الاثنين، 9 نوفمبر 2015

لو كان عمرو خالد رجلًا!!

 لو كان عمرو خالد رجلًا!!

محمد طلبة رضوان 


هذه هي مشكلة الدعاة الجدد، وعمرو خالد بوصفه ممثلًا لتيار كامل منهم، ليس ضعف تكوينهم العلمي، فما قضوه في ظل الشهرة والأضواء، كفيل بأن يدفعهم للمزيد من التحصيل، ليس تماهيهم مع الخطاب النيوليبرالي، وربطهم للمكاسب والأرباح برضا الله، وقيم السوق بالتدين، هذه أزمة، لكنها بدورها مرتبطة بالمشكلة الرئيسة، أنهم ليسوا رجالًا، لم يتربوا في بيوتهم على أن يكونوا، ولذلك لو اشتغلوا بأي مجال، سوى الدعوة، لكان أدائهم هو ذاته، بالإعلام سيتحول عمرو خالد إلى عمرو أديب، بالصحافة عمرو خالد هو عمرو خفاجي، بالفن عمرو هو عمرو مصطفى، وهكذا، ناجح بمعايير المرحلة، انتهازي، متلون، وانحيازاته: مع من غلب.
يرى العز بن عبد السلام – سلطان العلماء – أن التحدث إلى الناس بالصوم والصلاة فيما دمائهم تراق خيانة لله !!
وفي المعنى نفسه كتب الكثير من القدماء، فالعبادة هي عبادة الوقت، فإذا كان الوقت وقت جهاد فلا معنى لأن نأمر الناس بالحج، وإن كان الوقت وقت صلاة فلا معنى لأن نحثهم على قراءة القرآن، كل هذا تزوير بالشريعة، وتحويل لها عن مسارها في حياة الناس، كل هذا نصب واحتيال على الكتاب والسنة، جرائم.

الآن، يسجل الأستاذ عمرو خالد في بيته فيديوهات بالموبايل، سيلفي، يحث الناس على العمل، التنمية، التفكير خارج الصندوق، يتحدث إليهم بلغة سمير الإسكندراني في “اللي عاش حبك يعلم”.. ابني.. انتج.. ابدع.. اصنع.. وذلك كي يتجاوزا سخطهم على أوضاع البلاد، يعود بعد أيام ليسجل فيديو آخر يحث الشباب على ألا يشمتوا في حادث الطائرة الروسية، كأن أحد قد شمت في ضحايا الطائرة، ويعزو ذلك إلى أن المتدين “مبادئه لا تتجزأ”!!!.. عمرو الذي يقول !!!


لو كان عمرو خالد رجلًا، لحث الشباب الذين يتابعونه بالملايين على أن يطالبوا بحقوقهم المنهوبة، لأخبرهم أنه لا يضيع حق ورائه مطالب، لحثهم على بذل المزيد من الجهد والوقت والصبر وتجاوز الإحباطات لإكمال ثورتهم وإعادة الحقوق إلى أصحابها.


لو كان عمرو خالد رجلًا، لاستخدم لغة الجسد، و”تبريق” العيون، ولعلا صوته، بدلًا من “النهنهة” و”النحنحة”، مطالبًا بحقوق الأبرياء، المستضعفين في الأرض، المعتقلين ظلمًا، الممزقة قلوبهم، المخربة بيوتهم، المشردة أسرهم، ولقال بملء فيه: “لعن الله قومًا ضاع الحق بينهم”.


لو كان عمرو خالد رجلًا، لتحدث إلى الشباب عن واجب الوقت، ولطالبهم بالإبداع في ابتكار أفكار تعيدهم إلى متن الحياة، بعد أن تحولوا بفعل فاعل إلى هامشها، وكان هو شخصيًّا، عمرو خالد، أحد أدوات السلطة العسكرية في هذه الجريمة، داعمًا، ومبشرًا، ومنتخبًا، ومتواطئًا، والآن يأتي لينصح ضحاياه، ويخدرهم.


لو كان عمرو خالد رجلًا، لعرف أنه يتحدث إلى الشباب في يوم قبضت السلطات على أحدهم، واحد من 46 ألف، حسام بهجت، لا لشيء إلا لأنه يرى عمله، ويتقنه، ويفكر خارج الصندوق، ويبدع، كما قال عمرو، استدعته المخابرات العسكرية، بالمخالفة لكل قوانين الدنيا ودساتيرها، أرسلوه إلى النيابة العسكرية، وإلى الآن غائب، لا نعرف عنه شيئًا!!


لو كان عمرو خالد رجلًا لتحدث عن حسام بهجت، ومثله معه، عن حقوقهم، عن أهمية دعم الشباب لهم، عن أهمية ابتكار أفكار لمساندتهم، بوصفهم سجناء العمل، معذبو العمل، معتقلو العمل، فأين عمرو العمل والتنمية.. ويا إخوانّا يا إخوانّا؟!


لو كان عمرو خالد رجلًا، لتحدث إلى الناس عن دموع إسراء الطويل، ومرارتها، وأحزانها، إسراء نموذج من الفتيات اللائي ارتبط “استايل” حياتهن بمشروعه لـ “تلطيف” الخطاب الديني، ليس شرطًا أن تكون من مستمعاته، لا أعرف تحديدًا، فهي ليست صديقة، إلا أن مجرد رؤيتها يذكرني بآلاف الفتيات اللائي كن يحضرن دروس “الأستاذ”، ويتخذونه مثلًا وقدوة، هي اليوم هناك، بلا ذنب جنته، ومثلها من فتيات دروس عمرو الكثيرات.. أين هو؟


لو كان عمرو خالد رجلًا لقام بتصوير نفسه كل يوم 3 دقائق يتحدث فيهم عن شاب من المعتقلين.. قصة نجاحه، تميزه، كونه من أفضل العقول المصرية في مجاله، ومع ذلك خلف القضبان، كونه، أو كونها، لم يرضوا بالظلم، ودفعوا ثمن قيمهم ومبادئهم من حريتهم، شاعر مثل عمر حاذق، صحفي مثل حسام بهجت، طبيب وأكاديمي مثل حسام أبو البخاري، حقوقية مثل ماهينور المصري، وغيرهم الكثير، هؤلاء هم رجال وفتيات المبادئ التي لا تتجزأ، هؤلاء هم أبطال حياتنا الحقيقيين، هؤلاء هم من يستحقون صوتك، وفيديوهاتك يا داعية الشباب، هؤلاء هم “صناع الحياة” و”بسمة أمل” المصريين، هؤلاء هم امتداد الأنبياء والرسل، وأصحاب الرسالات، هؤلاء هم تاريخ المستقبل الذي يستحق الانشغال به عن حواديت الماضي، و”نوستالجيا” الأجداد، هؤلاء المتورطون هم “منبهات” الواقع، لا “مخدرات” الماضي، الذي لن يعود، هؤلاء هم الرجال صفة ومعنى، لا جنسا، وخانة في تحقيق الشخصية، أما أنت فلست رجلًا.. هكذا بوضوح، لا أنت ولا مصطفى حسني ولا معز مسعود ولا عشرات غيركم، أنتم جبناء، صغار، (خونة لله بتعبير سلطان العلماء)، اكتفيتم بخطابات التنمية البشرية، أيدتم الطغاة والفاشيات العسكرية تارة وسكتم عنهم تارات، ظنًا منكم أن هذا هو المتاح، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، الحق أنه ليس بالإمكان أن تتطفلوا على واقعنا أكثر من ذلك، اجمعوا “مخدراتكم” وانصرفوا، لستم دعاة ولا مجددين، لستم سوى جناح ديني آخر لدولة ما بعث الله محمدًا إلا ليقوض أركانها، ويفتح طريقًا جديدًا للناس والحرية والحياة، بالأخير: لستم رجالًا.

للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق