شتاء الجنرال: القضية 250 وأشياء أخرى
وائل قنديل
كلما شعر معسكر الجنرال بالصقيع، صاحت دجاجاته الإعلامية في هستيريا: الحقونا بالقضية 250.
تخرج هذه القضية على السطح في مواقيت معلومة، ثم تعود إلى الأدراج، إذ صارت طقساً موسمياً لإرهاب المعارضة، وتهديد كل من يفكر في مضايقة الجنرال.
يندلع الحديث حولها قبل الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني وقبل الثلاثين من يونيو/حزيران من كل عام، ثم يخمد عندما تهدأ الأمور ويستشعر من في السلطة بعضاً من الاستقرار، ومع دخول شهر الثورة، تلجأ السلطة لنشر قوات "المصطفى بكري" جنباً إلى جنب مع نشر قوات المدرعات وفرق الأمن المركزي.
في آخر عروضه العسكرية، لمناسبة تصاعد الغضب الشعبي ضد تسليم جزيرتي "تيران وصنافير"، يلوّح قائد فيلق "البكري المركزي" بالقضية 250 في وجه المتمسكين بمصرية الجزيرتين، الرافضين التنازل عنها للسعودية، ويقول بكل ثقة: سنفتح القضية 250 من جديد، ونفضح الخونة الذين يرفضون التفريط في الأرض.
في يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2016، كان توفيق عكاشة لا يزال في الخدمة، وفي مثل هذه الأيام خرج على الشاشة ليهدد "أهل يناير" بالقضية، وقبله توعد أحمد الزند، وزير العدل في ذلك الوقت، معارضي السيسي بالقضية ذاتها حين أكد أن النيابة العامة انتهت من التحقيقات في القضية 250 أمن دولة عليا، وأنه ستتم إحالة جميع المتهمين فيها إلى محكمة الجنايات قريباً. وقال في حوار تلفزيوني مع بكري آخر من الحجم الصغير على فضائية «صدى البلد»، إن أوراق القضية موجودة في مكان أمين، وسوف يتم الإعلان عن أسماء كل المتهمين ومحاكمتهم قريباً جداً.
استخدام هذه القضية الغامضة، فزاعة لتخويف المعارضين، بدأ قبل ذلك مع اقتراب الذكرى الثانية للانقلاب، إذ خرج مسؤول مخابرات سابق في حوار صحافي ليعلن: "القضية كبيرة جداً، لكني لا أستطيع أن أفصح عن تفاصيلها الآن. لكن، يمكن الحديث عن بعض الخطوط العريضة فيها، وهي أن كل من اشترك أو ساعد أو دعم في هدم البلد من بداية ثورة 25 يناير 2011، اسمه وارد في هذه القضية، وسيُحاسب، ومصر هتاخد حقها منه، ومش معنى أنهم متسابين لحد دلوقتي أنهم مش هيتحاسبوا كويس أوي".
صاحب صيحة الانتقام تلك كان شخصاً يدعى اللواء وليد النمر، قدمته صحيفة "الوطن" السيسية بوصفه "القيادي السابق في واحد من أهم الأجهزة السيادية في مصر، وهو جهاز المخابرات الحربية، ليتوعد كل من شارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني بأن "اسمه مكتوب" في القضية رقم 250.
وبعدها دخلت "الحدوتة الظريفة الثلاجة"، حتى أخرجوها وقدموها ساخنة بعد ستة أشهر، استباقاً لفعاليات ذكرى ثورة يناير، ثم عادت إلى الثلاجة لمدة عام كامل، حتى أتى بها "الشيف مصطفى بكري" هذه الأيام التي يستنهض فيها النظام كل طاقات الجنون والانتقام، من باب التخويف، إذ يتم التلويح بأن كل من تظاهر، هاتفاً أو صامتاً، في ميدان التحرير في الفترة من خلع حسني مبارك، وحتى انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً، هو متهم في هذه القضية، بدءاً من الدكتور محمد البرادعي وأعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، مروراً بكل المثقفين والسياسيين والإعلاميين المنحازين للثورة، وحتى أصغر ناشط سياسي، هتف ضد سياسات المجلس العسكري، مطالباً بإنهاء حكم العسكر.
بالنظر إلى نوعية الذين يهددون بهذه القضية، ومواسم اللوثة التي تنتابهم، فيهرعون إليها، فإن الأرجح أن القضية برمتها، فكرة وتأليف وسناريو وإخراج وإنتاج عبد الفتاح السيسي شخصياً، فالرجل كان مديراً للمخابرات الحربية، التي تولت وضع سيناريوهات إحراق ثورة يناير، والتي استولت على أرشيف "أمن الدولة" بالكامل، في أعقاب عملية اقتحام مبانيها في الأسبوع الأول من مارس/ آذار 2011.
الآن: محمد البرادعي يخرج عن صمته، ومشاعر الجماهير تغلي غضباً من الخراب الاقتصادي والتوحش الأمني والانهيار السياسي، فلا بأس من تدفئة شتاء الجنرال البارد بإشعال القضية التي صنعها بيده، ويومئ باستخدامها، كلما حاصره الفشل والغضب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق