الرئيس الثلاثي على مصر
أحمد عمر
سنتحدث قليلا عن حبيب الملايين، "الرئيس الثلاثي على مصر"، الرويبضة الذي يظهر في صوره التذكارية مع الرؤساء والفنانين جميعهم، وهو يعطيك شعورا مكينا أنه يعاني من برد شديد، مثل عصفور بلله الزفت، أو أنه يشعر بالذعر، أو يخشى من صفعة على قفاه، وأنها الصورة الأولى في حياته.
عاتبني صديق مصري كريم، على مقال لي، ورد فيه ثناء على براعة عبد الفتاح السيسي في فن الخطابة. فقلت له إنها على سبيل السخرية، فجادلني قائلا: ولكن العبارة التي تليها تفيد الجد، فأنت تذكر براعة زين الدين زيدان في الكرة، وهو بارع حقا، وهذا لا يقيم المعنى المراد، فوجدت أنه على شعبة من الحق، فزيدان بارع في اللعب، واللعب غير الجد.خلوا بالكو.. بقول تاني اللعب غير الجد.. طيب مثلا لو قلت إن أجمل الحيوانات هي القرد والغزال يا مولانا ؟ الغزال هو زيدان، خلوا بالكو.
السيسي مولع بالعلم والعلماء، وهو مستميت في اختراع علمي ينسب إلى عهده الميمون: لنعد على أصابع حشرة أم أربع وأربعين:
علاج الإيدز بالكفتة، حفر قناة السويس بشعاع الليزر، وهو غير الحفر ع الناشف، جهاز لتوليد عشرة أضعاف كهرباء السد العالي بمغناطيس، جهاز لصاروخ الماء، وأخيرا استخراج الألماس من غاز الميثان! وها هو يدعو للمعالجة الثلاثية لمياه الصرف غير الصحي، بل في مناحي الحياة كافة بما فيها "رد قلبي"! وهو حاليا يحضر الذرة كما كان يفعل حنفي ومسعود في مسرحية" المنقلبون". وقتها غنى مسعود: رقصني يا جدع على كفتة ونص.
وقد تساءل مصري، مثلي في البساطة: لمَ نشرب مياه الصرف الصحي ونحن نشرف على بحرين أحمر وأبيض ونيل منيل بستين نيلة؟ بل إن مصر ترقد على مياه جوفية تكفي قرنا كاملا، وستستغني به عن النيل الذي تلوث بالفوسفات وانتحرت فيه الأسماك.
الرئيس الثلاثي على مصر: الفيلسوف، الطبيب، الرسول، يمكن له أن يضع إصبعه في البحر المالح فيصير عذبا فراتا، وتخرج الأسماك في مسيرة شعبية وهي تقول له أذوب عشقا فيك.
إن أحدا من الناس، حرهم وعبدهم، أمين شرطتهم وأمين بلطجيتهم لن يصدق أن السيسي بارع في فن الخطابة، بما في ذلك قناة الجزيرة التي تلمح إلى خطبه التي يخاطب فيها الناس بالمصرية البسيطة، ويكرر فيها كلها الكلام "الصحي المصروف" عدة مرات بفلاتر معالجة ثلاثية، وياخدنا على البحر ويرجعنا عطشانين علشان نشرب المياه الثلاثية بتاعته، ويكرر عبارة بروسلي وجاكي شان وهو يرفع قبضته: كده.. آمال إيه.
وأريد أن أقول إن سوريا برعت في القصة الساخرة، وأصدرت عدة صحف ساخرة في العهد الديمقراطي، وسرّية في العصر الدكتاتوري، بما فيها الدومري الذي لم يكتب له العمر ومات بالمعالجة الثلاثية والسباعية، يتصدرهم حسيب كيالي نثرا، وعبد السلام العجيلي شعرا، وأصدرت سوريا مجلات ساخرة مثل الكلب، والدبور...
وأقول إن المصري ليس بحاجة للسخرية فهو إذا تكلم أضحك، وعشنا وشفنا الأهرام جريدة ساخرة تلفق الأخبار والصور وتجعل الرئيس مبارك في مقدمة زعماء العالم إماما، يسبقهم في المشي وهم يجهدون في اللحاق به، طيب خذوا تاكسي يا بهاوات.
وأحسد الصديقة العزيزة آيات عرابي على براعتها في الهجاء والسخرية من "هبة السماء إلى إسرائيل"، فهي تمنح الرئيس الثلاثي على مصر ألقابا مثل: دقرم وحبظلم وبياظة وننس.. وانتظرت أن تسمي رئيس ولاية تل أبيب المعلم "طربقها"؛ فلم يحدث في الشرق والغرب أن حظيت دولة برئيس له هذه السرعة في الإنجازات التدميرية (دراما، كوميديا، كاوبوي، مسرح عرائس..) فالأسد الأب استغرق ثلاثين سنة حتى ينجب ابنه المعجزة الذي دمر سوريا عن أمها وبكرة أبيها وخالها وعمها، أما المعلم طربقها فقد طربقها، وجعل عاليها واطيها. أراد مصر قد الدنيا فصارت قد جهنم الحمرا. الرجل الثلاثي يعمل كل شيء بالمقلوب.
بصّ وشوف: البرلمان مدرسة مشاغبين، والدستور كتب بنوايا طيبة، وينوي "تتح" أن يصححه ويكتبه بنوايا سيئة، والأسماك تنفق في النيل من عذاب الفوسفات، والهجران، والعذولين، والزنازين، والاغتصاب.
والتماسيح في النيل تبكي وتعيط من العطش والخوف من غضب أثيوبيا وبخلها، والجسور تنهار، آخرها جسر إمبابة الذي عاش شهرا واحدا فقط، والأرض تعطش والبنات تغتصب والرجال أيضا، نتذكر إصابة ستين مواطنا بالعمى بدواء كفتة ثلاثية خاطئ.
أنا مش ممكن "أضيعكوا"، فهذه دولة الدكر والدكور. والسيسي يقابل الزعماء خِفِرا، يده أمامه، وابتسامته البلاستيكية الدائمة، والدكتور أحمد عكاشة يحلل نفسية مرسي تاركا السيسي مثل عصفور بلله الطرشي.
يستغرب صديقي جلدي وصبري على متابعة خطب الرئيس السيسي، ويخشى أني قد ذبت عشقا فيه.
للسيسي عشاق، وأنا منهم بخطابه، والسبب في ذلك هو هيلمان الدولة، بلغ الطاغية شأوا في الهيلمان لم يبلغه ملك في العالم، إلى درجة أنهم فرشوا سجادة حمراء للخنزيرة التي يركبها، فكان أن غضب كثيرون من موالي الرئيس، فصرخوا: لا، هذا نفاق لا يحتمل. لكن أحدا لم يجرؤ أن يقول للرئيس: الغلط منك يا وجه السعد علينا.. الجميع يلوم الذين حول الرئيس، أما الريس فمسكين وهو ضحية نفاق، وميعرفش كما في محامي خلع!
ملأى السنابل تمشي على السجادة الحمراء بتواضع، والفارغات تقضي أعمارها في السجون والزنازين.. صبرا ما هي إلا أيام وتطير السجادة الحمراء مثل سجادة ألف ليلة وليلة.
كان البارحة يخطب بمناسبة استلام شقق سكنية، فشاهدنا حوارا ديمقراطيا بينه وبين وزير الإسكان والمقابر، ولا أعرف إن كانت الشقق ستؤول إلى الانهيار مثل جسر ترعة مريوط، وجسر إمبابة الذي انهار بعد شهر من إنشائه فلم يصبر شوقا إلى الأرض، فوقع من طوله وهو يقول تحيا مصر.
المهم أن الرئيس الذي مدحه المذيع عماد أديب بأنه أذكى واحد في مصر، كان يقاطع ويضحك من غير مناسبة، فيضحك معه الجمع من العسكر، كأنه قائد أوركسترا، فذكرني بمسرحية شاهد ما شافش عندما عرضت على الجيش الليبي، وقتها لم يضحك أحد حتى أخرج عادل إمام الخيارة، فضج الجمهور العسكري بالضحك، ويقال إن عادل إمام ظل ممسكا بالخيارة حتى لا تنهار المسرحية. فالعسكر مزاجهم صعب يا خويا. ويحبون الخيار بس مش للأكل، لحاجة تانية خالص.
عادة يطلق الرئيس العربي المنتخب كلابه من الوزراء والمخابرات للإساءة للشعب، ليتدخل هو فينهرهم أو يحبسهم أو يقيلهم، فيصير البطل، ابن فايزة أحمد في الأغنية الشهيرة. لكن السيسي بذكائه الآينشتايني الفريد الذي أثنى عليه العلامة عماد أديب، كان يقوم كل مرة بمقاطعة الوزير ويطالب برفع السعر، أي يقوم بالعكس من تلك النظرية الشهيرة في السياسية والأفلام الميلودرامية، ويقول لازم الشعب يعرف ما فيش فلوس. الرئيس يا ناس تعبان وراتبه لا يكفي الشعب كله، أنت عايز فلوس وأنا عايز فلوس، ويا ريت ندور على حد يدينا يا حنفي.
سأل حنفي: طيب بتضحك ليه.. مافيش في إيد الرئيس خيار ولا قرع ولا باذنجان.
فقال مسعود: في يا حنفي.. بس أنت مش واخد بالك. أو مش حاسس.. لا مؤاخذة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق