مصر عاصمتها أبو تريكة
يفخر الإيطاليون بنجمهم الأشهر في عالم كرة القدم، في الجيل الحالي، فرانشيسكو توتي، فيقولون إن عاصمتهم هي روما، أو توتي.
في مصر، يتجاوز محمد أبو تريكة كونه أيقونة كرة القدم والرياضة عموماً، ليكتسب قيمة أخلاقية، ومعنى إنسانياً، ومعلماً حضارياً، يتوقف عنده التاريخ بكل أدب وتقدير.
أبو تريكة، بين نحو ألفين من المواطنين المصريين، المحترمين، يصنفهم التنظيم الإرهابي الذي يحكم مصر، بالحديد والنار، وأحجبة الشعوذة، والمشيئة الصهيونية، والمال الشرير، المحارب لأحلام التغيير العربي، يصنفهم كيانات إرهابية، ويسطو على أموالهم وممتلكاتهم، مدشناً عصر الدولة اللصة.
أبو تريكة هو التجسيد الحقيقي لمحتوى مصر الحضاري والتاريخي والأخلاقي، ملامحه موشومة على حيطان البيوت، في القرى والمدن معاً، ليس فقط كصانع البهجة القومية، وإنما باعتباره جوهرة ثمينة يباهي بها المصريون الأمم، في زمن بات معه ما يدعو للفخر شحيحاً، بل ويكاد يكون منعدماً.
تعرف مصر الحقيقية محمد أبو تريكة، وتتيه فخراً بأنها أنجبته، لكنها، بالتأكيد، لا تعرف عن عبد الفتاح السيسي سوى أنه لحظتها التاريخية البائسة، التي احتال بها الزمن وفرضها عليها، فامتلأت خجلاً مما صارت إليه.
قلت قبل نحو عامين، مع الإعلان عن مد الأيادي السلطوية المجرمة للسطو على ممتلكات النجم الأول، إن شرعية محمد أبو تريكة ليست في حاجة إلى أدلة إثبات، فهي ثابتة ومؤكدة كحقائق الجغرافيا والتاريخ، محفورة في رخام الذاكرة الوطنية، ومنقوشة على جدران الوجدان المصري.. هي شرعية ثلاثية الأبعاد.
فمن حيث المهارة والموهبة هو الأكفأ والأجدر بقيادة الجماهير نحو حلم الانتصار.
ومن حيث الإنجاز، فإن خزينة ميداليات ونياشين وكؤوس وألقاب وبطولات محمد أبو تريكة، تئن من التكدس والزحام.
ومن حيث الأخلاق والإنسانيات، يظل مثلاً أعلى ونموذجاً للفتى المصري المنطلق كالرمح من أراضي الفلاحين البسطاء، مدججاً بقيم أنقى من زرع الربيع، وأطهر من سماء استحمّت للتوّ في المطر، ومبادئ خالية من شوائب الكذب والخداع.
قلت أيضا: لدى أبو تريكة أكثر من ستين مليوناً من الأنصار، والمحبين الحقيقيين، والمؤيدين الأصلاء، لا 33 مليوناً افتراضيين، صنعتهم سينما المخرج إياه.
ولدى أبو تريكة خطاب يحترم العقول، ويوقّر القلوب المتعبة، خطاب يمكن اعتباره "أنشودة للبساطة"، بتعبير الراحل العظيم يحيى حقي، وليس "أنشودة للركاكة" تتسول عواطف الداخل، وشكائر الخارج، وتنحدر بمستوى الحديث الرئاسي إلى مضحكات مبكيات من نوعية "ربنا ما يحوجك لحد"، و"مصر بتموت".
لم يمارس تريكة القرصنة والسطو على سلطة جماهيرية كانت عن حق لسواه، ولم يقد فريقه كمجموعة من النهّابين الخطّافين.
لم يصادر أرصدة خصومه، بحجة أنه النجم الأول والأوحد. لم يكن زعيماً لدولة لص في ميدان الرياضة.
باختصار "أبوتريكة" هو الشرعية، بينما "أبو فلاتر" عنوان القرصنة.
تساءلت ذات يوم: أيهما مصر: أبو تريكة الذي يوصي بأن يضعوا معه في قبره قميص التعاطف مع غزة، أم عبد الفتاح السيسي الذي يعتبر أن من أهم إنجازاته الجاكيت المضحك، ذا النجمة الحمراء الذي منحه له قاتل أطفال سورية، فلاديمير بوتين؟
وأيهما تعرفه مصر وتحبه أكثر: الرجل الذي منحه شهداء الكفاح الفلسطيني ميداناً يحمل اسمه في مدينة غزة الصامدة، أم الشخص الذي يعتبره حاخامات إسرائيل هدية الرب لهم، ويرى فيه ساستها ومحاربوها رجلهم الذي يسهر على أمنهم ومصالحهم؟!
أبو تريكة هو مصر.. أبو فلاتر هو الفيروس الذي أصابها بالعطب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق