الأحد، 29 ديسمبر 2013

بين السيسي الأول والسيسي ما قبل الأخير!


بين السيسي الأول والسيسي ما قبل الأخير!




عبدالرحمن الدويري

لا أحد يقول لنا بعد اليوم أن الصراع الدائر في العالم وفي منطقتنا -خاصة في عالمنا الإسلامي- صراع مدني بحت، قائم على المصالح لا على العقائد، فأصحاب المصالح في القرن الحادي والعشرين، باتوا قادرين على عقد صفقة مصالحهم في ضوء موازين القوى، التي تتوزع الحصص على أساسها، ويرضخ الضعفاء فيها للمقسوم!!لكن المدقق للنظر يرى أن دخول (الإسلاميين) في المعادلة يقلب حسابات هؤلاء، ويلغي كل التوافقات، ويكون الموقف الموحد منهم هو الرفض والإقصاء والطمس والإبعاد ولو أدى ذلك إلى التفكير بالإبادة، بل الشّروع بها فعلا!
تُرى هل السبب في ذلك أن الإسلاميين غيرُ قادرين على الدخول في شراكة المصالح هذه؟! أم لأن الآخرين يشعرون أن منطلقات الإسلاميين العقدية القائمة على العدالة الحقيقة، لا تؤهلم لهذه لصفقة الجائرة، ولا تضمن لهم ديمومة خضوعهم؟!
بكل تأكيد نقول إن المنظومة الفكرية والإخلاقية، والمبادئ والعقائد الوجدانية التي يحملها الإسلامي، تتصادم -في الكلّيات التي تنطلق منها قبل الفرعيات- مع مبادئ الطاغي، التي تضع كل المبادئ الإنسانية تحت القدم، في منطق القوة، وعقلية السيطرة، ولغة السوق، وعقيدة التحرر والانفلات، في دولة الشهوات!
 فكيف إذا كانت هذه المبادئ عند الإسلاميين عقيدة ودين، يتعبدون الله بها، ويتقربون له بالسعي في تطبيقها في حياة الناس وواقع الحياة؟!
كان فرعونُ السيسيُّ القديم طاغيا جبارا، لا يُري الناس إلا ما يري وزمرتُه، ولا يهدي قومَه إلا سبيل الرشاد، لكنه كان أكثر شرفا من فرعون الجديد، حين أظهر مجرد إظهار حرصه على استمزاج الرأي العام، وعدم تجاوزه في خطوته المجنونة:{ذروني أقتل موسى وليدعُ ربَّه}، ولم يزِد في المشهد إلا أن برّر ذلك بإعلان هواجسه الكاذبة من القادم: {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد}!
لم يذكر التاريخ أن السيسي القديم مثلا قد زور الحقائق، ولا دسّ رجاله في صفوف مخالفيه ليختلق المشاكل، ويصنع الفوضى، وينسبها للطرف المجني عليه، لتأليب الرأي العام ضده!
بل لم يخطر بباله أن يقتل أنصاره وحاشيته وجنوده في سبيل تأجيج مشاعرهم، ونفخ روح الشر في نفوسهم، وتفجير براكين الكراهية في بنية دولته الاجتماعية، لاستئصال الفئة التي يظنها تنافسه، وتحظى بشعبية متزايدة، ومصداقية جاذبة تضاعف عدد المقتنعين والمؤيدين لها ضده!
كل ما صنعه السيسي الأول لما فقد القدرة على الإقناع، لكون الأمور منطقيا وقانونيا تميل لصاح منافسه، هو إعلانه حربا جائرة من طرف واحد، وعدوانا صارخا تحت بصر الجميع وسمعه، ساعيا لفرض منطق القوة الغاشمة، على الحق المسالم، حتى قضى الله في أمره، وأراح بلاده وعباده من شره!!
أما فرعون العصر والسيسي الجديد، فقد مارس ويمارس كل ما ترفّع عنه فرعون الأول: فخلق عالما من الكذب والزور والافتراء، ولم يكن هدفه مراعاة الرأي العام، بل صنع هذا الرأي صناعة، فسخر له كل الإمكانات بدعم عربي ودولي، وخطا خطوته المجنونة فسحق (5000) مؤمن في نصف يوم، واعتقل خمسة أضعافهم، ولم يقف عند برنامج السيسي الأول: {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}، بل ضم إليهم النساء والقاصرات والأطفال، ومال على جنوده بالذبح والتفجير؛ لجلب المزيد من المبرارات لطغيانه الغشوم!!
جماعة عمرها 85 عاما لم يُضبط واحد من أعضائها في قضية نصب أو احتيال أو سرقة.. لم يتلوث أيٌّ من عناصرها بما يخدش الشرف، أو يسقط الخُلق أو المروءة.. قاومت الإنجليز في القنال، وقدمت الشهداء على درب الاستقلال.. صنعت وجه مصر المتدين، ودفعت عجلة التنمية وأقامتها على أكتافها.. رعت مئات الألوف من الفقراء والأيتم، وأنشأت المئات من الجميعيات الخيرية.. فازت بنسبة 70% في خمس استحقاقات انتخابية، تصبح بين عشية وضحاها منظمة إرهابية مطلوبة الرأس!!
المعركة باختصار معركة عقيدة ونهج، لا معركة مصالح فقط.. هم يريدون ذبح الإسلام بقناع ذبح الإخوان. 
وقد أراد الكفار يوما ذبح الإسلام بذبح محمد. صلى الله عليه وسلم، فأشاعوا مقتله في معركة أحد، فقال الصحابة: قوموا فموتوا على ما مات عليه!!
الإنقلابيّون اليوم يوسّعون الدائرة، ويحملون الأمة حملا لتقول: ونحن على دين الإخوان. وهذا هو الإبداع الذي يقدمه الإخوان من دمائهم، ودماء أبنائهم قربانا لله، على أمل أن تصحو أمتهم لتسترد ذاتها وتستأنف مشروعها.
نعم المؤامرة والمعركة أكبر من الإخوان. لكنها بالتأكيد ليست أكبر من الله.. ليست أكبر من الأمة، ولا يمكن أن يكون منطق لباطل فوق منطق الحق، وستنتصر الأمة وسينتصر الإخوان لأنهم مع الله ضد الطغيان!
نحن نعلم أن قوى التآمر والتغريب ستجتهد في خلق سيسي لكل مرحلة تقترب فيها الأمة من غاياتها، وستبحث عن بديل لهذا السيسي الغبي، الذي لم يحسن تخريج طغيانه، لكننا على أمل ألا يكون بعده سيسي، وأن يكون السيسي الأخير، لا في مصر وحدها، ولكن في كل الأمة المحمدية المنتظرة، والقادمة اليوم، وتقف على الأعتاب!
A_dooory@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق