الأحد، 29 ديسمبر 2013

من الجماعة المحظورة إلى الجماعة الإرهابية


من الجماعة المحظورة إلى الجماعة الإرهابية

على هوامش الانقلاب في مصر تعشش وتعيش جماعات سياسية وأيديولوجية لا تكتفي بكره ما يسمى الإسلام السياسي، بل تضيف إليه كره الإسلام ذاته، وهي التي طالما طالبت باستهداف التدين بشكل غير مباشر، لأنه الحاضنة التي تفرّخ الإسلام السياسي، وبالتالي الإرهاب برأيهم.
إنهم يتبنون بوضوح نظرية سيئ الذكر زين العابدين بن علي التي سمّاها "تجفيف الينابيع"، وخلاصتها أنك لن تتمكن من محاربة البعوض بشكل جذري دون تجفيف المستنقع، والمستنقع هنا في المحصلة هو التدين الذي يمنح قوى الإسلام السياسي فرصة التجنيد، واستهداف التدين يعني في المحصلة استهداف مظاهره كلها، والنتيجة هي عملية تغريب شامل.
من الصعب القول إن النواة الصلبة للانقلابيين هي من هذا اللون، فهي ابتداءً تتحالف مع حزب إسلامي (النور)، وهي تتحالف مع الأزهر (بالضرورة مع الكنيسة)، لكن حاجتها إلى شيطنة الحالة الإسلامية برمتها يدفعها إلى الاستماع إلى تلك النخب التي تستهدف الإسلام، ومن ثم السماح لها بالتمدد في طول الإعلام وعرضه، وصولا إلى الاستجابة العملية لنصائحها.
ما يريده الانقلابيون واضح وصريح، وهو أن يجري تدجين المجتمع بالكامل على ديمقراطية مشوّهة كتلك التي كانت موجودة أيام حسني مبارك.
ديمقراطية ليس فيها من الديمقراطية غير الاسم، بينما الحقيقة، أنها حكم عسكري شمولي تتحكم فيه نخبة سياسية تتحالف مع رجال الأعمال، في نظام يضيف إلى الشمولية والقمع، فسادا واسع النطاق.
الفارق بين مرحلة حسني مبارك والمرحلة الجديدة هي أن الانقلابيين أقل ثقة بأنفسهم، وهم لذلك لا يريدون أن يسمعوا غير صوتهم، وما جرى لبرنامج باسم يوسف ومنع الإعلام المعارض يؤكد أنهم لن يتحملوا نمط التعددية المجتمعية الذي كان سائدا أيام حسني مبارك، والذي كان يسمح بتعددية في النقابات والإعلام، بينما يكتفي بالسيطرة على المؤسسة التشريعية والتنفيذية والأمنية والعسكرية.
والخلاصة أنهم يريدون دولة شمولية.
ولأن الحالة الإخوانية والإسلامية هي الأكثر نفوذا في المجتمع، فمن الطبيعي أن تتعرض للهجوم الأبرز والأشرس، ولا بأس في السياق من محاصرتها حتى في المساحات التي تتحرك من خلالها، أعني مجالات التدين، وسائر المجالات الأخرى من جامعات ونقابات.
لذلك كله، سيجري إغلاق كل المساحات التي كانت مفتوحة للعمل العام، إن كانت للإخوان أم لسواهم من القوى الأخرى، لأن من يريد مطاردة وسحق أكبر قوة سياسية منظمة في البلاد، لا يمكن إلا أن يأتي على كل مساحات الحرية لهم ولغيرهم من القوى، وهذا بالضبط ما حصل في حالة تونس تحت قيادة زين العابدين بن علي، ذلك الذي أراد محاربة النهضة، فسحق المجتمع برمته.
المصيبة أن التجربة الجديدة التي يخوضها الانقلابيون تأتي بعد ربيع عربي، وبعد أن كسرت المجتمعات العربية حاجز الخوف، ولذلك يعملون على إعادة إرهاب الناس من أجل إعادتهم إلى حالهم القديم. 
وفي هذا السياق تحديدا يأتي إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية بعد مسرحية بائسة وسيئة الإخراج، وإثر تفجير أعلنت جهة معروفة مسؤوليتها عنه، بل في ظل شكوك حول تسهيل للعملية من طرف الأمن.
لا أحد على الإطلاق مقتنع (دعك مما يصرّح به البعض) بأن للإخوان أدنى صلة بتفجير المنصورة، ولا بأية تفجيرات أخرى، فهم يعلنون أن "سلميتهم أقوى من الرصاص"، وأنهم ينددون بالعنف ويرفضونه، بل إن رفضهم للعنف يصل حد الهوس أحيانا، لكن الطرف الآخر يبحث عن أية ذريعة، وليتهم وجدوا ذريعة مقنعة، وفي المحصلة فهم يريدون تثبيت الانقلاب.
ما جرى إلى جانب ذلك باستهداف حوالي 1200 جمعية أهلية إسلامية، يؤكد أن سياسة تجفيف الينابيع تبدو حاضرة في السياق، وكل ذلك على خلفية نصائح من الأطراف التي أشرنا إليها آنفا، من تلك التي تعتقد أن تلك السياسة هي الحل الأمثل.
هي دولة فاشية تتشكل في مصر الآن، وهي كما قلنا منذ شهور دولة أمنية بوليسية لا مكان فيها للحرية ولا للتعددية الحقيقية، ولن يطول الوقت حتى يبدأ المجتمع في إدراك الحقيقة، ومن ثم التجمع من أجل مواجهتها، لاسيَّما أنها ستضيف فشلا إلى فشل على مختلف الصعد.
من جهتها ستبقى جماعة الإخوان موجودة، فالقمع أيا كان مستواه لم يكن في يوم من الأيام قادرا على اجتثاث جماعة تملك مبرر وجودها، ولها جذورها الدينية والاجتماعية، ولها حاضنتها الشعبية أيضا.
هؤلاء انقلابيون لا يعقلون، ومن حولهم نخب رعناء تريد تصفية حسابات سياسية وفكرية، ومن ورائهم أنظمة عربية أكثر رعونة تتلبسها "متلازمة الإخوان"، وتريد أن تجتثهم بأي ثمن، وهي تعتقد أنها بفائض المال الذي تملكه يمكنها تغيير حركة التاريخ في المنطقة.
ربما تطول المعركة بعض الشيء، لكن المؤكد أن الجماعة التي تعرضت لذلك المسلسل الطويل من الاستهداف لن تنتهي، كما أن المجتمع الذي يُراد سحقه من قبل الانقلابيين لن يقبل بالضيم ولن يلبث أن يستجمع قواه ليبدأ رحلة نضال جديدة لنيل حريته
.
أين (بن علي) الآن؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق