"حنجلة" عمرو حمزاوي
وائل قنديل
من حق الأستاذ عمرو حمزاوي أن يتكيف ويتصالح مع ما كان يوماً ضد مبادئه السياسية وقيمه الأيديولوجية، كما يشاء. لكن، أن يعتبر هذه "الحنجلة" المفاجئة عين العقل، وأن لا معارضة إلا معارضته الداخلية، هنا تكون المشكلة.
عمرو حمزاوي قبل المنع من السفر شخص وفكرة، وبعد رفع حظر السفر واسترداد الباسبور، شخص آخر وفكرة أخرى.
كان حمزاوي الأول يرى في ما جرى، في مصر، انقلاباً عسكرياً على الثورة وعلى الديمقراطية، وحمزاوي الثاني يعلن بعد الاستتابة، ويوضح: "إقرار الدستور الجديد شرعي، وانتخاب الرئيس الجديد شرعي، وأنا لا أستهدف إسقاط النظام، ولكن أسعى لتصحيح مساره"
المسافة بين حمزاوي الثوري المعارض وحمزاوي الإصلاحي هي تلك الفترة بين مصادرة حقه في الحركة وجواز السفر والكلام، وبين استعادة حرية السفر وإلغاء الحظر وفتح الأستديوهات له.
مرة أخرى، لا أحد يصادر حريته في أن يكون جزءاً من نظام عسكري، جاء بانقلاب دموي قتل آلافاً من البشر، وسجن وشرّد عشرات الآلاف الآخرين، واغتصب مصريات وعذب مصريين، ولا أحد يجرؤ على مطالبته بالتنازل عن دوره الجديد معارضاً للنظام من الداخل، داخل النظام، لا داخل الوطن.
المسافة بين حمزاوي الثوري المعارض وحمزاوي الإصلاحي هي تلك الفترة بين مصادرة حقه في الحركة وجواز السفر والكلام، وبين استعادة حرية السفر وإلغاء الحظر وفتح الأستديوهات له.
مرة أخرى، لا أحد يصادر حريته في أن يكون جزءاً من نظام عسكري، جاء بانقلاب دموي قتل آلافاً من البشر، وسجن وشرّد عشرات الآلاف الآخرين، واغتصب مصريات وعذب مصريين، ولا أحد يجرؤ على مطالبته بالتنازل عن دوره الجديد معارضاً للنظام من الداخل، داخل النظام، لا داخل الوطن.
فقط نرجوه ألا يسفه فكرة معارضة سلطة، هي الأسوأ في القمع، والأخس في الانتقام والتنكيل، من الخارج، وألا يسدد رسوم استرداد جواز السفر من حساب معارضين حقيقيين، معظمهم لم يختر المنافي طوعاً، بل وجد نفسه فيها بالإكراه.
وأظن أن عمرو حمزاوي يذكر أن الناس عرفوه غاضباً من أمانة سياسات جمال مبارك من الخارج، بعد وصول علاقته بها إلى طريق مسدود، وحتى تمت عملية إنزاله، في توقيت واحد مع معتز بالله عبد الفتاح، في ميدان التحرير، بعد ظهور مؤشرات نجاح ثورة يناير، على الرغم من أنه، قبل اندلاع الثورة بأسبوع، كان يردد من الخارج، مثل علي الدين هلال وآخرين من رجال مبارك "مصر ليست تونس". وبعدها، انطلق سياسياً في الداخل من ذلك المكان على أطراف الميدان، عند كوبري قصر النيل، مصافحاً "المصريات والمصريين" كتقليعة ثورية جديدة، على طريقة نجوم الأغنية الشبابية.
في ما بعد، وحين كانت الميادين تزأر بالغضب، والسخط على الذاهبين لانتخابات البرلمان على دماء وجماجم شهداء مذبحة محمد محمود، كان حمزاوي، مع أحزاب الإسلام السياسي، من المتحمسين لإجراء الانتخابات، وشخصياً لم أصدق ما قيل وقتها عن تنسيق بينه وبين حزب الحرية والعدالة، لإنجاحه في دائرته بمصر الجديدة.
حمزاوي من تلك النوعية من السياسيين التي تلين وتتكيف مع سلطة الأمر الواقع، سواء كان هذا الواقع "إخوانياً" أم "عسكرياً". لديه قدرة هائلة على الجمع بين المتناقضات، وأذكر أنه في ذروة الاستقطاب السياسي والمجتمعي، المسيل للدماء، قبل الثلاثين من يونيو 2013، اجتمع عدد من السياسيين والبرلمانيين، من بينهم عمرو حمزاوي، للوصول إلى صيغة تحقن الدماء وتمنع الصدام، وكان الهدف من هذه اللقاءات هو إطلاق مبادرة للتواصل الإنساني بين مكونات العملية السياسية في مصر، تقول للمجتمع إن مصر ليست غابة مسكونة بوحوش السياسة، وإنه بالإمكان تكوين جبهة ضمير وطني، يتشارك فيها فرقاء الثورة، ترسل إشارات للجمهور أن التعايش ممكن، وأن الصراع يمكن أن يدور بشكل إنساني متحضر، وفقا لميثاق شرف سياسي، بعيداً عن لغة الدم والحريق.وبعد الجلسة الأولى، قرر حمزاوي وآخرون مقاطعة الحوار، بحجةٍ، هي الأغرب في تاريخ التهرب السياسي، وهي أن أنباء الحوار تسربت للإعلام والأمن، وسجلت وقتها "وفي حدود فهمي المتواضع، فإن الجلوس للتفكير في وسائل تعفي مصر من حمام الدم ليس فعلاً قبيحاً، ولا إثماً حاك في صدور الفارين منه، وخشوا أن يطلع عليه الناس، خصوصاً عندما يكون هذا النقاش بعيداً عن الأشكال الرسمية والحزبية، وغير محكوم بشروط أو إملاءات، إلا ما يمليه ضمير أي وطني، يحترم دماء شعبه، ولا يستثمرها في بورصة السياسة".
مرة أخرى، من حق حمزاوي أن يقدم أوراق اعتماده داعية إصلاحياً من داخل نظام عبد الفتاح السيسي، على أن يبقى محتفظاً ببعض التهذيب الأكاديمي، ولا ينزلق إلى هذه الحالة "العكاشية"، وهو ينفذ طلعات لصالح سلطة الأمر الواقع ضد من لا يزالون متشبثين بحلم يناير، حتى وإن بدا بعيداً.
وأظن أن عمرو حمزاوي يذكر أن الناس عرفوه غاضباً من أمانة سياسات جمال مبارك من الخارج، بعد وصول علاقته بها إلى طريق مسدود، وحتى تمت عملية إنزاله، في توقيت واحد مع معتز بالله عبد الفتاح، في ميدان التحرير، بعد ظهور مؤشرات نجاح ثورة يناير، على الرغم من أنه، قبل اندلاع الثورة بأسبوع، كان يردد من الخارج، مثل علي الدين هلال وآخرين من رجال مبارك "مصر ليست تونس". وبعدها، انطلق سياسياً في الداخل من ذلك المكان على أطراف الميدان، عند كوبري قصر النيل، مصافحاً "المصريات والمصريين" كتقليعة ثورية جديدة، على طريقة نجوم الأغنية الشبابية.
في ما بعد، وحين كانت الميادين تزأر بالغضب، والسخط على الذاهبين لانتخابات البرلمان على دماء وجماجم شهداء مذبحة محمد محمود، كان حمزاوي، مع أحزاب الإسلام السياسي، من المتحمسين لإجراء الانتخابات، وشخصياً لم أصدق ما قيل وقتها عن تنسيق بينه وبين حزب الحرية والعدالة، لإنجاحه في دائرته بمصر الجديدة.
حمزاوي من تلك النوعية من السياسيين التي تلين وتتكيف مع سلطة الأمر الواقع، سواء كان هذا الواقع "إخوانياً" أم "عسكرياً". لديه قدرة هائلة على الجمع بين المتناقضات، وأذكر أنه في ذروة الاستقطاب السياسي والمجتمعي، المسيل للدماء، قبل الثلاثين من يونيو 2013، اجتمع عدد من السياسيين والبرلمانيين، من بينهم عمرو حمزاوي، للوصول إلى صيغة تحقن الدماء وتمنع الصدام، وكان الهدف من هذه اللقاءات هو إطلاق مبادرة للتواصل الإنساني بين مكونات العملية السياسية في مصر، تقول للمجتمع إن مصر ليست غابة مسكونة بوحوش السياسة، وإنه بالإمكان تكوين جبهة ضمير وطني، يتشارك فيها فرقاء الثورة، ترسل إشارات للجمهور أن التعايش ممكن، وأن الصراع يمكن أن يدور بشكل إنساني متحضر، وفقا لميثاق شرف سياسي، بعيداً عن لغة الدم والحريق.وبعد الجلسة الأولى، قرر حمزاوي وآخرون مقاطعة الحوار، بحجةٍ، هي الأغرب في تاريخ التهرب السياسي، وهي أن أنباء الحوار تسربت للإعلام والأمن، وسجلت وقتها "وفي حدود فهمي المتواضع، فإن الجلوس للتفكير في وسائل تعفي مصر من حمام الدم ليس فعلاً قبيحاً، ولا إثماً حاك في صدور الفارين منه، وخشوا أن يطلع عليه الناس، خصوصاً عندما يكون هذا النقاش بعيداً عن الأشكال الرسمية والحزبية، وغير محكوم بشروط أو إملاءات، إلا ما يمليه ضمير أي وطني، يحترم دماء شعبه، ولا يستثمرها في بورصة السياسة".
مرة أخرى، من حق حمزاوي أن يقدم أوراق اعتماده داعية إصلاحياً من داخل نظام عبد الفتاح السيسي، على أن يبقى محتفظاً ببعض التهذيب الأكاديمي، ولا ينزلق إلى هذه الحالة "العكاشية"، وهو ينفذ طلعات لصالح سلطة الأمر الواقع ضد من لا يزالون متشبثين بحلم يناير، حتى وإن بدا بعيداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق