في إسرائيليات المشروع الإيراني
مهنا الحبيل
أمام كل موجة عنيفة تمر بالوطن العربي وانحداره في أتون صراع شرس في أقطاره يتداخل فيها القالب الطائفي والأقليات مع مشروع خارجي أو تقاطعات إقليمية تستدعى منظومة أفكار وأدبيات تم التواطؤ عليها من معسكر ثقافي صنع في أجواء محددة.
هذه المنظومة هي بذاتها كانت صفقة بين إيران ومجموعات من تيارات عربية ترفع إعلانا متكررا لا توجهوا إيران الطائفية، فالعداء الأساسي مع الكيان الصهيوني ودولته إسرائيل.
هذه المنظومة هي بذاتها كانت صفقة بين إيران ومجموعات من تيارات عربية ترفع إعلانا متكررا لا توجهوا إيران الطائفية، فالعداء الأساسي مع الكيان الصهيوني ودولته إسرائيل.
ومع صحة مركزية العداء مع المشروع الصهيوني في قيام دولة إسرائيل ككيان زرع في جسم عربي وإسلامي يرفضه باعتبار إنساني واضح لاستدعاء جماعة بشرية تقيم دولة في غير أرضها ومنفصلة عن تسلسلها الوجودي التاريخي والديمغرافي كانت عملية الرفض والمقاومة له طبيعية، مما استدعى أن تصب قدرات الغرب القديم (أوروبا) والغرب الجديد (أميركا) إمكانيات هائلة لزراعته عنوة، وخلق محيط مناسب للكيان.
كما استدعى ذلك قمع قوة المقاومة الفعلية والعميقة في وجدان الأمة، تلك المقاومة الأصيلة وليست العابرة بتقاطع سياسي مرحلي لأطماع إقليمية، أو خنق هذا المحيط عبر الاستبداد العربي ووسائط عديدة سخرت إعلاميا وثقافيا وسياسيا لهذه الزراعة السرطانية.
"في كل مرة تُستدعى منظومة أفكار وأدبيات تم التواطؤ عليها في إطار صفقة بين إيران ومجموعات من تيارات عربية ترفع إعلانا متكررا لا تواجهوا إيران الطائفية، فالعداء الأساسي مع الكيان الصهيوني ودولته إسرائيل"
فالفكرة هنا صحيحة تماما، لكن أين تقف إيران البعث الطائفي من هذا المشروع؟ ماذا حققت له على الأرض؟ وما هي الشواهد التاريخية التي عاشها الوطن العربي منذ قيام هذه الثورة، خاصة بعد منعطف الثورة السورية قبل أربع سنوات؟ وماذا قدمت الشهادات الإسرائيلية والغربية في هذا الملف لنحكم على هذه المقولة؟
إن أول ما يمكن أن يطرح في سياق معرفي أولي صرف هو هل أن هذه المقولة بترك مواجهة التعدي الضخم للمشروع الطائفي الإيراني ورسائل توسعه الوجودية التي يدركها كل مراقب بسيط بل كل الرأي العام هي أمر مطلوب حتى لو تمكن من تمزيق أي بلد وخلق فيه بؤر صراع وذهب تحت عنوانه عشرات الآلاف من البشر بحكم أن مواجهة إيران المسماة إسلامية ليست العدو؟
إن أول ما يمكن أن يطرح في سياق معرفي أولي صرف هو هل أن هذه المقولة بترك مواجهة التعدي الضخم للمشروع الطائفي الإيراني ورسائل توسعه الوجودية التي يدركها كل مراقب بسيط بل كل الرأي العام هي أمر مطلوب حتى لو تمكن من تمزيق أي بلد وخلق فيه بؤر صراع وذهب تحت عنوانه عشرات الآلاف من البشر بحكم أن مواجهة إيران المسماة إسلامية ليست العدو؟
بل حتى لو كان الأمر مع أي طرف آخر وبأي نموذج، ولنفترض مثلا أن شخصا اعتدى على شخص آخر له عداوة مع صاحب مزرعة فجاء المعتدي يقسم منزل المعتدى عليه ويشق عائلته ويستقطب بعض أفرادها طائفيا ليصارع ويقتل بعضهم بعضا فهل مطلوب من هذا الفرد أن يترك عدو المنزل حتى لا ينتبه عدو المزرعة، أم أن ترك العدو الذي دخل منزله سيأتي عليه وعلى كل أسرته ويتقاسم حينها مع عدو المزرعة باقي الفناء والحقل؟
إنه مثال بسيط يبين حجم المهمة القذرة التي نفذت على مدى عقود لتأمين وصول الزحف الإيراني الطائفي الأيديولوجي إلى كل بناء البيت العربي والإسلامي الذي فرق شمله وقطع روابط الطوائف فيه وأشعل حروبها.
لا نقصد هنا نظرية الاستبداد العربي وخنقه بيت الشعب وحرياته محتجا بتل أبيب، والذي اتضح مؤخرا أن العمامة الإيرانية وأتباعها لم تكن لديهم مشكلة مع عودته وتمكنه بعد نقض الربيع العربي، بل مدت له الجسور بحميمية، وحماس كبير، وجعلت مشروع الصحوة الإسلامية التي تسمي بها الربيع العربي تحت ركام الدفيء الجديد مع أحضان الاستبداد العائد.
وحين تغيرت قواعد اللعبة وانتقضت الحسابات التي أنهت بعض زواج المتعة بين إيران الطائفية والاستبداد العربي عادت إيران لملاعنته، وكان قبلها بأيام وهو يواجه المقاومة في فلسطين حليفا راشدا تدعو لتقوية علاقتها معه لمواجهة إرث الصحوة الربيعية!
يبدو الأمر أشبه بفنتازيا وسخرية لكنه واقع يواجهه الرأي العام العربي مع حفلة الأكاذيب والنفاق الصارخ والازدواجية التي يحركها إعلام المشروع الإيراني الناطق بأجساد عربية تخدم في صفوف الجمهورية الإيرانية.
إن حديث القرآن الكريم وتركيزه على بني إسرائيل وتاريخ خططهم التي أضرت بشعوب العالم وبسلم الإنسانية واستهدفت رسالة الإيمان للأنبياء لم تأت قصصا محضا ولكن لحكمة بالغة تشير إلى مرحلة خطيرة مستمرة من مسيرة الإنسانية والشخصية اليهودية كذات إنسانية لها كافة الحقوق في الإسلام والتكريم الإنساني الذي ورد في النصوص وفي علاقة أهل الكتاب فلا يستهدف لشخصه.
لكن محل التركيز القرآني والشرائع التي أتت تبعا له كانت في مواجهة انحراف النفس البشرية بخبث فكرة منحرفي بني إسرائيل وخيانتهم للإنسانية، وفي تصرفاتهم كجماعة انتهازية تسخر الدماء والحريات تحت أقدام مصالحها وتثبيت دولتها المشعلة للحروب.
"لم يعرف الوطن العربي في أقطاره حالة تشطير طائفي وتغييب عن العقل وعزل للإنسان في منظومته الشخصية عن محيطه الاجتماعي والوطني كما صنعت إيران لمذهب ديني كان ولا يزال من الممكن أن يكون ضمن نسيج الإنسان العربي لو بقي في إطار السلوك والتعبد الديني"
وعليه فإن وسائلها متعددة بحروب أميركية أو غيرها، وهنا تبرز لنا مشاريع إسرائيليات إيران المتحدة مع الكيان الصهيوني، فهي ورثت من العهد القديم للشاه رضا الصفوي -نسبة لأسرته- احتلال الأحواز العربية المشترك شيعة وسنة، فمارست عليهم صحوة إيران الإسلامية صنوفا، من قوانين الوحدة من محاسبتهم على الأسماء العربية الإسلامية إلى رفض لبس ثياب العرب إلى تعليقهم على المشانق لمطالبتهم بحقوقهم.
أما حين نفصل في هذه المعادلة الدقيقة فسنجد مشروع إسرائيل في العراق الذي شكل أكبر خطر إستراتيجي عليهم بعد انتصار جيشه في معركة الفاو واضطرار الخميني لشرب السم قبولا بوقف الحرب، حيث نجحت واشنطن في استدراجه بغزو أحمق للكويت، وظل مشروع تدميره دولة وإنسانا مهمة خاصة، حتى تم ذلك في 2003 واستمر إلى اليوم.
في 2003 لم يكن هناك شريك لتدمير العراق من داخل النسيج الاجتماعي في بلد الحضارات يستطيع تنفيذ الخطة كما تستطيع إيران التي سخرت مجددا احتلال الإنسان وفكرة بناء طائفية لا مذهب ديني يتعايش دستوريا وحقوقيا، ليكون هو ذراع التحقيق لمشروعها ومشروع إسرائيل.
في 2003 لم يكن هناك شريك لتدمير العراق من داخل النسيج الاجتماعي في بلد الحضارات يستطيع تنفيذ الخطة كما تستطيع إيران التي سخرت مجددا احتلال الإنسان وفكرة بناء طائفية لا مذهب ديني يتعايش دستوريا وحقوقيا، ليكون هو ذراع التحقيق لمشروعها ومشروع إسرائيل.
وحين أجمعت المصادر الإسرائيلية وتواطأت مع الغرب ضد الثورة السورية، وأنها خطر كبير أمام أمنها مع نظام بشار لم يكن هناك رادع لها إلا عبر إسرائيلية المشروع الإيراني فقتلت مليشياتها وقواتها الرسمية مئات الآلاف من محاضن المقاومة والردع في المجتمع العربي في الشام الذي كانت تخشاه إسرائيل، واتحدت عمامتها مع نجمة بني إسرائيل، وفقد حزب نصر الله أحد خيوط العمامة في حربه على الثورة السورية ما لم يفقد عشر معشاره في مواجهاته الموسمية المحكومة بمصالح إسرائيليات طهران وتل أبيب.
ولم يعرف الوطن العربي في أقطاره حالة تشطير طائفي وتغييب عن العقل وعزل للإنسان في منظومته الشخصية عن محيطه الاجتماعي والوطني كما صنعت إيران لمذهب ديني كان ولا يزال من الممكن أن يكون ضمن نسيج الإنسان العربي لو بقي في إطار السلوك والتعبد الديني، لكن فُجّر المذهب طائفيا وبعثر نسيجه وصنعت منه جماعات تنفذ مشروعا يخدم إسرائيل وهي تلعنه.
ثم تعرت ما يسميها المرشد الصحوة الإسلامية الإيرانية لتتخذ قوى النظام العربي المستبد حليفا، وهي التي سرق بعضها المليارات من قوت الشعب وشنت حروبا على مدنيي الطائفة أنفسهم لتُبنى مشاريع إسرائيلية جديدة من باب الهوى إلى باب المندب، والشعب العربي وقود حروب النجمة والعمامة، وحين تتغير المعادلة المصلحية ولو نسبيا تصيح إيران الإسرائيلية إنها مؤامرة على نصر الله والحوثي والعبادي في مهمتهم على الأرض العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق