الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

إفلاس الجنرال


إفلاس الجنرال

 خليل العنانييمكن اعتبار الكلمة التي ألقاها الجنرال عبد الفتاح السيسي، قبل يومين، أمام حشد من الجيش والشرطة المصريين، نقطة تحول في مسيرة الرجل الذي بدا متوترا ومتعصباً، وفي حالة واضحة من الغضب الذي كان يحاول كتمه، حتى لا ينفجر فى وجوه الحاضرين. 
الجنرال، وكما هي العادة، قال كلاماً فارغاً، لكن نبرته لم تخل من غيظ وامتعاض واضحين، نتيجة ما يراه "انتقادات" وجهها له بعض حوارييه وأذرعه الإعلامية، بعد كارثة غرق مدينة الإسكندرية التي وقعت قبل أسبوعين.
بدا الجنرال مهزوزاً ومذعوراً، وهو يقدم التبريرات لحالة الإفلاس والفشل التي يمر بها نظامه.
من فضيحة عدم الإقبال على مهزلة الانتخابات البرلمانية، إلى حالة التدهور الاقتصادي المتزايدة والتي هبطت بالجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة، إلى الانهيار السريع في المرافق اليومية، كالتعليم والصحة، ثم كارثة الإسكندرية.
ولم يكن أمامه سوى العودة إلى مسودة التبريرات التي كان يعتمدها الرئيس المخلوع حسني مبارك، فتارة يتحدث عن "الزيادة السكانية" التي تلتهم التحسن الاقتصادي، وتارة أخرى يتحدث عن تدهور المرافق العامة عقوداً قبل توليه السلطة.
بدا السيسي، وهو يحاول أن ينزع فتيل انفجار قادم، بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار وتدهور مستويات المعيشة، فكان أن طالب الجيش بالتدخل، من أجل ترشيد أسعار السلع الأساسية، ووقف الغلاء قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو اعتراف صريح بتوسع الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية وهيمنتها على الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي.
وفي نبرةٍ لا تخلو من استجداء مبطّن بالوعيد ونفاد الصبر، يطالب السيسي إعلامه بأن "يبث الأمل في النفوس"، وأن يدرك حجم المخاطر التي تواجهها "الدولة المصرية".
أما قمة الإثارة والعجب في خطاب الجنرال، فقد جاءت حين كرر حجته المعتادة بأن من ينتقده يجب أن يأتي مكانه ويحكم، وذلك حين قال الرجل "بتعاقبوني عشان جيت وقفت هنا؟" لا يزال الرجل يعتقد أنه جاء من أجل مهمة تاريخية، وأن الله قد اصطفاه من بين البشر لتنفيذها، ولا يزال يعتقد أنه الوحيد القادر على المرور بمصر من عنق الزجاجة، ولا يدرك أنه الذي أغلقها وألقى بها في نهر المجهول.
لم يتحدث الجنرال عن إنجازاته، كما هي العادة، وإنما تحدث عن المشكلات والمؤامرات التي تحاك ضد مصر، ويعمل جاهداً على إيقافها في لغة بائسة، تثير الأسى. لم يتحدث الرجل عن فضيحة التصويت لصالح إسرائيل فى إحدى لجان الأمم المتحدة، وهو الذي لا يرى في تل أبيب "عدواً"، بل صديقاً "يجب حماية أمنه القومي"، كما يكرّر دائماً.

دلالات كثيرة يمكن استشفافها من خطاب السيسي، أولها أن الرجل لم يعد يثق كثيراً في من حوله، خصوصاً من الإعلاميين الذين يدافعون عنه ليل نهار، ويبررون كل مصائبه وكوارثه، وعلى الرغم من ذلك، يتهكم عليهم، ويعنفهم علناً "الإعلام فى كارثة!".
وثانيها، أن الجنرال بدأ يستشعر الخطر القادم عليه وعلى نظامه. ويبدو أن أجهزة المخابرات قد بدأت في إرسال تقارير حول حالة الغليان المكتوم التي تجري تحت السطح، بسبب فشله، وانهيار وعوده البراقة، وهو ما دفعه للخروج إلى الناس، والحديث إليهم من أجل امتصاص الغضب المتزايد. 
وثالثها أن الرجل يزايد على الجيش، ويطالبه بالتدخل من أجل حل المشكلات الاقتصادية. وهو يعكس إما توريطاً للجيش معه فى مشكلاته، أو محاولة للبحث عن الخروج من الأزمة الاقتصادية بأي ثمن.
 ورابعها، أنه بدأ يدرك أن لغة الاستعطاف وادعاء الخجل والعفة لم تعد تنطلي على أحد، لذا، لجأ إلى لهجة التهديد والوعيد ونفاد الصبر. وهو تحول لافت في أسلوب الرجل، ولغته تعكس مدى توتره وفشله في ضبط أعصابه، خصوصاً بعد ارتفاع نبرة الانتقادات، ولو على استحياء، من بعض مؤيديه.
لم يطرح الجنرال السيسي أية رؤية أو حلول للأزمات المتزايدة. واختار الطريق الأسهل، وهو تعليق الفشل والمشكلات على الإدارات السابقة، وتحميلها عبء ما يحدث حالياً. وهو الذي قام بانقلابه تحت ادعاء فشل "الإخوان المسلمين" في تحقيق مطالب الشعب والاستجابة لتطلعاته. ولم يمل من تكرار المقولة المتهافته إنه يحاول "الحفاظ على الدولة المصرية" في وقت فعل فيه، ولا يزال، كل ما هو عكس ذلك. وهو، بفشله وتخبطه، إنما يمهد الأرض لحالة من الانفجار الذي لن يستطيع أحد إيقافه، فحجم التوتر والاحتقان المكتوم في البلاد في صعود مستمر، والفجوة بين السلطة والشعب أصبحت واسعة، في وقت يمارس فيه الإعلام الغوبلزي كل أنواع الوصاية والتعتيم على ما يحدث، باستثناءات قليلة جداً. وكأن ثمة من يعمد إلى تسخين الشارع ضده، ويسعى إلى إسقاط الرجل تدريجياً.
أفلس الجنرال، ولم يعد فى جعبته ما يقدمه لشعبه، حتى الوعود لم يعد قادراً على النطق بها، ولم يعد له سوى أن يخلع لباس الحياء المصطنع، ويرتدي ثوب الغطرسة والغرور، ويسألهم، مثلما فعل القذافي من قبل، "من أنتم"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق