واذكر أخا "داعش"
أحمد عمر
حاولت أن ألقاه في مكان عام، فاعتذر عن الخروج، لأنه مفلس أولاً، وثانياً لأنه معتزل الناس والعالم، ومعتكف للعبادة، فالخروج آثام وخطايا.
كنت قرّرت أن أساعده، ثمة صحيفة إلكترونية سورية، تبحث عن خبير فوتوشوب، وهو خبير ومعلم في هذا الفن، أحسن من زين الدين زيدان بالكرة، ومن عبد الفتاح السيسي بفن الخطابة.
قرابتي له من جهتين؛ فهو زوج أختي بالرضاعة، وهو جاري ثانياً، وكان جبريل قد أوصى بالجار، حتى ظن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه سيورثه .
خبطت زر الجرس، فلم أسمع له تغريداً ولا رنة. قرعت الباب، فخرج سليمان كوندر، خير يا سلو؟ قال إن الجرس رجس من عمل الشيطان، فهو ناقوس، وهو أذان الصليبية الحاقدة، وليس لديه مال، حتى يبدّله بجرسٍ يؤذن، أو يكبّر، أو يحمّد، أو يحوقل، أو يسترجع.. كان ينظر إلى قدمي، فخلعت حذائي فابتسم. البيت طاهر، كانت أرض الشقة عارية، لا تشجع على المشي حافياً. انتبهت إلى أنه يعرج عرجاً خفيفاً.
جلسنا على حصيرة، كان كوندر قد حفّ شاربيه حفاً منكراً، وهي هيئة انتشرت أخيراً.
هوية جديدة انتبه إلي، وأنا أنظر إلى المقبرة عبر النافذة،
فقال إن السكن بجوار المقبرة نعمة، للتذكير بهادم اللذات ومفرق الجماعات، لولا هؤلاء الترك المرتدون؟
مرتدون؟!
قال: يجصصون القبور!
ولكنها تشبه قبورنا بالشام؟
قال إن الشوام أيضا مرتدّون.
غيّرت الحديث: كيف حال خنافة؟ أريد أن أسلم عليها.
قال: تسلم .. بأي صفة؟
قلت: ولو.. هي أختي بالرضاعة، نسيت؟
فأطلق علي نظرة مدفع مضاد للدروع.
قال إنه لا يسمح لأخيها من أمها وأبيها بالسلام عليها، وبرّر: عمّ الفساد وطم. ثم سأل: كم رضعة؟
قلت سنتان، ونحن نرضع الحليب نفسه، تغيب أمي، فترضعني أمها، وتغيب أمها فترضعها أمي.
سكت.. سألت: يعني ألا تكلم زوجتك أحداً، البائعين مثلاً.. قال: زوجتي موقرة في البيت.
موقرة يعني مثبتة كمسمار في الحائط؟
يا كوندر، أنت معنا محرم، وهي أختي..
وجدت أن صاحبي قد انقلب قلباً، فعرضت عليه المسألة بسرعة: نحن نحتاج إلى خبير فوتوشوب، وأبرزت له نماذج على هاتفي، نريد صور مثل هذه، قال: إنه يأبى أن يعمل فوتوشوب لكائنات بشرية. قلت هذه صور. قال أستغفر الله .. حتى الحيوانات لا أقبل التمثيل بها؟ التمثيل بالجثث والأحياء، وحتى ميكي ماوس حرام.
غاب وأحضر كوبين من الشاي، شربت حسوة، فطلبت أن يرشدني إلى دار الخلاء، فامتعض، وقام وقادني ثم سأل: هل ... عرفت ما يدور برأسه؟
فقلت: يمكن أن تدخل معي، يا أخا داعش، وتشرف على التبول.
دخلت فوجدت كومة من الحصى والحجارة، فسألت عنها، قال: سنة.. للاستنجاء.
سأل عن الجريدة، فأخرجت له عدداً، ما أن رأى اسمها، حتى قال: أعوذ بالله، جريدة علمانية.
قال: كلها كفرانية...
عموماً، أردت لك الخير، فأنت مفلس وأختي معك.
قال: ليس المفلس من لا درهم له ودينار، وأن الرزق على الله.
قلت: اعقل وتوكل.
قال: لن أفرط في ديني وعقيدتي.
رن هاتفي بموسيقى فاعتكر. قلت له: القرضاوي يقول: حلال الموسيقا حلال، وحرامها حرام.
قال القرضاوي .. يقبل بالديمقراطية، قلت يحلها في السياسة، وهي من شؤون الدنيا.
انحصرت، مرة ثانيةً، فقرّرت الخروج من غير أن أسلم على أختي السبيّة خنافة. قبل أن أغادر قلت: ولكن داعش بارعون في فن المونتاج والفوتوشوب.
قال: الحرب خدعة.
لم أستطع أن أغلب اليقطينة كوندر.. آفة الرأي الهوى والهوّى غلاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق