النضال الملوث من أجل الحرية
ياسر سالم معيد بطب الفيوم بعد اعتقاله.. من لهؤلاء؟
وائل قنديل
تلك كانت أمنية محامٍ وناشط حقوقي ليلة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، عبر عنها على موقع التغريدات القصيرة الشهير "تويتر"، فاتحاً المجال لأصدقائه وزملائه، ليختار كل منهم من يشاء من الشخصيات الرافضة لانقلاب الجيش على الثورة، أو انقلاب قطاع من الثوار على منتوج الثورة الديمقراطي، بمساعدة الجيش، كي يمارس فيه هواياته في التعذيب ومهاراته في السادية، حتى وإن كان ذلك من باب التسلية.
وهكذا مضت سهرة هذا الصنف من النشطاء الثوريين والحقوقيين، وكأنهم مجموعة من الأمراء المملوكيين، يتقاسمون حصصهم من الغنائم، قبل أن يحقّق لهم الجند الانتصار، وبينما القهقهات تعلو، يأتي صوت ثائر آخر، مطالباً الرفاق بأن يتركوا له محمد البلتاجي، لأنه يريده ضمن محصوله من الأسرى. وبالطبع، لم يحصل هذا الثائر المتحضر، الفياض بالإنسانية، على رأس البلتاجي، وإنما حصل على منصب مرموق في أولى حكومات الانقلاب، بدرجة نائب وزير.
بعد عامين وخمسة أشهر من سهرة الاحتفال بالانقلاب، تجد هذا النوع من النشطاء السياسيين والحقوقيين يشتبكون، الآن، في معارك حامية الوطيس دفاعاً عن الحريات وحقوق الإنسان، ضد استبداد وقمع السلطة العسكرية التي استدعوها للانقضاض على من جاءت بهم ديمقراطية الثورة، وصفقوا لها، وهي تقتل وتصفي وتقصي لهم الذين لا يحبونهم، ولا يطيقون وجودهم في الحياة، إلا بوصفهم وسائل "ترفيه بالتعذيب"، أو مقرمشات للتسلية السيكوباتية.
يرتفع صوت هؤلاء هادراً وصاخباً، إذا كان واحد من شلتهم ضحية للانتهاكات التي كانوا يمنون النفس بممارستها، بأنفسهم، على المختلفين سياسياً وفكرياً، فكيف يمكن أن نقتنع بأنهم مع الحقوق ومع الحريات، بإطلاق؟
كانت الثلاثين من يونيو/ حزيران بذاتها عملية عسكرية بوليسية، بقشرة ثورية، ضد القيم الديمقراطية والإنسانية المتعارف عليها، كونها تأسست على مبدأ الإقصاء والاستئصال، وليس على قيم تحقيق العدل والكرامة الإنسانية. وفيما تلا ذلك من فظائع، لم تكن أصوات سياسية وحقوقية، للأسف، غائبة عن مشهد التحريض على القتل والاقتلاع والتطهير العرقي، ثم بعد أن جرت الدماء أنهاراً، حاول بعضهم على استحياء استعادة حالة إنسانية، في مناسبات تخص الأصدقاء والشلة والفصيل والتيار، كما جرى، مثلاً، في واقعة استشهاد شيماء الصباغ، اليسارية، بالتزامن مع استشهاد سندس محمد التلميذة الصغيرة التي ترتدي غطاء الرأس، لتتحول شيماء إلى "أيقونة" ورمز، فيما لم يتم فتح محضر تحقيق واحد في وفاة سندس. تلك هي عنصرية النضال الملون التي تحكم سلوك طيف واسع ممن يصنفون ثواراً وحقوقيين، فتجدهم صناديد جبارين بتّارين، حين يتعلق الأمر بمن هو صديق أو رفيق، بينما لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، إلا همساً، إذا كان السيف على رقبة الذين لا يستلطفونهم. من هنا، لم يكن مدهشاً ذلك الاحتشاد المزلزل في أزمة القبض على الحقوقي والصحافي، حسام بهجت، وهو احتشاد مستحق ولازم ومطلوب، كون ما جرى اعتداءً على حرية التعبير، ومصادرة للحق في نشر المعلومات وتداولها، غير أنه مع السعادة باستعادة حسام بهجت حريته، بعد حملة عالمية كاسحة تطالب بالإفراج عنه، توجت بتصريح من الأمين العام للمتحدة، يحق للمصريين أن يتساءلوا، من دون أن يقعوا تحت طائلة الاتهام بإفساد الفرح، ماذا عن مئات من الصحافيين والنشطاء لم يتحرك أحد من أجلهم، بالحماس نفسه، طوال شهور عديدة؟ ماذا عن حسام أبو البخاري، الناشط والإعلامي السلفي، وحسام خلف، السياسي من تيار الوسط، مثلاً؟
قلت عقب إخلاء سبيل حسام بهجت، وانطفاء جذوة الفورة الإنسانية والحقوقية الجبارة، إنه ليس أكثر انحطاطاً من كائن يناضل من أجل الحرية، إذا فقدها أحد من شلته، أو أهله وعشيرته، فقط، فإذا جاءت سكت.
لم تنجح ثورة يناير 2011، ولو جزئياً، إلا بعد أن اجتازت اختبارها الأخلاقي والإنساني الأصعب، فساوت بين خالد سعيد، أيقونة الشباب الليبرالي واليساري، وسيد نصير، شهيد التيار السلفي، كما لم تفرق بين كريم بنونة ومينا دانيال. ولو كانت قد استسلمت لفيروسات النضال العنصري الملون، لما أنجزت شيئاً. وللحديث بقية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق