الأحد، 29 ديسمبر 2013

مصـر والعنف بعد الانسداد السياسي

مصـر والعنف بعد الانسداد السياسي
ياسر الزعاترة

يُعدّ جون كيري، وزير الخارجية الأميركي من أكثر رموز الإدارة حماسة للانقلاب في مصر، ربما لأنه يريد من خلال ذلك إرضاء نتنياهو على أمل أن يسهّل مهمته التفاوضية في الملف الفلسطيني، وربما لأنه مقتنع بما يفعل، لكن الرجل لم يملك إلا أن يندد بقرار الحكومة المصرية إعلان جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، بكل ما يترتب على هذا التصنيف من تبعات.
كيري ليس مستجدا في ميدان السياسة مثل السيسي، وليس لديه ثأر يعميه عن رؤية الحقيقة، فهو رجل مجرّب، ويعلم تماما التبعات التي يمكن أن تترتب على قرار من ذلك النوع، وتكفيه كتجربة تلك المطاردة التي قامت بها أميركا للإرهاب التي استمرت ما يقرب من عقدين، وانتهت على النحو الذي تابعه الجميع؛ ورطات وهزائم خير دليل على ذلك.
 ولو كان أمثال كيري في الحكم، أو حتى أمثال أوباما حين وقعت هجمات سبتمبر، لما تصرفوا كما فعل بوش الذي انساق خلف المحافظين الجدد الذي كانت عيونهم مصوبة على مصلحة الدولة الصهيونية قبل أي شيء آخر.
كان تشاك هاجل، وزير الدفاع الأميركي قد اتصل أيضا بعبد الفتاح السيسي قبل أيام معترضا على اتهام مرسي بالتخابر مع حماس، ليس حرصا على مرسي ولا على حماس، فقد كان موقفهم لصالح الانقلاب بالكامل، وذهب كيري إلى القاهرة قبل يوم من محاكمته، لكن هاجل كان يتحدث من منطلق الحرص على الانقلاب الذي يبدي رموزه قدرا هائلا من التصرفات التي تضر بمصر وهو ما أوضحه هاجل بحديثه عن المستقبل والاستقرار، في ذات الوقت الذي اعترف فيه بأنه اتصل مع السيسي 30 مرة منذ الانقلاب، وبالطبع لتنسيق الخطوات وتقديم النصح، بل إن وزارة الدفاع قد طلبت من الكيان الصهيوني أن يضغط على الكونغرس من أجل إنهاء تجميد جزء من المعونة العسكرية لمصر، كما كشفت صحيفة معاريف قبل أيام.
ما فعله الانقلابيون هو المستوى الأعلى من الشطط السياسي الذي قارفوه منذ الانقلاب، ذلك أن تصنيف أكبر حزب سياسي فاز في الانتخابات وكان في الحكم على أنه تنظيم إرهابي لا يمكن أن يكون منطقيا بحال من الأحوال، ولن يقنع الناس (الذين انتخبوه على الأقل)، فضلا عن الآخرين الذين يعلمون أنه لا يمت إلى الإرهاب بصلة، فضلا عن أن عملية الإخراج كانت بالغة البؤس، إذ جاءت على خلفية تفجير اعترف منفذوه به، وهم تنظيم لهم نشاط سابق وتعرفهم السلطات الأمنية.
ليست هذه هي المشكلة، فما يفعله الانقلابيون كله منذ 3 يوليو لا يمت إلى المنطق بصلة، لكن الأمر هنا لا يتعلق بالسمعة ولا بالإخراج، بل يتعلق بالتبعات التي ستترتب على قرار من هذا النوع؛ يحشر جماعة سياسية هي الأكبر في البلاد في سياق إرهابي، ويتعامل مع أعضائها على هذا النحو.
إنه يعني بكل بساطة حشر البلاد في حالة انسداد سياسي، ودفع الكثير من أعضاء الجماعة إلى العمل السري والعنف تبعا لذلك، تماما كما حصل مع الجماعة الإسلامية (في مصر أيضا) خلال الثمانينيات، والتي كانت تشتغل بالدعوة والعمل الاجتماعي، فتمت مطاردتها وصولا إلى دفعها دفعا نحو العنف.
وإذا كانت قيادة الجماعة سترفض اللجوء إلى العنف بأي حال، تبعا للخبرة والتجربة، فمن سيقنع عشرات الآلاف من الشبان بأن عليهم أن يقضوا أعمارهم في السجون مقابل مظاهرة؛ مجرد مظاهرة، ومن يقنعهم بأن هؤلاء الذين قتلوا إخوانهم ويكفرونهم ويشيطنونهم ليل نهار لا يستحقون القتال المشروع والحاسم.
في زمن التفجير والتفخيخ، يمكن لأية مجموعة أن تمارس العنف، بمجرد توافر قدر بسيط من الحاضنة الشعبية، وفي الأرياف، وكثير من المدن أناس لديهم القابلية لمنح تلك الحاضنة في مواجهة سلطة تقتل وتشيطن بلا حساب ولا ضمير.
المصيبة أن لجوء بعض الإخوان إلى العنف الحقيقي، وليس الكاذب الذي يجري تلفيقه لهم، سيعني إدخال البلد في مزيد من العسكرة، وشطب كل مساحات الحرية، وهو الأمر المتوقع بالمناسبة حتى لو لم تتخذ الخطوة الأخيرة، لأن مجرد استهداف أكبر تنظيم سياسي في البلاد، لا يمكن أن يتم من دون تحويل البلد برمتها إلى مركز بوليس.
بقي القول، إن الجماعات السياسية والدينية في كل الدنيا لا تأخذ قوتها وحضورها في الشارع صدقة من الأنظمة، بل تنتزع ذلك بأيديها وأسنانها، ولو ترك الأمر للأنظمة لما أبقت لها معارضة أبدا، وحركة لها مثل هذه الجذور الاجتماعية والسياسية والدينية، وحازت على ثقة ما يقرب من نصف الشعب لا تحتاج إذنا من الانقلابيين لكي تبقى في الساحة، لكنهم قوم لا يفقهون ولا يعقلون، ومن ورائهم أنظمة عربية تعيش “متلازمة الإخوان”، ولا تفكر إلا بغرائزها، وغرائزها فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق