الاثنين، 1 فبراير 2016

في بغداد حضور عربي مشرّف وإن كان متأخراً

في بغداد حضور عربي مشرّف وإن كان متأخراً 




د. محمد عياش الكبيسي


في بغداد، وفي وقتين متقاربين من الأسبوع الماضي، سجَّل العرب موقفين مشرِّفين يدعوان للاعتزاز والفخر، ويفتحان بابا من التفاؤل والأمل.
كان الأول للسفير السعودي ثامر السبهان، الذي كشف للعالم بعبارات صريحة ومباشرة جانبا من الحقيقة التي رآها بعينيه كإنسان يرى ويسمع ويشعر ويفكّر، بغض النظر عن السياقات الدبلوماسية، وكان تساؤله المنطقي: لماذا يرفض السنة العرب والكرد دخول الحشد (الشعبي) إلى مناطقهم؟

حكومة بغداد لم تجرؤ على مناقشة أصل الفكرة التي طرحها السبهان، وإنما راحت تكيل الاتهامات، وتدعو بالويلات لأن السبهان تجاوز القواعد الدبلوماسية، وتدخَّل في الشأن الداخلي، وهكذا يكون مجرد تعبير العربي عن رأيه في بلد عربي محظورا ومدانا، بينما يحق للإيراني قاسم سليماني أن يقود بنفسه الميليشيات المسلحة على مرأى العالم ومسمعه!

إن ما يسمّى بالحشد الشعبي هو ليس حشدا شعبيا، وإنما هو حشد شيعي بقرار من مرجعية شيعية، فالسيستاني مهما كان ليس مرجعا للسنة ولا للديانات والمذاهب الأخرى؛ بل هو ليس مرجعا لكل الشيعة، وكان الأولى به على الأقل أن يحرص على مشاركة المرجعيّات الأخرى من كل الطوائف والمذاهب، خاصّة في مثل هذا القرار الخطير، هذا إذا كان مقبولا من حيث المبدأ أن تتدخل المرجعيات الدينية في تشكيل الجيوش والميليشيات المسلحة، مهما كان دورها وشكلها! 
فكيف إذا كانت هذه الميليشيات تقوم بتفجير المساجد وحرق المصاحف وانتهاك كل الحرمات دون رقيب ولا حسيب؟

أما الموقف الثاني فكان لرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، الذي ترأس وفد بلاده في المؤتمر الحادي عشر لبرلمانات الدول الإسلامية المنعقد في بغداد الأسبوع الماضي، حيث حاول لاريجاني أن يستغل غياب المملكة العربية السعودية لينال منها بطريقة سمجة وتفتقر إلى الكياسة واللياقة، وكان ربما يفكّر أنه لن يجرؤ على ردّه أحد، خاصَّة أنه في بغداد! حتى تفاجأ بالموقف العربي الأصيل للسيد مرزوق الغانم: (إننا نسجّل اعتراضنا على كلمة الدكتور لاريجاني، وإذا كانت المملكة غير موجودة هنا، فأنا شخصيا والوفد الكويتي كله نمثل المملكة العربية السعودية).

إننا كعراقيين وكعرب وكمسلمين قبل كل شيء لا يسعنا إلا أن نحيي هذه المواقف، وفي الوقت نفسه نرى أنه قد آن الأوان ليتدارك العرب حالة الفراغ التي تركوها في بغداد، فبغداد عربية وستبقى عربية، مهما كان حجم المخططات والمؤامرات.



لقد كان غياب العرب عن بغداد كارثة قومية بكل المقاييس، وعلى مختلف الصُّعُد، ومن المؤسف أن يكون للعرب العراقيين (سنّة وشيعة) دور في هذا الغياب أو التغييب، أما الشيعة فموقفهم معروف بعد هيمنة المرجعيات الفارسية والأحزاب السياسية المرتبطة بإيران، وأما السنّة فقد كانوا مسكونين بهاجس (الشرعية) إلى حدّ الورع الذي أبعدهم تماما عن قراءة الواقع ومآلاته الواقعية والمستقبلية، فقد كانوا يظنون أن فتح السفارات والقنصليات العربية يوفّر قدرا من الشرعية لحكومة الاحتلال، وقد كان بعض الواجهات السنّية يجهد نفسه ذهابا ومجيئا لإقناع العرب بهذه الرؤية (الشرعية)!
وهي نفس الرؤية التي منعت السنّة من المشاركة في بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة، مما مهّد الطريق لتغوّل النظام الإيراني وتفرّده بالقرار شكلا ومضمونا، حيث لم يكن هذا النظام والحكومة التابعة له بحاجة إلى هذه الشرعية وإنما كان محتاجا بالفعل إلى هذا الفراغ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق