البرادعي والإخوان: الفيل في المنديل
البرادعي في أثناء اعتداء عليه في القاهرة (19/3/2011/فرانس برس)
وائل قنديل
بشكل قاطع، نفى الدكتور محمد البرادعي، نائب الرئيس المعيّن بعد الانقلاب العسكري في 2013 في مصر، أنه قام بأي تنسيقٍ مع الإخوان المسلمين في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
في الجزء الثالث من حواره على شاشة تلفزيون العربي، سئل البرادعي: ألم تنسّق مع الإخوان في الثورة، فردّ بحسم وجزم "لا خالص".
وبما أن الذكرى السادسة لانطلاق الثورة، المجهضة، تأتي هذا العام وسط غابةٍ من التعتيم والتشويه واللعب بالتواريخ والوقائع، فإنه من المهم هنا محاولة الإمساك بخيوط الحكاية، من باب الموضوعية، وصيانة حقوق الناس في معرفة ما جرى.
لم يأت الدكتور البرادعي على ذكر تولّي جماعة الإخوان مهمة جمع أكثر من 650 ألف توقيع على بيان المليون توقيع الذي طرحه في حملته للتغيير عام 2009، وهو المليون الأول للثورة الذي قال البرادعي، مراراً، إنه لو كسر حاجز الخوف والتردّد وخرج إلى الميادين سيكتب نهاية نظام حسني مبارك.. وقد كان.
قصة المليون وتوقيعاته قتلت بحثاً وسرداً، وقد قلت، غير مرة، إن جولة سريعة على "غوغل" و"يوتيوب" ستأتي بشهاداتٍ عديدة عن الدور المحوري لجمهور الإخوان في نجاح ثورة يناير في الصمود أمام نظام مبارك، وإجباره على الرحيل. لكن الجدير بالتوقف عنده هنا هو: هل فعلاً لم ينسّق البرادعي مع الإخوان؟
تقول الوقائع الثابتة إن قياديين بارزين في جماعة الإخوان، هما الدكتور محمد سعد الكتاتني والدكتور عصام العريان، تم اعتقالهما إثر لقائهما بالدكتور البرادعي في منزله، عقب عودته من فيينا، استباقاً لجمعة الغضب 28 يناير/ كانون الثاني 2011.
ولو وضعت في الاعتبار أن البرادعي حريصٌ جداً ومتحفظٌ للغاية، إلى درجة الوسواس، في استقبال ضيوفٍ في منزله، فإن المنطقي إن الكتاتني والعريان ذهبا إليه بناءً على موعد وترتيب مسبق للنقاش والتنسيق في إدارة الغضب الذي سطع يوم الخامس والعشرين من يناير، والذي تمدّد وانتشر في الأيام التالية.
وأظن أن المناخ العام، في تلك اللحظات العصيبة، لم يكن يشي بأن الزيارة كانت بهدف المشاركة في مسابقة للشطرنج أو البلاي ستيشن، أو للحديث في مسائل عائلية، فضلاً عن أن الطرف الآخر في السردية يقبع في الزنازين الآن، غير متمكّن من الرد والتصويب والتصحيح. وبالتالي، ومع احترام حقّ البرادعي في صياغة روايته، فإنها تبقى روايةً أحادية، وليست تمثل الحقيقة المجردة.
أضف إلى ذلك أن لدينا سردية أخرى لما جرى، دوّنها الدكتور عصام العريان على صفحته الشخصية، ثم نشرها في مقال في صحيفة الأخبار اللبنانية، قال فيها:
"كان الدكتور البرادعي قد حسم موقفه، وأعلن من فيينا أنه فى طريقه إلى القاهرة، وطلب لقاء الإخوان، فقرّر مكتب الإرشاد أن أذهب، بصبحة أخي العزيز الأستاذ الدكتور محمد سعد الكتاتني، للقائه ليلة الجمعة فى التاسعة مساءً، واتفقنا على أن نلتقي في بيت الدكتور البرادعي".
يضيف العريان "اللقاء الذي تم بناء على رغبة المضيف، بعد نصائحنا، وآخرين، له بضرورة العودة سريعا من الخارج، وإﻻ فاته قطار اﻷحداث، استمر إلى بعد منتصف الليل، وكان القدر يخبئ لنا أمراً آخر".
اللقاء، وفق رواية العريان، كانت تحضره قيادات (الجمعية الوطنية للتغيير) منهم الأستاذ الدكتور عبد الجليل مصطفى والأستاذ الدكتور محمد أبو الغار وشباب حملة البرادعي مصطفى النجار وعبد المنعم إمام ومدير موقعه على "تويتر".
"اتفقنا أن المظاهرات ستستمر حتى تحقيق مطالبنا في بيان "معاً سنغير"، وأهمها إلغاء الطوارئ، وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف قضائي، وأننا جميعا ملتزمون بعدم رفع شعارات أو مطالب خاصة أو فئوية أو حزبية، وأن الحركة وطنيةٌ، يتحمل الجميع مسؤوليتها متضامنين.
وبعد اﻻتفاق على أن يكون الكتاتني والبرادعي وأبو الغار على رأس المظاهرة التي تنطلق بعد صلاة الجمعة من مسجد اﻻستقامة بميدان الجيزة، كان الكتاتني يصلي الجمعة معنا في الحجز بمقر مديرية أمن 6 أكتوبر رهن اﻻعتقال، وتعرّض البرادعي وأبو الغار لهجوم اﻷمن على المظاهرة فلم يكملوا السير، وأكمل الشباب الطريق إلى كوبري الجامعة".
انتهى الاقتباس من رواية عصام العريان، وبقيت في الذاكرة صورةٌ لا تنسى: البرادعي يزور حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان، في ذروة الصخب الثوري بعد خلع مبارك، وتولي المجلس العسكري الحكم، حيث كان في استقباله الكتاتني والعريان.
وقد نشرت بوابة حزب الحرية والعدالة، في السابع عشر من يوليو/تموز 2011 خبر الزيارة وصورتها كالتالي"استقبل الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، والدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام، الدكتور محمد البرادعي، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، مساء اليوم الأحد، بمقرِّ حزب الحرية والعدالة". ورافق البرادعي في زيارته السفيران السابقان، السيد قاسم وعز الدين شكري.
إذا لم يكن كل ما سبق تنسيقاً، فما هو التنسيق إذن؟
يتحدّث البرادعي بأسىً عن الفيلين الضخمين اللذين تنازعا مصر بعد الثورة: أجهزة دولة مبارك العسكرية الأمنية والإخوان المسلمين، لكن الغريب أن الرجل سعى، في مرحلتين مختلفتين، للتنسيق مع الفيلين اللذين يرى فيهما مصدر الخطر على الثورة. هل كان يتصور أنه يستطيع اصطياد الفيلين، وحبسهما في منديله؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق