الجمعة، 5 فبراير 2016

حصان طروادة الإيراني


حصان طروادة الإيراني

شريف عبدالعزيز

في سنة 2006 قامت الدنيا ولم تقعد علي الرئيس المصري حسني مبارك بسبب تصريحه الشهير الذي تناول فيه ولاء الشيعة في أوطانهم، وأنه دائماً ما يكون ولاؤهم لإيران علي حساب أوطانهم، وملأ الشيعة في كل مكان في العالم صياحاً وضجيجاً علي التصريح المصري، وانطلقت حناجر الملالي والآيات في قم والنجف بالتنديد والنيل من الرئيس المصري، حتى أن الحكومة العراقية علي لسان رئيس وزرائها نوري المالكي قد قدمت احتجاجاً رسمياً للخارجية المصرية.

هل يوجد شيعي وطني؟
خلال السنوات الأربع التي مرت بعد التصريح المصري، وقعت العديد من العديد من الأحداث والوقائع التي تبرهن علي صحة ما ذهب إليه الرئيس المصري، وأصبح السؤال الذي يثور في سجالات داخلية وإقليمية هو: هل يوجد فعلاً شيعي وطني؟ وهل يعمل الشيعة في أوطانهم كطابور خامس لإيران؟ وأصبحت الإجابة علي سؤال: لمن ولاء الشيعة سهلة ومعروفة للجميع، فهم مع إيران قلباً وقالباً، عقيدة وسياسة.
وحتى لا نتهم من أبواق النظام الإيراني، وخدام ومروجي المشروع الإيراني في منطقتنا العربية والإسلامية، بأننا نرمي التهم جزافاً علي الوطنيين والشرفاء، أو نتهم بأننا ندور في فلك السياسة الأمريكية والصهيونية المعادية - ظاهرياً فقط - للنظام الإيراني، نقول لهؤلاء بالأدلة والبراهين.

وطنية شيعة اليمن!!
الشيعة الحوثيون في اليمن يحاربون الحكومة اليمنية منذ عدة سنوات مدعومين من إيران التي تمدهم بالسلاح والذخائر، وأدت حروبهم الست السابقة، والسابعة علي الطريق، إلي انهيار أجزاء واسعة من البنية التحتية في اليمن، وفتحوا المجال أمام دعوات التفتيت والتمزق مرة أخري في بلد عاني طويلاً من الفتن والاضطرابات، نسألهم عن وطنية الحوثيين وولائهم علي الحقيقة لمن؟ وهل هم فعلاً يبحثون عن الحق والعدل والمساواة؟ كما يروجون في وسائل الإعلام؟

ثم أين كانت وطنية الشيعة الحوثيين وهم يهددون الأمن والسلام الإقليمي بالإغارة علي جنوب السعودية، وانتهاك سيادة وحدود بلد مسلم، ويعرضون بلدهم اليمن لتوترات جمة مع دول الجوار، وهل من الوطنية تعريض مصالح الوطن للخطر من غير قضية كلية تخدم مصالح الأمة الإسلامية ككل؟
بل ما هي المبررات المقبولة لدي الحوثيين من أجل الهجوم علي الحدود السعودية؟ 
هل كان أيضا بحثاً عن العدل والحقوق الضائعة كما يزعمون في حربهم ضد الحكومة اليمنية؟
أن هذا الهجوم ما كان إلا دفعة رصاص من سلاح مأجور يضرب به الإيرانيون أشد خصومهم الدينيين والسياسيين - العربية السعودية، وذلك علي حساب الأمن والسلام في المنطقة.

وطنية شيعة لبنان:
الشيعة في لبنان قد أعلنوها صراحة بل إي مدارة أنهم يتبعون ولاية الفقيه، ويستمدون أوامرهم وقراراتهم مباشرة من كرسي المرجعية في قم، ويصفهم المتحدث بلسانهم والمعبر عن آمالهم (حسن نصر الله) بأنهم ذراع إيران في المنطقة، وشيعة جبل عاملة علي وجه الأخص أشد أنصار المرجعية الإيرانية، لذلك فهم عقبة مستمرة في وجه أي إصلاحات داخلية وترتيبات حكومية لا تأتي وفق رغباتهم، وعطلوا تشكيل الحكومة اللبنانية عدة أشهر من أجل تحقيق مكاسب طائفية لأقصى حد ممكن، حتى أن بعض النواب الشيعة في البرلمان اللبناني وهو (أيوب حميد) يهاجم حكومته لاشتراكها في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في ليبيا فيقول بما لا يدع مجالا للشك في ولاءات شيعة لبنان لإيران: "كيف يمكن للعرب أن يوافقوا علي احتضان النظام الليبي للقمة العربية ودوره في التآمر علي إيران وسوريا معروف للجميع".

ثم إن من معاني الوطنية لدى شيعة لبنان توتير الأجواء ببث خلايا تجسس إيرانية تنتشر عبر دول المنطقة، كتلك التي تم الكشف عنها في مصر أوائل سنة 2009، وتسببت في توتير العلاقات بين مصر ولبنان، وتسميم العلاقات بين الشعبين حتى رأينا تجليات ذلك بقوة في المشهد الدرامي والمروع لسحل شاب مصري وذبحه ثم تعليقه مثل النعاج المذبوحة بسبب اتهامه بجريمة قتل بقرية كترمايا الدرزية في لبنان منذ أيام، و حجم الإساءة الكبير للبنان وللأمة العربية والإسلامية الذي خلفه هذا الحادث الأليم، حتى زايدت عليه وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية وسحبت وحشيته علي المسلمين كلهم واتهمت صراحة الإسلام بأنه وراء ثقافة السحل والذبح التي ينتهجها المسلمون حتى مع بعضهم البعض.


وطنية شيعة الخليج:
الوضع في الخليج أشد ضراوة وأعقد نظماً من جانب الشيعة، فالشيعة منتشرون في بلدان الخليج بنسب متفاوتة، فكثير من أهل البحرين مثلاً من الشيعة، وهم لا يخفون مطالبهم بمزيد من الحريات ومزيد من التقارب مع إيران، ولا يسمع لهم صوت اعتراض أو ممانعة علي التصريحات شبه الرسمية التي تخرج من الحين إلي الأخر من النظام الإيراني والتي يدعي فيها أن البحرين هي المحافظة الإيرانية الرابعة عشر، وأخيراً تم الكشف عن تورط شخصيات وزارية في الحكومة البحرينية في عملية غسيل أموال لصالح الحرس الثوري الإيراني، الشيعة يمثلون الكتلة الأكبر برلمانيا في البحرين، وزيارة البرلمانيين البحرينيين الشيعة لإيران لا تنقطع بحجة زيارة العتبات المقدسة! وتلقي العلوم، ثم لم يكتف شيعة البحرين بما فعلوه في أوطانهم تعبيراً عن وطنيتهم!، بل أقدموا علي تشكيل خلايا مسلحة تنتهج العنف من أجل الانضمام لإيران، مثل خلية الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين والتي تشكلت منذ عدة سنوات، وتسعي لقلب نظام الحكم السني وإقامة حكم شيعي متحالف مع إيران، وفي سنة 1996 ألقت قوات الأمن البحرينية القبض علي أعضاء من خلية حزب الله البحريني، وهم يخططون لأعمال عنف وشغب بالعاصمة المنامة، وهم علي صلة بحزب الله اللبناني، ثم لماذا يصر شيعة البحرين وغيرهم من شيعة الخليج علي رفع صور الزعماء الإيرانيين في كافة مسيراتهم واحتفالاتهم الدينية، هل هذا أيضا من لوازم الوطنية طبقاً للمفهوم الشيعي؟!


والشيعة في الكويت التي تفجرت فيها أخر تداعيات الوطنية الشيعية بالكشف عن شبكة جاسوسية لإيران تضم عسكريين ومسئولين وعرب من أتباع حزب الله، يمثلون ثلث الشعب الكويتي، وله صوت مسموع وصلت قوته لمنع الشيخ العريفي والكلباني وغيرهما من شيوخ السعودية بسبب الهجوم علي الدور الإيراني في المنطقة، ويتمتعون بقسط كبير من الحرية والنفوذ في نفس الوقت، ولا يستطيع أحد أن يوجه لهم ولشعائرهم و احتفالاتهم المبتدعة أي نقد، شيعة الكويت لا يبالون بتوجهات أو طلبات وطنهم، شيعة الكويت لهم الكثير من المواقف التي تكشف حقيقة وطنيتهم المزعومة، ابتداءً من اعتداءات حزب الله - فرع الكويت علي العديد من المنشآت الوطنية والنفطية، ومحاولة اغتيال أمير الكويت (جابر الصباح)لمنعه من دخول الخوميني للأراضي الكويتية، ثم اشتراك مجموعة كبيرة من شيعة الكويت في مجزرة الحرم الشهيرة التي نفذها الحجاج الإيرانيين سنة 1987، كما أن العمل السياسي الشيعي داخل الكويت ممثلاً في التحالف الإسلامي الوطني، وهو الذراع السياسي لحزب الله - فرع الكويت كان دائم التنسيق مع الإيرانيين، حتى أن الحكومة الكويتية قدمت احتجاجا رسميا للحكومة الإيرانية علي مثل هذه الترتيبات سنة 2004، وبكل تحدي للنظام والشعب الكويتي يقوم مجموعة من النواب الشيعة في مجلس الأمة الكويتي بتأبين عماد مغنية أحد قادة حزب الله اللبناني بعد اغتياله سنة 2008، علي الرغم من جرائم مغنية بحق الشعب الكويتي كما هو معروف للجميع، فأين هي إذا وطنية شيعة الكويت؟

وفي السعودية الشيعة ومنذ دعوة الخوميني لهم بالثورة سنة 1979،وهم يثورون من الحين للأخر، وما زالت أحداث القطيف وثورة الإحساء محفورة في أذهان من عاصرها، وتهديدات شيعة المنطقة الشرقية للمنشآت النفطية الثرية هناك أدت لتوتر المنطقة والتأثير علي اقتصاديات البلاد وقتها، وفي سنة 1987 تم القبض علي مجموعة صغيرة من شباب الشيعة شرعوا في تكوين فرع لحزب الله الإيراني في السعودية علي غرار فرعي الكويت والبحرين، وكانت مهمتهم ترويع الأمن والقيام بتفجيرات وزعزعة الاستقرار الداخلي، ومنذ نجاح شيعة العراق في الوصول لسدة الحكم هناك تحت ظل الاحتلال الأمريكي، وآمال شيعة الخليج عموماً والسعودية خصوصاً وهي في تزايد وارتفاع مما جعل المراجع الشيعية في السعودية مثل حسن الصفار ونمر النمر وغيرهما يجهرون بآرائهم المعارضة لبلادهم ويمجدون النظام الإيراني، بل وصل الأمر بالنمر قبل اختفائه أن يدعو صراحة لانفصال الشيعة عن السعودية، وأبدي استعداده للموت في سبيل إقامة دولة شيعية في شرق البلاد.

حصان طروادة جديد:
إيران عبر أتباعها المنتشرين في دول المنطقة قد أصبحت متدخلة بالفعل وحاضرة في معظم دول المنطقة علي المستوي السياسي والثقافي والديني والاجتماعي، أصبح لإيران حضور عراقي وكويتي وبحريني ولبناني وسوري، وتمددت حدودها الفكرية لتشمل حيزا كبيرا من دول المنطقة، وإيران أصبحت لا تؤثر علي صنع القرار في المنطقة بل أصبحت صانعة له في بعض البلاد مثل سوريا ولبنان التي أصبحت بمثابة امتدادات إستراتيجية للجمهورية الإيرانية في عمق منطقة الصراع، وذلك بفضل وجود الشيعة في بلاد المنطقة.

اليوم أصبحت الأقليات الشيعية المنتشرة في دول المنطقة طولا وعرضا،بمثابة حصان طروادة الذي يدخل النفوذ والتغلغل الإيراني عبره إلي داخل منطقتنا، ويمارس الإيرانيون من خلاله كل مبادئ الثورة الإيرانية ونشر الاضطرابات و زعزعة الاستقرار الداخلي تمهيدا لما هو أعظم وهو تفكيك دول المنطقة، وتحويلها لكانتونات طائفية مذهبية، ومن ثم تلتئم الكيانات الشيعية في الوطن الأم - إيران - ويقوم مشروع الهلال الشيعي أو إيران الكبرى.
هذه الحقائق قد أصبحت أكبر من الدجل الإعلامي الذي تمارسه أبواق إيران في منطقتنا والتي تجتهد قدر استطاعتها في التمويه علي الجرائم الإيرانية في منطقتنا والتي يكشف كل يوم عن طرف منها، وما خفي كان أعظم، فقد أصبح مما لاشك فيه أن ثمة خلايا إيرانية كثيرة منتشرة في المنطقة وهي في حالة كمون وخمول، استعدادا للنشاط والتحرك في الوقت المناسب، وإيران الآن تستفيد من كل الأحداث الجارية حتى تلك التي يكشف النقاب فيها عن جريمة إيرانية جديدة، فإيران قد نجحت في فرض سياسة التخويف والقلق في المنطقة من احتمال وقوع أي صدام بسبب طموحاتها النووية، ذلك لأن أرض هذه الصدامات ستكون دول المنطقة لا محالة.

لذلك فاستحقاقات الكشف عن مثل هذه الجرائم الإيرانية في منطقتنا العربية ومحيطنا الإسلامي يقتضي سرعة تحرك الأنظمة والحكومات نحو التعامل بجدية أكبر مع الأقليات الشيعية والتأكد من جدية ولائها ونظافة موقفها السياسي، وصدق وطنيتها "ونعني بالطبع الوطنية التي تتماهى مع الهوية الإسلامية والانتماء للأمة ككل، لا الوطنية بمعناها العلماني الضيق"، كما تقتضي اليقظة مع الجاليات الشيعية في المنطقة، ووضعها تحت العين والمتابعة، فالأمر في غاية الخطورة والغفلة عنه ربما تورث دول المنطقة نفس الإرث المشئوم الذي ورثه الخليفة المستعصم العباسي عندما غفل عن وزيره ابن العلقمي الذي تآمر مع هولاكو وخان أمته ووطنه، وعندها لا تنفع ندامة ولا إعانة.
تاريخ النشر: 12/6/2010 ميلادي - 29/6/1431 هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق