بأي لغة نتعلم الطب
بقلم البروفيسور / زهير بن أحمد السباعي
سكان فنلندا لا يكاد يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة،
لغتهم محدودة الانتشار لا يكاد يتحدثها بها أحد غيرهم.
ومع هذا فهم يتعلمون علومهم بها بدءا من الروضة وانتهاء بالتعليم العالي
بما في ذلك الطب والعلوم الطبية.
ألا يحز في نفسك كما يحز في نفسي ويصيبك القهر كما يصبني
عندما ترى أننا أمة يربو عددنا على 350 مليون عربي ولغتنا أثرى
لغة عرفتها البسيطة وما زلنا نتعلم الطب في كلياتنا بلغات أجنبية..
باللغة الإنجليزية في المشرق العربي، وبالفرنسية في مغربه
وبالإيطالية في الصومال. لا أعرف يقينا ما المبرر.
إلا ما سبق أن قاله ابن الخلدون :
« إن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه ».
وما قاله ابن حزم :
« إن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها
ودخول غيرهم في مساكنهم ».
طالب الطب في فنلندا يدرس جميع علومه باللغة الفنلندية
وفي الوقت نفسه يبدأ في دراسة اللغة الإنجليزية في سن العاشرة
ولا يتخرج من جامعته إلا وقد أجادها وربما أجاد لغة أخرى إلى جانبها.
قد تسألني ماذا يفعل طالب الطب في فنلندا حيال التعابير الطبية.
أجيبك بأنه يقرأها في أصلها اللاتيني أو غيره من أصول التعابير العلمية،
حيث توضع بين قوسين.
ولكن لا يذهب بك الخيال بعيدا فتظن أن التعابير الطبية غالبة في كتب الطب
فهي إذا استثنينا التكرار- لا تزيد نسبتها عن 3.8 % من مجموع الكلمات
في أي مرجع طبي.
ترى لماذا تتعلم كل أمة متحضرة الطب بلغتها إلا نحن.
هذا ما يفعله السويديون والدنمركيون والنرويجيون والهولنديون
واليونانيون.. حتى دويلة إسرائيل أحيت لغتها العبرية من العدم
وأصبحت تدرس بها كل العلوم في جامعاتها
طلبة الطب في كل هذه الدول يتقنون لغة أجنبية أو أكثر.
علينا أن نفرق بين أمرين أن نتعلم لغة أجنبية وأن نتعلم بلغة أجنبية.
يجب على شبابنا أن يتعلموا بل يتقنوا لغة أجنبية أو أكثر حتى يستطيعوا
التواصل مع العالم الخارجي.
أما أن نعلمهم الطب وغيره من العلوم بلغة أجنبية فأمر أقل ما يقال فيه
أننا لن نتقن العلم بلغة أجنبية كما لو تعلمناه بلغتنا الأم. وإذا كانت اللغات
الفنلندية والسويدية والنرويجية والعبرية قادرة على استيعاب العلوم الطبية
وغيرها من العلوم فمن باب أولى أن تكون لغتنا العربية الجميلة قادرة
على ذلك وهي أثرى من كل هذه اللغات مجتمعة.
البعض منا لا يفتأ يردد « هؤلاء غير».
يريد بذلك أن يقول هؤلاء متقدمون ونحن متخلفون.
بالله عليك كيف نتقدم إذا لم نعن بلغتنا ونتعلم بها ونطور مفرداتها العلمية
لنواكب بها العصر وإذا كان طلاب الطب في هذه الأمم قادرين على
تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها، فهل يعجز طلابنا عن ذلك.
شيء آخر .. التعليم الطبي الحديث يعتمد على الحوار أكثر
مما يعتمد على المحاضرات .. ولن يستطيع إنسان أن يحاور ويناقش بلغة
أفضل من لغته الأم. أما البعض الآخر فيضرب لك مثلا باليابان
وكيف أن المطابع تخرج في كل يوم تراجم لما يجد من بحوث طبية.
القصور كما تعلم وأعلم ليس في المطابع وإنما فينا.
في عدم تشجيعنا للتأليف باللغة العربية والترجمة إليها..
رحم الله عصرا كانت الكتب المترجمة إلى العربية من لغات اليونان
والهند وفارس يكال لأصحابها وزنها ذهبا.
هذا عصر مضى فهل له عودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق