الجمعة، 6 نوفمبر 2015

حركة 6 إبريل الإخوانية


حركة 6 إبريل الإخوانية

وائل قنديل

هل يملك أحدٌ وقاحة الزعم بأنه صنع، أو ساهم في صناعة، اصطفاف المصريين الأسطوري في الـ18 يوماً الخالدة من ثورة يناير؟ 
اصطف ثوار مصر والتحموا، من دون بيانات أو مبادرات يطلقها "أسطوات" و"بارونات" الطفو فوق أنهار الغضب الطبيعية، بلا تحضير أو تجهيزات مسبقة، وحّدهم الوجع، وجمعهم حلم الخلاص، بعفويته وبساطته، وهذا ما سيجمعهم مرة أخرى، بلا وصاية أو أستاذية مدّعاة، حيث تتوارى ألاعيب الأيديولوجيا، وتنسحب كانتونات الشطارة والتجارة الثورية، وتتراجع تكنولوجيا الأيقونات الاصطناعية. في لندن، ظهر ثوار حركة السادس من إبريل، منددين بزيارة جنرال القتل والتعذيب والاختفاء القسري، فأصيبت فرق مكافحة الاصطفاف بحالة من الهلوسة، وراحت تهذي في استعلاء زائف بعباراتٍ لا يُفهم منها إلا أنها لا تريد أن تغادر تلك الوضعية الإقصائية العنصرية البغيضة، التي تجعلهم لا يتصوّرون أن ينازعهم أحد في احتكار الغضب والثورة.
لذا، كان الاتهام الجاهز من تلك الطحالب الملتفّة دوماً على الجسد الثوري، أن "6 إبريل" صارت إخوانية، إرهابية، غير ثورية، لأنها ارتضت أن تظهر في تجمّع معارض واحد مع رافضي الانقلاب، من الإخوان والإسلاميين، وكأن تجاور علامة "رابعة" مع شعار السادس من إبريل أضحى تهمة تستحق الوشاية والتحريض والسباب البذيء، وتعالي أصوات التخوين والتكفير مجدداً على نحو يذكّر بتلك الأجواء التي كانت سائدة إبّان حكم المجلس العسكري، فلا يأتي أحد بطرح جديد، واقتراح مغاير، حتى يجد نفسه بين أنيابٍ نابية، وأشداق تسكب عبارات زاعقة فارغة من أي مضمون، لا تقيم نقاشاً، بل تنسف حواراً جاداً، وتقطع طرقاً يمكن أن تصبح جسوراً للعودة إلى الثورة. يعيبون على "الإبريليين" مجاورة معسكر الشرعية في مساحة واحدة ضد الانقلاب، ويهرفون بكلام ساقط عن التنسيق والصفقات، وكأن كل هذا القتل، وكل هذا التعذيب وكل هذا الفشل، لا يكفي لاستدعاء الرغبة في التعبير عن الغضب والاحتجاج والرفض لهذا الانهيار الذي تندفع إليه مصر، مع الأخذ في الاعتبار أن التنسيق ليس تهمة.
وما يوجَّه إلى "6 أبريل" الآن من بذاءات وسخائم سبق أن طال "الاشتراكيين الثوريين" عقب طرحهم الجاد الجريء قبل شهور، عن خصوم الثورة الحقيقيين، الدولة العسكرية العميقة، ومبادرتهم إلى تحقيق مصالحة تلملم زجاج الثورة المكسور، وتعيد صياغة علاقات غضب ونضال، تجمع الأطراف كافة، طريقاً وحيداً لإنقاذ الوطن، كما حلم به الشعب المصري في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
 ليست هذه الحالة من الهلوسة حكراً على الذين يملأون جرارهم من المعين الأمني العسكري، فقط، بل تنتاب صنفاً من منتحلي الثورية، لا يمانع في إشعال النار في الثورة، كي لا يبقى على الأرض إخواني أو إسلامي، وكذلك فئة من منتحلي "دعم الشرعية"، لديهم استعداد للتضحية بالثورة وبالشرعية، معاً، إذا كان المطروح علاقات جوار وتوحّد مع "العلمانيين الليبراليين الكَفَرة".
ومن أسفٍ أن هؤلاء وأولئك، هم الداعم الأكبر والأول لاستمرار هذا الهراء الانقلابي، جاثماً على صدر دولةٍ، صارت على أيديهم مهترئة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً.
وقد قلتها وكررتها كثيراً: إن أي محاولة للفصل بين ثورة يناير، مبتدأ، وشرعية مرسي، خبراً، تعني مباشرة التخلي عن الاثنتين معاً، وتؤدي إلى منح النظام الحالي شرعية، هو نفسه يدرك أنه لا يستحقها، ولا يستطيع الحصول إلا على "شرعية الأمر الواقع" التي تفتقر لأي أساس أخلاقي أو قانوني، بل تقوم على فرض أوضاع بالقوة، تماماً كما الحال مع سلطات الاحتلال.
وأحسب أن نظام الانقلاب لم يكن بهذا الهوان والهشاشة والضعف، كما هو عليه الآن، ولعلّ حالة السعار التي أصابت أبواقه وميكرفوناته الصدئة، وهم في لندن، وجعلتهم يتهمون بريطانيا بدعم الإرهاب، ويصرخون كمن أصابهم مس من الجنون، بمواجهة قرار السلطات البريطانية وقف رحلات الطيران فوق سيناء، وإجلاء نحو عشرين ألف سائح من مصر، بطائرات بريطانية، تكشف إلى أي حد هم مرعوبون من انتهاء مغامرتهم الدموية القمعية البائسة.
 ومن أسفٍ أنه في وقت يتعرّى فيه هذا النظام، خارجياً وداخلياً، يأتي نفر من المحسوبين على الشرعية والثورية، ليلعبوا دور طواقم الإنقاذ، بافتعال هذا الطقس السيئ من التخوين والتفتيت، وقطع الطريق على أية محاولة، ولو عفوية، لاستعادة موقف ثوري موحّد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق