نقيب الطغاة الجائلين يهاتف ترامب
وائل قنديل
روى السيسي ما دار في المكالمة التي تلقاها من عطوفة والي أميركا الجديد، بكل فخر قائلاً "كان فيه اتصال امبارح مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقالي الاقتصاد بتاعكم أخباره إيه، قولتله إحنا بنقاتل وحدنا منذ 40 شهراً، والمصريين صامدين وقادرين، وبسجل الكلام ده، دلوقتي العالم كله عارف بنعمل إيه".
نقيب الباعة الجائلين الذي سلم ريجيني للأمن المصري، بعد أن سجل له محادثةً بينهما، ظهرت على أثرها جثة الإيطالي ممزقةً ومشوّهة المعالم، قال للشاب ريجيني إن أحواله الاقتصادية بائسة، وإنه لا يجد نفقات علاج ابنته وزوجته المصابة بالمرض "الوحش"، ويريد المساعدة.
الفارق بين ريجيني وترامب أن الأول كان يتحدّث إلى من وشى به بكل التحضر الإنساني، وبروح تعاطف حقيقي مع الشخص الذي أبلغ عنه. بينما ترامب يداعب مناطق الشر في قاتلٍ محترف، يلبي رغبات ترامب، ويظهر ولاءه الكامل لقيم العنصرية والهمجية والفاشية الشريرة التي تتجسّد في حاكم الولايات المتحدة، القادم، مثل السيسي، على هوى العنصرية الصهيونية، والذي أعلن، قبل تنصيبه رسمياً، أن مهمته الأولى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مدشناً اعترافاً بشرعية الاحتلال والإجرام والاغتصاب.
يتحرّك السيسي كبائع متجول في شوارع وأزقة الاستبداد والعنصرية، يعرض سلعاً رديئة مغلفة بعبارة "للاستعمال في تجارة الحرب على الإرهاب"، ويطرح نفسه للبيع أو الإيجار، في السوق الترامبية الناشئة، بعد أن أبلى بلاءً حسناً في تلبية طلباتٍ لليمين الصهيوني، بشكل كامل، وقدّم عينات مجانية لليمين المهووس بالإسلاموفوبيا في كل مكان في العالم.
في كلمته بالأمس، في ذكرى الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني، لم يأت ذكر السيسي ثورة المصريين في هذا اليوم، قبل ست سنوات، إلا باعتبارها أحداثاً للوقيعة بين الشعب والشرطة، وبين الشعب والجيش، فيما انصرف باقي كلامه إلى اختصار التاريخ كله في التفويض الذي طلبه في يوليو/ تموز 2013، لكي يرتكب سلسلة مجازره ضد المصريين، وثورتهم، تحت شعار مواجهة العنف والإرهاب المحتمل.
يأخذ السيسي ثيمة الأربعين شهراً من محتوى مكالمته مع ترامب، ليقول" اسمحولي أني أتوقف عند هذه النقطة، وأتحدث إليكم، وأفكّر حضراتكم وجميع المصريين أن المصريين، عندما خرجوا يوم 26 يوليو للتفويض، كانوا يعلمون تماما حجم التحدّي الذي أقدمنا عليه.. هذا التحدّي المستمر. منذ أكثر من 40 شهراً، نخوض معركة شريرة وخبيثة، أما من جانب رجال الشرطة معركة شجاعة نبيلة".
لا يعترف السيسي بثورة في مصر إلا 30 يونيو و3 يوليو، وما قبل ذلك فتنة، وما بعد ذلك من مقاومة لانقلابه هو مؤامرة لتقسيم البلاد. ولذلك، فكل ما يرتكبه من جرائم مبرّر، ويجد الحماية من كل الكبار الرافضين سيرورة التغيير في الوطن العربي، لتستمر المعادلة المثالية لواشنطن وتل أبيب: حكام يقمعون شعوبهم، ويسهرون على خدمة السلام الدافئ مع المحتل الصهيوني.
يمضي السيسي في طريقه، بينما روح الثورة تُزهٓق في مجموعات الشاتنج المغلقة على أفراد مغلقين على أوهام الزعامة الثورية والنضال المربح وتناول المقرمشات والمرطبات الكلامية، منزوعة الصدق والإرادة، فيتصارعون حول الشعار و"الأفيش" ومن يتصدّر الصورة، ومن يمسك بالميكروفون.
وفي هذا البؤس الثوري الباذخ، من الطبيعي أن تمعن وسائل إعلام الانقلاب في السخرية من عجز معسكر يناير عن فعل أي شيء، حيث تنشر نقلاً عن هيئة الأرصاد الرسمية أن طقس الخامس والعشرين من يناير مشمس، وملائم جداً للخروج إلى المتنزهات والحدائق. لكن ذلك كله لا يعني أن الثورة رقدت بسلامٍ تحت الثرى، بل هي لحظة فارقة في مسيرتها، تنبئ بأفول مرحلة التهريج الثوري، وبزوغ شمس جديدة.. من الداخل، الداخل فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق