الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

السياب في ذكراه الأربعين عاشق حيا وميتا

السياب في ذكراه الأربعين عاشق حيا وميتا


مرت يوم أمس الذكرى الأربعون لوفاة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي رحل حزينا.

السياب الذي ذبل في زمن كان فيه الشاعر -وما زال- يحترق وحده مع آلامه وآماله، يمرض وحيدا ويموت وحيدا ويدفن وحيدا، دون أن يربت أحد على كتفه أو يقول له وداعا.. كل شيء تنكر للسياب إلا قصائده.

ولد بدر شاكر السياب في قرية جيكور جنوبي العراق عام 1926، وتوفيت والدته وهو في السادسة من العمر. تخرج عام 1948 في دار المعلمين ببغداد وبدأ حياته الأدبية من مقهى الزهاوي، ونشرت أولى قصائده في جريدة الاتحاد.

مقولة الشاعر الناقد الإنجليزي الكبير ت.س. أليوت إن "الشاعر العظيم يزعج قارئيه أكثر مما يهجيهم"، تمثل طرحا نقديا صادقا إذ إن الكثير من النقاد يعتبرون الشعر مأساة أمة يحملها شاعر.

لقد حفر السياب قبره بنفسه معتبرا أن اللحد أوسع من ذلك الشبر الذي يوضع فيه كل واحد منا عندما ينتهي عمره، بل إن الموت عنده بداية التكوين، والغاية عنده هي أن نجد المبرر للحياة لا للموت. وهكذا نجده يعالج ثنائية العلة والمعلول, المطر والحزن, الأمل واليأس, الحب والبغض وأشياء أخرى.

رغم أن شاعرنا كتب عنه ما يزيد عن 400 كتاب وبحث بالعربية والإنجليزية والفرنسية والصربية إلى جانب 37 عنوانا من أعماله شعرا ونثرا وترجمة، إضافة إلى 55 كتابا ومرجعا يتعلق بشعره, فإنها لم تسجل بعد صورة السياب كشاعر مأساوي رحل مع العوز والفقر والمرض والاحتراق السياسي دون أن ندرك سر مأساته الحقيقية سوى حبه لجيكور تلك العامرة بالنخيل التي تظلل السهول النائمة وتردد فيها الحمائم ألحانها.

القصيدة الحرة التي كان السياب من أوائل من كتبها بدأت تتشكل في عقله كالجنين، لكن حمله بها كان طويلا ومخاضه كان صعبا.

 فقد كانت الحرية هي المفقودة في عقوده تلك, وكانت العربية تبحث عن المتنبي، والقوافي تبحث عمن يرد لها وزنها.

أدرك السياب أن الأرض بدلت غير الأرض إلا أنه وجد ضالته في التحرر وإلغاء القيود على الأقل فيما يملك من شعر، لكنه تمسك بشيء من احترام عمود الخليل بن أحمد الفراهيدي.

بدأ السياب حزينا وانتهى بائسا، تنقل بين بيروت وباريس ولندن من أجل العلاج من مرض السل، ورحل يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 1964 تاركا خلفه إرثا شعريا كبيرا.

عاشق على سرير الموت

تمسك شاعرنا الراحل بالحب وهو على سرير الرحيل والألم.4 يقول صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي إنه كان في حالة حب دائمة.

ويسرد السبتي قصة السياب مع فتاة لبنانية كانت تعالجه في بيروت وتعطف عليه حيث اعتبر تلك الشفقة من قبلها حبا، فهل هو قوة أم ضعف أن يعشق الشاعر المسافر الذي حفر قبره بقلمه وورقه؟

يضيف السبتي "لقد أخبرت بدرا وهو راقد في المستشفى الأميري بأنني ذاهب إلى بيروت لفترة قصيرة، فطلب مني أن أمر على المستشفى اللبناني وأسلّم له على ليلى الممرضة التي يحبّها وتحبّه".

لقد كان زميل الشاعر من الأشخاص القليلين الذين وقفوا معه لدرجة أنه أقنع الممرضة ليلى بالكتابة إلى الشاعر المريض بها وبالوجود رغم الحرج الذي تملكها من طلب السبتي الذي احتج لها بأن هذا ربما ينفعه كثيرا ويساعده على استرجاع أنفاسه.

في لحظة اللقاء الأولى معه, يقول الشاعر علي السبتي "سألني بدر: هل قابلت ليلى؟ ما أخبارها؟ ضحكت ثم قلت له وأنا أمد له رأسي, هذه قبلتي أولا لك بمناسبة عودتي من لبنان, وهذه قبلة ثانية طلبت مني ليلى أن أطبعها على جبينك.

فرح السياب كثيرا بهذا الكلام وارتسمت على وجهه ابتسامات عريضة غطت وجهه, وطلب من زميله ورقة كتب عليها على الفور قصيدة عمودية مطوّلة عنوانها "ليلى"، وهي من أجمل قصائده الغزلية. منها هذه الأبيات:

قرِّبْ بعينيك منّي دون إغضاء **وخلِّني أتملَّى طيف أهوائي
أبْصَرْتَها؟ كانت الدنيا تفجّر في** عينيك دنيا شموس ذات آلاء
أبْصَرْت ليلى فلُبْنان الشموخُ على**عينيك يضحك أزهارا لأضواء
إني سألثمها في بؤبؤيك كَمَنْ** يُقبِّلْ القمرَ الفضيّ في الماء
ليلى هواي الذي راح الزمانُ به** وكاد يفلتُ من كفّيَّ بالداءِ
حنانها كحنان الأم دثّرني**  فأذهب الداء عن قلبي وأعضائي


مات شاعرنا لكنه بقي رمزا من رموز الشعر العربي ففتح طريقا كبيرا لكائن أدبي سمي بعده القصيدة الحرة، مزج في معانيها بين ثنائيات وجودية ومثل أفلاطونية وواقع معرفي تجريبي.

المصدر:الجزيرة

متعلقات



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق