثية بين تركيا والسعودية وإيران متوقعة في الأيام القليلة المقبلة طبقاً لمصدر مقرب من الحكومة التركية، وذلك بعد أن تم الاتفاق بين تركيا وإيران على حل أزمة اليمن ولكن لم تُبحث الكيفية والتفاصيل وتُركت للقاء مسؤولي الدول الثلاث.
ولا ننسى أن زيارة أردوغان لإيران تبقى ضمن تنفيذ استراتيجية صفر مشاكل طويلة المدى لرئيس وزرائه أحمد داود أوغلو، وستلحقها وصلات من الردح الإعلامي ولن يتوقف وستتهم تركيا بأنها مزدوجة المعايير والعمالة والمصلحية وغيرها.
ولكن على العرب أن يعرفوا أن التعامل مع إيران أمر واقع رغم الخلافات، وأنه من المصلحة أن يكون هناك من نستطيع الثقة في أمانته وقوته ليقوم بهذا الدور، وأن الدولة التركية هي الرجل المعافى اليوم والقادر على ضبط ميزان العلاقات لدفعها نحو العودة لمسارها الصحيح السياسي، ووقف لغة الاقتتال بالسلاح لفرض بقاء فئة بالقوة لا بالعقل والمساواة بالحقوق والعدالة.

•  @kholoudalkhames

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق