الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

حقيقة ما يحدث الآن


حقيقة ما يحدث الآن 

د. محمد عباس

يقول الكاتب الألماني الأشهر "غيته Johann Wolfgang von Goethe" أن من لم يعرف تفاصيل الثلاثة آلاف عام الأخيرة سيظل طول عمره يعيش في العتمة!! 

 وبهذا القول فإن الغالبية العظمى من الكتاب والمثقفين الذين يكتبون للناس كي يعلموهم ويثقفوهم ليسوا سوى عميان يقودون عميانا آخرين، هذا مع افتراض حسن النية، وهو افتراض غبي لا وجود له، ويكفي أن أقول لكم منعطفات قليلة في البداية توضح مدى استحالة أن نبني ناطحة سحاب على بحر من الرمال المتحركة دون أي أساس.
أقول لكم على سبيل المثال أن بريطانيا أشعلت الثورة العربية الكبرى -أو ثورة الخيانة الكبرى- يوم 5 يونية 1916- ولاحظوا التاريخ- ليطلق الشريف حسين الرصاصة الأولي على الحامية التركية في مكة وليكون أبا رغال والمحلل الديوث الذي يغطي تقدم القوات الإنكليزية ومهاجمة دولة الخلافة في الشام.
وانهزمت دولة الخلافة ودخل القائدان الفرنسي والإنكليزي ليضرب الأول قبر صلاح الدين هاتفا: هاقد عدنا يا صلاح الدين وليهتف الآخر: الآن انتهت الحروب الصليبية.
كانوا هم يقرأون التاريخ ويفهمون أن الحروب الصليبية تضع أوزارها وكنا نسبح في بحار العلمانية العفنة والفكر القومي الذي خدعونا به كما خدعوا الشريف حسين.
 فبالفكر القومي تتجمع أشتات اليهود من العالم وتتوافد على أرض الميعاد، وبالفكر القومي يتفتت العالم الإسلامي إلى عشرات القوميات العربية والطورانية والبابلية والكردية والفارسية والبربر والأكراد والزنج و .. و .. و ..
نعود إلى الشريف حسين الذي طالب بثمن الخيانة وتوليته عرش الحجاز والشام، وهنا دفعت بريطانيا بآل سعود وهزم الشريف حسين، ولما أبدى الغضب قدموا له رشوة بتولية أبنائه الثلاثة على سوريا والعراق والأردن، أما هو، فلأنه لم يصمت، فقد أدخلوه مستشفى الأمراض العقلية، فظل فيها حتى مات.
بدا أيامها أن بريطانيا الشفوقة قد اصطنعت إمارة الأردن التي ليس لها مقومات الدولة، وبدا أمام العميان أن بريطانيا حريصة على العدل بين أبناء الشريف حسين. فاختلقت إمارة جديدة. ولم يكن الأمر كذلك.
كانت بريطانيا تعرف -عام 1922- أنها ستنشئ إسرائيل بعد ربع قرن. وكانت تخشى على جنين تلك الدولة التي لم تولد بعد، فاختلقت وابتسرت الأردن كي تكون حاجزا بينها وبين الزخم الديني للسعودية والزخم العسكري للعراق.
انتهى الشريف حسين مجنونا في المستشفى، أما أبناؤه الثلاثة فقد كان لكل منهم نهاية فاجعة، وآخرهم الملك عبدالله جد الملك حسين ملك الأردن السابق، الملك حسين الذي عاد وهو ميت كي يغير من ولي العهد وكي ينقلها من أخيه المتمرد قليلا إلى ابنه المتغرب بالكامل. عاد شبيه له، وكان الملك قد مات بالفعل في مستشفى البحرية الأمريكية.
عام 1935 كتب بن غوريون أن عرب فلسطين سيمثلون مشكلة لليهود بعد إنشاء إسرائيل. وأنه لا توجد دولة لاستيعابهم إلا العراق، التي يجب احتلالها وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام: الشمال الكردي كي يناويء تركيا والجنوب الشيعي كي يناويء الخليج والقسم الأوسط للسنة العرب العراقيين، والذين سيظلون يشكلون تهديدا لإسرائيل، ولذلك ينبغي تهجير عرب فلسطين إلى وسط العراق لخلق حرب طائفية وعرقية بين سنة فلسطين وسنة العراق (كان الانقسام والتقسيم مخططا ومصنوعا بنفس منطق: إحنا شعب وهما شعب .. لينا رب وليهم رب .. وكانت أجهزة المخابرات هي الفاعل في الحالين) ..

*** 

مع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الرأسمالية تتبدّى بأقصى درجات وحشيتها .. ليس ضد أعدائهم فقط .. بل ضد بعضهم البعض،، وقررت أمريكا أن الأب العجوز:"أوروبا" يجب أن يموت وأنها يجب أن ترثه، وفي هذا الإطار تأتي كل الثورات والانقلابات العربية والتركية والإيرانية والهندية؟ الباكستانية، وما حدث في المغرب العربي.

*** 

لننس كل هذا الآن ولنتساءل تساؤلا غريبا هو: هل كان انقلاب (ثورة .. كي لا يتشنج أحد) 23 يوليو ممكنا؟ ولننس الآن أو حتى لننكر أن أبوتها مشكوك فيها .. ولنتناولها كناصريين (والعياذ بالله).

*** 

الثورة التي شبعت موتا ثم يخرجون جدثها المتعفن الآن وسط احتفاء الانقلابيين، في مشهد كريه ومقزز، كزنا المحارم، ومضاجعة الوداع، فالسلطة التي يصدر عنها كل هذا الضجيج والصخب والوله بثورة 23 يوليو أكثر فسادا وأنكى ظلما من ذلك الذي قامت الثورة للقضاء عليه.
نعم .. الاحتفاء الانقلابي بثورة 23 يوليو أشبه بقرصان أو مملوك قتل أستاذه .. وصنع من جمجمته قدحا يشرب فيه الخمر في مخازيه كل مساء .. فلما انقلب عليه غلمانه، وعاداه سادته وتنكر له أقرانه وفقد سطوته وسلطته، لم يجد إلا أستاذه القديم يتمسح في ذكراه ويحتفل بها.

*** 

إذ نتناول ثورة 23 يوليو، علينا أن نحذر من ذئب التفاصيل، وغواية الحكايات، وطوفان الأحداث، فكل ذلك كفيل بإغراقنا، وبحصارنا في أنفاق مسدودة، متناقضة، متضادة، حيث يتشبث كل منا بأن نفقه هو الذي يشكل المجرى الرئيسي لثورة 23 يوليو.
الغرق في التفاصيل قد يكون مغريا، لكنه في نفس الوقت يمنعنا من تكوين نظرة شاملة للأمر، لأي أمر، إذ يمكن أن ينقضي العمر كله ونحن نناقش التفاصيل، دون أن نصل إلى أي نتيجة، أو تصور كلّى.
لكن هذا لا يعني أن نندفع إلى الاختزال المخل، الذي قد ييسر لنا الوصول إلى تصور شامل كلي، وإلى إصدار أحكام قاطعة، تكون في أغلب الأحيان خاطئة.
بين هذا وذاك إذن يجب أن يكون أمرنا، ومن هذا المنطلق، فإننا نستطيع القول بأن ثورة 23 يوليو هي جمال عبدالناصر وأن جمال عبدالناصر هو ثورة 23 يوليو.
 لن ندخل في التفاصيل، لن نهتم على سبيل المثال بما بعد جمال عبدالناصر، لأنه يشكل شيئا آخر، لا يهمنا الآن إن كان مناقضا، أو إن كان استمرارا، لن نهتم أيضا بإيجابيات الثورة ولا بسلبياتها، ولا بهزائمها وانتصاراتها، فقد قتل كل ذلك بحثا، وما من صواب قيل إلا وفيه باطل، وما من باطل قيل إلا وفيه بعض صواب.
لا يدخل في بحثنا هذا إذن قضايا جوهرية، كدور الثورة في التحرر من الإنكليز لصالح أمريكا، أو مسئوليتها عن الاحتلال الإسرائيلى. لن نتحدث عما أحدثته من انقلاب اجتماعي، ولا نحن سنتورط في الغرق في تفاصيل ما إذا كان هذا التحول خيرا أم شرا.
لن نتحدث حتى عن التعذيب، الجريمة التي لا تفوقها جريمة، ولا يمكن غفرانها أو الدفاع عنها. ولا نحن سنتحدث عن برامج التصنيع، والتحديث، وتفجير وعي العرب بهويتهم.
سوف نترك ذلك كله، فلقد تحدث غيرنا فيه، ربما بأفضل مما نستطيع ..
نتركه كله لنسأل سؤالا واحدا:
- هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟! ..
نعم، ذلك هو السؤال الذي لم نتطرق أبدا – فيما أعلم- إليه ..

***

لن نحاسب ثورة 23 يوليو إذن من خلال كل ما نسب إليها من انتصارات وانكسارات، ولا من مظالم وجرائم أو إنصاف وعدل. ولا نحن سنحاسبها عن تحقيق أهدافها، فقد تقصر الأعمار فلا تتسع لأمر جليل.
سوف نحاسبها بمعيار آخر، ولكي نصل إلى هذا المعيار سوف نتعسف فنفترض افتراضات مذهلة، سنفترض على سبيل المثال أن كل ما نسب إلى الثورة من جرائم لم يحدث، ولا أيضا هزيمة 67، وسوف نفترض أيضا تضاعف الإنجازات الإيجابية، وسوف نفترض أكثر من هذا كله أن جمال عبدالناصر لم يمت – أويقتل – عام 1970. وبعد كل هذه الافتراضات سوف يكون من حقنا أن نوجه السؤال:
- هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟! ..
وأعني بالسؤال: هل كان يمكن للثورة، مع كل هذه الافتراضات، أن تحقق الأهداف التي قامت لتحققها؟‍.
سوف نتجنب الأنياب البارزة المتلمظة لذئب التفاصيل مرة أخرى .. وسوف نصل إلى غايتنا مباشرة: هل كان يمكن لثورة 23 يوليو أن تحقق – في إطار رؤيتها النظرية وفلسفتها بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف والتأييد أو العداوة وحتى الإيمان أو الكفر – الانتصار في معركتها تلك، بل هل كان يمكن أن تصل إلى نوع من التعايش المقبول بالحد الأدنى من القوة والكرامة.
لو افترضنا أن مصر كان يمكنها الانتصار على إسرائيل، فهل كان يمكنها الانتصار على أمريكا؟ وعلى الدول الأوروبية مجتمعة؟‍

***

كيف لم يدرك رائد القومية العربية أن القومية كلها فكرة غربية ومنهج صليبي ..
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن زعيما بقامته وتأثيره قد فهم جوهر الصراع بين الحضارات وأدرك أبعاد الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية فاتخذ الإسلام سبيلا ومنهجا وحاديا وهاديا ..
كيف لم يدرك أن الصراع هو ما أنبأنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن الغرب سيحاربنا كافة، وأن علينا أن نتجمع كافة لكي نستطيع مواجهته والانتصار عليه .. كافة .. ليس تحت راية وطنية ولا قومية وإنما تحت راية الإسلام.

***

بدت لي المسألة في غاية الوضوع فرحت أتساءل في ذهول: " كيف لم يرها؟" ..
لم تكفني الكتب فلجأت إلى رفاقه ..
السيد حسين الشافعي، نائب جمال عبدالناصر ورفيقه فاجأني في لقاءات شخصية بإجابة لم أتوقعها أبدا حين قال:
- سوف يثبت التاريخ أن ثورة 23 يولية كانت شتلات الصحوة الإسلامية التي ستنهض لمواجهة الغرب.
والحقيقة أنني لم أقتنع، رغم أني أحب الرجل وأحترمه كثيرا، وهو شديد التدين، وكان أيامها قد جاوز الثمانين، ولم يعد بهرج الدنيا ومغانمها عنده غاية.
سمعت أيضا من السيد أحمد طعيمة وزير الأوقاف السابق- وهو من الضباط الأحرار- والذي يقرر أن تصرفات الأحزاب السياسية مع عبدالناصر هي التي حولته من شخص يترسم خطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى طاغية .. لكنه امتدح إسلامه وإخلاصه كثيرا
استمعت أيضا إلى اللواء جمال ربيع، أحد الضباط الأحرار وزملاء جمال عبدالناصر ..
كان الرجل حادا جدا وهو يدين ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر .. كان الرجل حادا حتى إنه أخرجه من زمرة المؤمنين .. وأخذ يحدثني عن إجرامه. وقلت له:
- ألا تظن أن أحاديث التعذيب في عهده مبالغ فيها؟ .. وأن الخلاف لم يكن بينه وبين الإسلام، وإنما بينه وبين بعض المسلمين؟ ..
وهنا صرخ الرجل:
- قم .. تعال إلى جواري .. ضع يدك على ظهري ..
ووضعت .. وليتنى ما وضعت .. لم تخف ملابسه من على ظهره كله تلك التضاريس المرعبة للندبة الهائلة المتصلة فكأنما افترسه وحش مسعور ..
اقشعر شعر رأسي هولا .. منعت صرخة وكبحت دمعة ودوى في أذني طنين كأنه أنين المعذبين وآهات المكروبين .. ومن خلف الدمعة والصرخة والطنين كان يأتيني صوته:
- هذه آثار التعذيب المتبقية بعد نصف قرن ..
كنا في شقته الفاخرة في جاردن سيتي في العمارة المعروفة بعمارة السعوديين أو عمارة بلمونت.
لم أسأله ولا أحمد طعيمة عن مصدر أموالهما .. فشقة كل واحد منهما على النيل مباشرة تساوي الملايين. أما فيلا حسين الشافعي على النيل بالقرب من قصر السادات ومنزل هيكل فقد كانت تساوي عشرات الملايين.

***

وجهت إلي رفاق عبدالناصر السؤال:
- هل كانت الثورة ممكنة؟
كان السيد حسين الشافعي فخورا بالثورة رغم كل ما حدث مؤكدا أنها غيرت، وستواصل تغيير وجه التاريخ.
كانت إجابة اللواء جمال ربيع حادة باترة أن الثورة كانت نكبة ..
ولقد اتفق معه - لدهشتي وأساي - الوزير أحمد طعيمة رغم اختلافهما حين قال:
- قد بكيت طويلا لأنني شاركت في الثورة التي وصلت بالوطن والأمة والنظام إلى ما صاروا إليه، ليتني ما شاركت فيها، ليتنا ما قمنا بها.

***

- هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟.
أحد الأصدقاء، وهو كاتب كبير، ومفكر بالغ العمق، ووطني من الطراز الأول، ومثقف حقيقي واسع الاطلاع، راح يتساءل أثناء حوارنا حول ثورة 23 يوليو:
- كيف تسأل إن كانت الثورة ممكنة أم غير ممكنة بينما هي قد قامت فعلا، ووجدت على الساحة وكان لها تأثيراتها الكبرى؟.
قلت للصديق:
- دعني كي أوضح نفسي أبدأ بطرفة، إذ يحكى أن شابا ذهب إلى شيخ المسجد ليسأله: يا مولانا: هل تنفع الصلاة بغير وضوء؟ وأجابه الشيخ على الفور: لا يا بني .. لا تنفع أبدا، وهنا فاجأه الشاب: يا مولانا، لقد جربت بنفسي: "بس أنا عملتها ونفعت"!! ..
لقد قام هذا الشاب بكل حركات الصلاة، وربما يكون من حق كل من شاهده أن يقسم أنه صلى، إلا أنه في الواقع لم يصل!! .. كذلك ثورة 23 يوليو، مارست كل طقوس الثورة لكنها في الواقع لم تقم.
دعنا من الرمز المكثف الآن من أن الصلاة لا تصلح دون وضوء، وكذلك الثورة ما كانت لتصلح دون وضوء، ودون مرجعية إسلامية كاملة ومهيمنة، فالأمة لن تحررها إلا الأيدي المتوضئة.
قلت للصديق أن ثورة يوليو 52 قد قامت على خلفية قصور شامل في إدراك التاريخ من ناحية، وواجبات العقيدة من ناحية أخرى.
لم تفطن الثورة إلى قاعدتين أساسيتين لم يكن لقيامها أن يصح بدونهما: أننا كما يقول القرآن أمة واحدة، وأن أعداءنا يقاتلوننا كافة، وأنه يجب علينا أن نقاتلهم كافة. تبنت الثورة فكرة القومية وهي فكرة غربية، يقول جارودي (الإسلام الحي - دار البيروني - بيروت) أنه ليس هناك فكرة مناقضة لعقلية الأمة الإسلامية أكثر منها، وهي فكرة تتناقض مع وحدة الإنسانية التي تعتبر المفتاح الرئيسي للنظرة الإسلامية للعالم. كانت القومية تمزيقا للأمة، وكانت مؤامرة غربية صليبية، وكانت شَركا وقعت فيه الثورة، وطعما ابتلعته، فما نجحت في إرساء الدولة القومية ولا هي سعت إلى وحدة الدولة الإسلامية. بل لقد استبعدت الدين أصلا كمحرك للصراع. وتجاهلت تاريخا طويلا مضمخا بالدم والمعارك.
كان مد العرب الحضاري قد توقف وقوتهم قد استنزفت في الانتصار على الصليبيين والتتار، وكان يمكن أن يكون مصيرنا كمصير الهنود الحمر وأهل استراليا الأصليين (فوحشية استعمار القرن الخامس عشر بالظروف العالمية المحيطة لم تكن كوحشية استعمار القرن العشرين) لولا أن قيّض الله الدولة العثمانية .. الدولة العثمانية التي ابتلعت ثورة 23 يوليو الطعم واعتبرتها رمزا للجمود والتخلف .. وكانت في ذلك متطابقة تطابقا مذهلا مع وجهة نظر أعدائنا .. امتصت الدولة العثمانية الهجمة الشرسة للقوة الغربية المفعمة بالحقد والوحشية والرغبة في الانتقام، بل وحققت الكثير من الانتصارات، وكبحت سرعة الانهيار، وأجلت احتلال بلادنا ثلاثة قرون على الأقل.
لو أن المسألة كانت تنحصر في هزيمة 48 وإسرائيل لكانت مصر بالثورة كافية لهزيمتها .. لكنها كانت حربا شاملة لم تدرك الثورة أبعادها فلم تستعد لها كما يجب.
لم يكن الأمر يتعلق بعام 67 (حيث الهزيمة المذلة المهينة) ولا بعام 48 (حيث الهزيمة الأكثر إذلالا ومهانة) بل كان يتعلق بألف وخمسمائة عام من المواجهة، ظلت لنا فيها السيادة والانتصار ألف عام ثم بدأت الهزائم. ولم تكن 67 و48 إلا امتدادا لما حدث فى31 (عمر المختار) وفي 29 (ضم طاجكستان المسلمة إلى الاتحاد السوفيتى) وفي 25 (ضم جمهورية تركمانستان وجمهورية أوزبكستان إلى الاتحاد السوفيتى) وفي 24 (إلغاء الخلافة) وفي 22 (استشهاد أنور باشا وهزيمة المسلمين في آسيا الوسطى التي احتلها الروس البرابرة) وفي 20 (غورو يغزو دمشق صائحا: ها قد عدنا يا صلاح الدين) .. وفي 17 (وعد بلفور واحتلال القدس وبغداد) وفي 16 (الروس يقتلون 150000 مسلم في قيزغيزيا) وفي 16 (سايكس بيكو)، وفي 1911 (احتلال ليبيا- إيطاليا) وفي 8 (احتلال فاس بالمغرب - فرنسا) وفي 3 (احتلال موريتانيا - فرنسا) وفي 1899 (احتلال الكويت - بريطانيا) وفي 1892 (احتلال مسقط والبحرين - بريطانيا) وفي 1890 (احتلال تركستان الغربية - روسيا) وفي 1882 (أحمد عرابى) وفي 1881 (الفرنسيون يحتلون تونس ويذبحون 60000 جزائرى مسلم) وفي 1878 (احتلال سمرقند وبخارى وطشقند - روسيا) وفي 1878 (احتلال إريتريا - إيطاليا) وفي 1887 أيضا (احتلال البوسنة والهرسك - النمسا .. وولاية بيساربيا - روسيا) وفي 1864 (احتلال القفقاس - روسيا) وفي 1866 (احتلال إمارات الخليج - بريطانيا) وفي 1858 (البحرية الإنكليزية والفرنسية تقصف جدة فتقتل المئات) وفي عام 1840 (فصل الشام عن مصر) وفي عام 1839 (الألمان يطردون العثمانيين من بلجراد) وفي 1839 (احتلال عدن - بريطانيا) وفي 1830 (احتلال الجزائر - فرنسا) وفي 1830 (الجيش الهولندى يذبح 200000 مسلم في إندونيسيا بعد استيلائه على الفليبين) وفي عام 1827 (أوروبا تحطم جيش محمد على في ثلاث ساعات في نافارين) وفي 1827 (انفصال اليونان عن الدولة العثمانية) وفى1820 (احتلال مسقط – بريطانيا) وفى عام 1809 (الأسطول البريطانى يدمر رأس الخيمة) وفي عام 1807 (حملة فريرز على مصر) وفي 1799 (احتلال مصر - فرنسا) وفي عام 1774 (احتلال شبه جزيرة القرم وبحر أزوف والمناطق الشمالية للبحر الأسود ثم سلوفينيا - روسيا) وفي عام 1724 (احتلال مناطق بحر قزوين - روسيا)وفى عام 1699: (انفصال المجر وأوكرانيا وترانسفاليا عن الدولة العثمانية) وفي عام 1687 (انفصال المجر وقبلها مقاطعة كييف) وفي 1683 (تحالف ألمانيا والنمسا وفك الحصار العثمانى على فيينا) وفي عام 1658 (هزيمة آخر ثورة للمسلمين في الأندلس حين أصدر فيليب الثانى أمرا بذبح كل مسلم فوق سن الرابعة عشرة) وفي عام 1569 (صدور فرمان بتحريم الشعائر الإسلامية وتنصير المسلمين) وفي عام 1529 (حرق المسلمين الذين تنصروا بتهمة عدم التنصر الكامل) .. وفي عام 1517 (انتهاء الخلافة العباسية رسميا) وفي عام 1492 (آخر ملوك غرناطة يتركها ذليلا باكيا كالنساء ملكا لم يحافظ عليه كالرجال) و… و… و…

***

لو أدركت ثورة 23 يوليو أن معركتها مع الحضارة الوثنية التي تتستر بالصليب لاختلفت حساباتها ..
لو أدركت أنها مواجهة شاملة بين الإيمان والكفر لاختلف الأمر ..
لو أنها توضأت لقبلت صلاتها .. !!
نعم .. لم تقم ثورة 23 يوليو .. وأي ثورة لا تضع في حسبانها شمول المعركة وهيمنة العقيدة إنما هي صلاة .. لكن بغير وضوء.

***

ارفع اسم عبدالناصر وضع مكانه نموذجا شائها مثل حمدين صَبَاحي ..
أو نموذجا مثل عبدالفتاح السيسي يحاولون صناعة "كارزمية" عبدالناصر فيه .. ليكون الفارق بينهما كالفارق بين البطل والشبيه "الدوبلير" وفي كلٍّ شر.
وستدرك أيضا حتمية الفشل وحتمية الكوارث القادمة على يد الانقلاب.
ستدرك أن السبيل الوحيد للانعتاق هو الإسلام .. وأن الإسلام هو الثورة ..
ودونه انقلابات خائنة يصنعها الصليبيون واليهود ..
وأن ذلك تبدّى أكثر ما تبدّى في الانقلاب الأخير. انقلاب الكنيسة على المسجد .. والأحد على الجمعة .. والنصارى على المسلمين .. وقيام أجهزة مخابرات تتحرك بالريموت كنترول بصناعة فتنة هائلة وتقسيم شعب واغتيال أمة.

***

ما زلنا في البداية .. فانتظرونا!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق