الأحد، 7 فبراير 2016

رؤساء لطرد الأرواح الشريرة

رؤساء لطرد الأرواح الشريرة
أحمد عمر

دعاني مجموعة من الأصدقاء الألمان لحضور حفلة عيد الفاشن، عيد الأزياء. في العيد كل المشاركين يتنكرون.
الألمان قوم يعملون بإخلاص، والصناعة الألمانية من أجود الصناعات في العالم، ولذلك هم يقدسون عطلة نهاية الأسبوع ويهنئون بعضهم بها مكافأة وثوابا على العمل، وربما اقتبسنا منهم أو من جيرانهم عبارة: جمعة مباركة.

 عند المسلمين، دينيا، لا توجد عطلة سوى في العيدين، العطلة هي ساعة واحدة في الأسبوع، وهي ساعة الصلاة يوم الجمعة. العمل مقدس في الإسلام وتلك يد يحبها الله ورسوله لكن الطاغية قلب الدنيا عاليها واطيها.. وكما يذهب المسلم إلى المسجد متوضئا، فإن المحتفل في عيد الفاشن يذهب متوضئا بالألوان والأصباغ والأقنعة، مثل الهنود الحمر والأفارقة في الحرب أو في حملة طرد الأرواح الشريرة.

 صديقتي أورسولا، وهي في سنٍّ محيّرة بين العشرين والسابعة والسبعين، وكانت متنكرة بريش طائر الشحرور، وصبغت وقب عينها اليسرى بالأزرق، وكأنها نالت لطمة عليها! سألتني عن سبب عدم التنكر، واقترحت أن تنكرني رأسا ووجها لطرد ثاني أوكسيد الشرِّ. 

الألمان والغرب عموما، بل والشعوب الوثنية الإفريقية، كلها تتنكر في الأعياد بأقنعة الحيوانات والطيور هربا من حومات الجد إلى بساتين اللهو واللعب، أو حنينا إلى الطفولة الوثنية. 
حاليا: الغربيون يتنكرون في الظاهر، ونحن نتنكر في الباطن.
هم يتنكرون في يوم العيد، ونحن نتنكر طول العمر. لم نكن كذلك قبل عصر الدكتاتوريات المجيد.

تحضرني عبارة فرويد نبي علم النفس، التي يتناقلها الباحثون بقدسية، وكأنها قانون نيوتن في عالم الاجتماع ويقول فيها: "العيد خرق احتفالي لمحظور"، فأقيس القانون المذكور على عيدي الفطر والأضحى، فلا أجده ينطبق عليها، فالمحظور في رمضان هو الإفطار، وهو يخرق يوميا في احتفال كبير عند غروب الشمس، ويمكن للصائم الغاش أن يخرقه أو يسرقه، فهو عقد بين الإنسان وربه، وهو محظور اختياري، وفرض ديني، ويتم الاحتفال بالفطر في العيد، لكن من غير انتهاك للمحظورات الأخرى، كذب الباحثون ولو صدقوا، أو هو يصدق على مجتمعاتهم. النجوم هم سحرة العصر الجدد.

أظن وأعتقد وأنا بكامل قواي العقلية والعضلية والروحية، أنّ البلدان العربية التي تقدّم فيها فن التمثيل والمشخصاتية كثيرا، وباتت صناعة الدراما والسينما صناعة ثقيلة، هي الأكثر فسادا في الأرض.
التمثيل هو فن التنكر.. ويمكن بناء على هذه الفرضية أن نقول إنّ أمريكا والهند هي الأكثر فسادا وإفسادا في الأرض بمصنع الأكاذيب والأنبياء الكاذبة: نجوم السينما الذين يتنكرون مهنة، فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالةٍ..

إذا قسنا المعيار السابق: "التنكر من أجل طرد الأرواح الشريرة" سنجد أن السيسي ومن قبله المؤتفكات، والطغاة مثل الأسد والقذافي، الذين عصوا ربهم فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم (علينا) ربك سوط عذاب. قد طردوا كل الاطراح الخيرة من البلاد تقريبا!

كانوا لا يكفّون عن الاحتفال، وعن خرق المحظورات، عاشت البلاد في أعراس وأعياد دائمة في عهودهم، ينتهي عيد فنشعل من عقب العيد المحروق عيدا آخر. أربعون سنة والنظام السوري المنضم يحتفل يخرق الشعب والبلاد بصمت ثم جهرا، حتى بات الجعفري يجاهر بقرآنه الجديد، ويقول له قرينه: صدق الله العظيم!

قلت للسيدة أورسولا: مولاتي لقد عشت حياتي كلها متنكرا، نصف قرن تقريبا وأنا متنكر، نزحت إلى هنا لأنهي حياة التنكر، وأظهر بشخصيتي، بوجهي، بلا أصباغ أو أقنعة.. "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَة... وهذه فرصتي في أن أعيش الشخصية التي أكرمني الله بها.
القناع أكل وجهي، التنكر افترس روحي، هربت من الأرض المباركة التي باتت ملعونة من كثرة الفساد، كان لابد من الرشوة في بلدي، كنت ألبس جلد التمساح إذا أُهنت، وأراوغ مثل الثعلب للحصول على ربطة خبز، وأنبح مثل الكلب في المسيرات العفوية، وأردد كالببغاء شعارات البعث، وأقفز كالسعدان بين الحفر في الشتاء والصيف وأنا أعبر الطريق بدراجتي،.. وأحيانا أتماوت مثل حيوان أبو سوم حتى أنجو من القتل...
عشت حياتي كلها وأنا أتنكر أو أجاهد في منع ظهور شخصيتي الحقيقية، وشخصية التنكر الفضلى كانت التمثال، والشيطان الأخرس، و كنت أقلد القرد الصيني، أسمع، أرى، ولا أتكلم، مثل باقي أبناء الشعب.
عشنا مقنعين، وكان تنكرا لطرد الأرواح الخيرة، فالذي يجهر بشخصيته الحقيقية التي خلقه الله عليها، "ولقد كرمنا بني آدم " يقُتل أو يحبس ما وراء الشمس.

سيدتي كان في المدينة التي أقيم فيها عالم مشهود له بالتقوى والورع، وما أن يستفتيه أحد في شؤون وخلافات بين الدولة والمستفتي، حتى يقلد النعامة في وضع رأسها بالتراب.. 
الرئيس يتنكر دائما: طاووس في المراسيم، أسد في الحرب، صقر في حدة النظر، دبّ في العمى، فيلسوف في الحكمة، طبيب في مداواة البلاد.. دوره المفضل هو في دور الإله.. الرب المعبود تعالى عما يشركون.
 كنا نتواطؤ على الخداع، هو يعاملنا كشعب من الأطفال، ونحن نعتبره أبا وربا. أبطال مجتمعنا هم الممثلون، الممثل العربي أدى أدوارا كثيرة: اللص، السكير، الحرامي، المجرم، البطل، عمر بن الخطاب، أبو بكر الصديق، وهكذا بسيطرة الدولة على الممثل احتكر الحاضر، والماضي.. أما المستقبل فبات في بلادكم.

 في الكتاب المقدس يقول المسيح: ماذا ينفع الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه.

 أظنّ في الثورة العربية، كسب الثائر الذي بقي حيا نفسه، و إن خسر وطنه.

 الشهيد كسب نفسه في الدنيا والآخرة، والآخرون الذين لما يلحقوا بهم كسبوا أنفسهم، أما الوطن، فلم يكن سوى وثن، فكل مكان يحترم فيه كرامة الإنسان... وطن. 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق