ما هو أبعد من السلفية الإسكندرانية
مهنا الحبيل
لماذا اشتعلت الخلافات، وأدين أخلاقياً جناح السلفية الإسكندرانية، في حزب النور ومرجعياته الدينية في الموقف من الثلاثين من يونيو/حزيران، وما جرّه على مصر، وفي المواقف الموازية وخلاصاتها الدموية العنيفة؟
كان مدخل الحديث الذي نوهنا عنه في المقال السابق، مع الباحث السَّلفي الصديق، هو تساؤلات تتوارى اليوم بقلق أو خوف من أن تُطرح على العلن، لا تقف عند الحالة السلفية وحدها بل تتعداها إلى كامل المشهد الإسلامي وبكل مدارسه، وهي محاولة لتنظيم ملف الوعي الإسلامي الواسع، بعد سنوات من الانتشار والحصاد الصعب، والإشكاليات العميقة.
"هل أنتج الفكر الإسلامي المعاصر متطلبات الزمن لوعي الشباب العربي وإخوتهم من الأعاجم، أم أنه يفتقد اليوم بوصلة تحديد معالم الطريق الفكري الجديد؟"
وسؤال المرحلة الكبير: هل أنتج الفكر الإسلامي المعاصر متطلبات الزمن لوعي الشباب العربي وإخوتهم من الأعاجم، أم أنه يفتقد اليوم بوصلة تحديد معالم الطريق الفكري الجديد، خاصة سؤال المرحلة المُلّح؛ الإسلام وأسئلة الحرية والإنسان؟
هنا تبدو العودة للواقع الذي تعيشه المدارس الإسلامية، وتفكيك أشكال الخلاف أو الصراع بينها، جزءًا من أفق المرحلة، ورغم أن جل مسارات الاهتمام في هذه المدارس حتى الآن بعيدة عن أسئلة العصر، فإن منهج الوعي الإسلامي أيضاً له مسارٌ فقهي وتربوي واجتماعي، وليست من قدرات الجميع أو اهتماماتهم الخوض في المسار الإنساني والحقوقي والسياسي والثقافي المعاصر، الذي يحتاج آلة وعي تدرك مفاهيم المسارات القديمة والجديدة، بصورة دقيقة للعبور إلى خطاب الإسلام للعهد الجديد.
وعليه، فإن هذه الحاجة لتنظيم آفاق المدارس والتيارات التقليدية مستمرة، كما أنها مطلب لروح التدين متعدد المشارب في المنطقة العربية.
وهنا حين نقرأ هذا المشهد نجد آثار الصراع لما بعد مرحلة الحرب على الربيع العربي ونقضه الدامي، مؤثرة جدا في علاقات التيارات، والمؤسسات الدينية، وكان السؤال هو:
أليس من الصالح أن يُحيّد الموقف السياسي العاصف عن دواوين البحث والفكر الإسلامي وصناعة الاجتهاد الشرعي؟
أليس من الممكن أن تجري توافقات علمية وثقافية على صناعة حلف فضول علمي وثقافي إسلامي، يتجاوز مرحلة الصراع، رغم أن جزءًا من الانحراف الذي تم كان من أسبابه ضعف الوعي السياسي الدقيق، ولكن في كل منعطف كان التوظيف السياسي للعالِم أو الناشط الثقافي والإعلامي يلعب دوراً كبيراً في الردة الثقافية عن مفاهيم الحقوق والحرية في الشريعة الإسلامية.
وما أقصده هو هل من الضرورة أن يُسقَط كل مرتكِب خطيئة -وقد تأول الأمر واستُخدم في حرب النقض الدامية للربيع العربي- أم أن المساحة يجب أن تبقى مفتوحة في سماء الفكر، مع ضرورة ألا يكون هذا العالم أو المثقف مصرًّا على حالة توظيف تنفيذي يُطلِق على الأبرياء الكلمات قبل جرهم إلى السجون أو المشانق؟
سؤال صعب لكنه مهم، وفي هذه الحالة التي نطرحها هو جزء من الصورة لا كلها: لماذا اشتعلت الخلافات، وأدين أخلاقياً جناح السلفية الاسكندرانية، في حزب النور ومرجعياته الدينية بشأن الموقف من الثلاثين من يونيو وما جرّه على مصر، وفي المواقف الموازية وخلاصاتها الدموية العنيفة؟
وكان سؤالي أيضاً: أليس من الخطأ ربط تكتل الوعاظ السلفيين أو العلماء الشرعيين في هذا الجناح ومحيطه بوعي سياسي لا يحسنونه، وأن تترك لهم منابر خطاب تُذكر الناس بالرحلة للآخرة، والفقه الذي يحتاج له المسلم خارج الرواق السياسي؟
هنا تبدو العودة للواقع الذي تعيشه المدارس الإسلامية، وتفكيك أشكال الخلاف أو الصراع بينها، جزءًا من أفق المرحلة، ورغم أن جل مسارات الاهتمام في هذه المدارس حتى الآن بعيدة عن أسئلة العصر، فإن منهج الوعي الإسلامي أيضاً له مسارٌ فقهي وتربوي واجتماعي، وليست من قدرات الجميع أو اهتماماتهم الخوض في المسار الإنساني والحقوقي والسياسي والثقافي المعاصر، الذي يحتاج آلة وعي تدرك مفاهيم المسارات القديمة والجديدة، بصورة دقيقة للعبور إلى خطاب الإسلام للعهد الجديد.
وعليه، فإن هذه الحاجة لتنظيم آفاق المدارس والتيارات التقليدية مستمرة، كما أنها مطلب لروح التدين متعدد المشارب في المنطقة العربية.
وهنا حين نقرأ هذا المشهد نجد آثار الصراع لما بعد مرحلة الحرب على الربيع العربي ونقضه الدامي، مؤثرة جدا في علاقات التيارات، والمؤسسات الدينية، وكان السؤال هو:
أليس من الصالح أن يُحيّد الموقف السياسي العاصف عن دواوين البحث والفكر الإسلامي وصناعة الاجتهاد الشرعي؟
أليس من الممكن أن تجري توافقات علمية وثقافية على صناعة حلف فضول علمي وثقافي إسلامي، يتجاوز مرحلة الصراع، رغم أن جزءًا من الانحراف الذي تم كان من أسبابه ضعف الوعي السياسي الدقيق، ولكن في كل منعطف كان التوظيف السياسي للعالِم أو الناشط الثقافي والإعلامي يلعب دوراً كبيراً في الردة الثقافية عن مفاهيم الحقوق والحرية في الشريعة الإسلامية.
وما أقصده هو هل من الضرورة أن يُسقَط كل مرتكِب خطيئة -وقد تأول الأمر واستُخدم في حرب النقض الدامية للربيع العربي- أم أن المساحة يجب أن تبقى مفتوحة في سماء الفكر، مع ضرورة ألا يكون هذا العالم أو المثقف مصرًّا على حالة توظيف تنفيذي يُطلِق على الأبرياء الكلمات قبل جرهم إلى السجون أو المشانق؟
سؤال صعب لكنه مهم، وفي هذه الحالة التي نطرحها هو جزء من الصورة لا كلها: لماذا اشتعلت الخلافات، وأدين أخلاقياً جناح السلفية الاسكندرانية، في حزب النور ومرجعياته الدينية بشأن الموقف من الثلاثين من يونيو وما جرّه على مصر، وفي المواقف الموازية وخلاصاتها الدموية العنيفة؟
وكان سؤالي أيضاً: أليس من الخطأ ربط تكتل الوعاظ السلفيين أو العلماء الشرعيين في هذا الجناح ومحيطه بوعي سياسي لا يحسنونه، وأن تترك لهم منابر خطاب تُذكر الناس بالرحلة للآخرة، والفقه الذي يحتاج له المسلم خارج الرواق السياسي؟
"جناح حزب النور ومشايخ الوعظ في ذات الاتجاه لم يتجنبوا الموقف السياسي، ولكن دخلوا فيه، وكانت لهم مواقف سلبية ضد 25 يناير"
وكان جواب الصديق الباحث، وهو يمثل نموذجاً للسلفية النضالية التي تجمع بين فكر سلفي وإخواني احتوته ثورة 25 يناير في خط "حازمون" وغيرهم، كالآتي:
1- إن جناح حزب النور ومشايخ الوعظ في ذات الاتجاه لم يتجنبوا الموقف السياسي، ولكن دخلوا فيه، وكانت لهم مواقف سلبية ضد 25 يناير، ثم انخرطوا في منتجاتها، ثم توافقوا مع الثالث من يوليو ولا يزالون.
2- وإلا كل من بقي منشغلا ومنعزلاً بخطاب التراث العلمي، والوعظي بحسب الصديق الباحث، لم يسأل عن موقفه لماذا لم يدعم حركة الدفاع عن 25 يناير، والمطالبة الحقوقية بعد الثلاثين من يونيو.
3- نفس هذا الخط ومنه تكتل ثقافي وباحثين، وقفوا بالمرصاد كحراس للشريعة، في عهد الرئيس مرسي وزايدوا عليه، واحرجوا الحكم، وفتحوا عليه أبواب النقد الشرس، ثم تواروا وهم في مصر اليوم، وانتهت الحِراسة إلى مصالح شخصية، لم تعد تنطق بعد الثالث من يوليو/تموز.
وعليه، فإن هذه المحاسبة الفكرية ليست لتفرغ المشايخ وإنما لدورهم المزدوج الخطير الذي أسهم في الوضع المصري الكارثي بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
وقبل أن نستطرد ونعلق على هذا الموقف المهم، الذي تعيشه الحالة السلفية المصرية، نؤكد أن هذا الاستقطاب والاستخدام وعدم الوقوف عند المسار الذي يحسنه داعية أو شيخ، ثم يتورط مباشرة في توظيف سياسي، ليست حصرا على جناح من الحالة السلفية، وهناك نموذج عمرو خالد شاخص أمام الراي العام.
لكن هذا الواقع وتشخيص المواقف إشكالية كبيرة بالفعل، وأمام هذه التوصيفات استذكرت موقف هذا الجناح -ومعه شخصيات سلفية كبيرة- في مؤتمر سوريا الذي عقد في مصر، وفي ظني أنه جرى للمؤتمر اختراق مخابراتي كبير.
هذا المؤتمر هو من أكدت به القوات المسلحة المصرية -في بيان رسمي- دوافعها لإسقاط ثورة 25 يناير/كانون الثاني، كرفض لأي جهد مصري يُسقط نظام الأسد، مع أن هذا الجهد كان ضمن خريطة سياسية طرحها الرئيس مرسي رسميا مع أنقرة والرياض، مع التأكيد على الدافع المصري المحلي لحسابات الجيش في حقبة الرئيس مبارك وما قبله.
لكن ذلك التفويج العاطفي في المؤتمر، والذي حذرنا منه في مقال نُشر في حينه، بأنه لن يخدم الثورة السورية، وخاصة الهتاف فيه، كأنه مواجهة شيعية سنية شاملة في العالم الإسلامي، وقاد ذلك الصوت ذات الجناح المشار إليه، وكان مدخلا لاستخدامه كما ورد في البيان، إضافة إلى تصديره للدوائر الدولية الخارجية، لإقناعهم بضرورة دعم إسقاط 25 يناير/كانون الثاني.
وكما اتضح للجميع بعدها، فقد كان موقع الرئيس مرسي بالفعل باباً رادعا للتقدم الإيراني ومن ثم التدخل الروسي، الذي حظي بموقف تأييد قوي من نظام الثالث من يوليو/تموز، ثم تطورت العلاقات الإيرانية المصرية التي نشهدها اليوم باضطراد واسع.
2- وإلا كل من بقي منشغلا ومنعزلاً بخطاب التراث العلمي، والوعظي بحسب الصديق الباحث، لم يسأل عن موقفه لماذا لم يدعم حركة الدفاع عن 25 يناير، والمطالبة الحقوقية بعد الثلاثين من يونيو.
3- نفس هذا الخط ومنه تكتل ثقافي وباحثين، وقفوا بالمرصاد كحراس للشريعة، في عهد الرئيس مرسي وزايدوا عليه، واحرجوا الحكم، وفتحوا عليه أبواب النقد الشرس، ثم تواروا وهم في مصر اليوم، وانتهت الحِراسة إلى مصالح شخصية، لم تعد تنطق بعد الثالث من يوليو/تموز.
وعليه، فإن هذه المحاسبة الفكرية ليست لتفرغ المشايخ وإنما لدورهم المزدوج الخطير الذي أسهم في الوضع المصري الكارثي بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
وقبل أن نستطرد ونعلق على هذا الموقف المهم، الذي تعيشه الحالة السلفية المصرية، نؤكد أن هذا الاستقطاب والاستخدام وعدم الوقوف عند المسار الذي يحسنه داعية أو شيخ، ثم يتورط مباشرة في توظيف سياسي، ليست حصرا على جناح من الحالة السلفية، وهناك نموذج عمرو خالد شاخص أمام الراي العام.
لكن هذا الواقع وتشخيص المواقف إشكالية كبيرة بالفعل، وأمام هذه التوصيفات استذكرت موقف هذا الجناح -ومعه شخصيات سلفية كبيرة- في مؤتمر سوريا الذي عقد في مصر، وفي ظني أنه جرى للمؤتمر اختراق مخابراتي كبير.
هذا المؤتمر هو من أكدت به القوات المسلحة المصرية -في بيان رسمي- دوافعها لإسقاط ثورة 25 يناير/كانون الثاني، كرفض لأي جهد مصري يُسقط نظام الأسد، مع أن هذا الجهد كان ضمن خريطة سياسية طرحها الرئيس مرسي رسميا مع أنقرة والرياض، مع التأكيد على الدافع المصري المحلي لحسابات الجيش في حقبة الرئيس مبارك وما قبله.
لكن ذلك التفويج العاطفي في المؤتمر، والذي حذرنا منه في مقال نُشر في حينه، بأنه لن يخدم الثورة السورية، وخاصة الهتاف فيه، كأنه مواجهة شيعية سنية شاملة في العالم الإسلامي، وقاد ذلك الصوت ذات الجناح المشار إليه، وكان مدخلا لاستخدامه كما ورد في البيان، إضافة إلى تصديره للدوائر الدولية الخارجية، لإقناعهم بضرورة دعم إسقاط 25 يناير/كانون الثاني.
وكما اتضح للجميع بعدها، فقد كان موقع الرئيس مرسي بالفعل باباً رادعا للتقدم الإيراني ومن ثم التدخل الروسي، الذي حظي بموقف تأييد قوي من نظام الثالث من يوليو/تموز، ثم تطورت العلاقات الإيرانية المصرية التي نشهدها اليوم باضطراد واسع.
هذا النموذج بالفعل مهم ودلائله عميقة، كيف تُستخدم العاطفة السلفية وغيرها، حتى في بعض كوادر إخوانية، لكن تتميز هذه الحالة السلفية أكثر بلغة الاستقطاب والتعميم والتثوير العاطفي لشبابها، في قضايا الخلاف والصراع المذهبي أو الطائفي.
عبر التحشيد العاطفي المؤثر على صناعة الفكر السياسي الدقيق، الذي لم يكن يحسنه في مصر من تيارات الفكر الإسلامي إلا قلة، أبرزهم طليعة حزب الوسط، وربما معهم شباب مهيأ لذلك من الإخوان، لكن طمرهم الهيكل التربوي.
لكن الحصيلة العامة هي بقاء هذا التحشيد والعاطفة، كمادة تُستخدم لتبرير إسقاط المشاريع الوطنية، ومنع التقدم الفكري المطلوب لصناعة التجربة السياسية، للحركة الإسلامية المعاصرة، ومع التعاطف الواسع الذي قدمته أطيافٌ سلفية وإسلامية عديدة لتجربة الحركة الإسلامية في تركيا، وما أنتجته من مواقف تضامنية للأمة.
يبقى السؤال: هل هذه التكتلات السلفية أو الإخوانية تعي بالفعل كيف أُديرت معركة السياسة ومقتنعة بها، أم أنها لو تحولت إلى جزء من المجتمع التركي فجأةً بذات تفكيرها ستصطدم مع هذا التدرج، مع الفارق في واقع الإرث العلماني بين تركيا والبلدان العربية في الحياة الاجتماعية؟
عبر التحشيد العاطفي المؤثر على صناعة الفكر السياسي الدقيق، الذي لم يكن يحسنه في مصر من تيارات الفكر الإسلامي إلا قلة، أبرزهم طليعة حزب الوسط، وربما معهم شباب مهيأ لذلك من الإخوان، لكن طمرهم الهيكل التربوي.
لكن الحصيلة العامة هي بقاء هذا التحشيد والعاطفة، كمادة تُستخدم لتبرير إسقاط المشاريع الوطنية، ومنع التقدم الفكري المطلوب لصناعة التجربة السياسية، للحركة الإسلامية المعاصرة، ومع التعاطف الواسع الذي قدمته أطيافٌ سلفية وإسلامية عديدة لتجربة الحركة الإسلامية في تركيا، وما أنتجته من مواقف تضامنية للأمة.
يبقى السؤال: هل هذه التكتلات السلفية أو الإخوانية تعي بالفعل كيف أُديرت معركة السياسة ومقتنعة بها، أم أنها لو تحولت إلى جزء من المجتمع التركي فجأةً بذات تفكيرها ستصطدم مع هذا التدرج، مع الفارق في واقع الإرث العلماني بين تركيا والبلدان العربية في الحياة الاجتماعية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق