الخميس، 26 ديسمبر 2013

"الإخوان" في صراع الوجود والمواجهة العالمية


"الإخوان"
في صراع الوجود والمواجهة العالمية

ساري عرابي
   كاتب وباحث من فلسطين

ذكرت الحكومة المصرية أنها ستدرس إمكان الإعلان عن حركة «حماس» تنظيمًا إرهابيًا، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه عن اعتبار الإخوان المسلمين، جماعة إرهابية.

ولا تبدو هذه العدوانية المجنونة مستغربة، بالنظر إلى مجمل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الانقلابية ضد حركة حماس وقطاع غزة، بما رافقها من حملة إعلامية متوحشة تحريضية تذهب إلى مدى لم يكن تخيله ممكنًا حتى في أكثر حالات نظام مبارك عدوانًا وتآمرًا على حركة حماس، وأيضًا إذا وضعنا الانقلاب في مصر في سياقه الإقليمي، والعمل الأمريكي على إعادة ترتيب المنطقة، وفرض تسوية بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني، وهذا يتطلب إسقاط حركة حماس، وهي المهمة التي تولاها النظام الانقلابي منذ لحظة اختطاف الرئيس مرسي، وقراءة بيان الانقلاب.

أما الإعلان عن الإخوان كتنظيم إرهابي، فقد جاء متزامنًا مع تفجيرات المنصورة، وبعد تصريحات ساويرس الهستيرية التي هدد فيها بإنزال أتباعه لمواجهة مظاهرات الإخوان المسلمين، وبعد تصريحات لحزب النور اتهم فيها الإخوان بالإرهاب، مع إغلاق مئات المؤسسات الخيرية، وإشاعة الحديث عن حصول عمليات اغتصاب لفتيات الإخوان المعتقلات في سجون الانقلابيين، وإفلات قطعان البلطجية على البيوت والمحلات للترويع والسرقة والنهب والقتل، وأخيرًا تظهر دعوات على صفحة الشؤون المعنوية في الجيش، وصفحات ضباط في الجيش، على الفيسبوك، لتدشين حملة شعبية لإبادة الإخوان وتهجيرهم ووضع اليد على أملاكهم.

كل هذه التطورات، يضعها البعض في سياق تحليلي يرى أن الانقلاب دخل في أزمة مستحكمة مع تصاعد المد الثوري إلى مستويات حرجة غير مسبوقة، على أعتاب الاستفتاء على الدستور الانقلابي، وبين يدي ٢٥ يناير القادم، مع انهيار اقتصادي متسارع، اضطر الانقلابين إلى استخدام وديعة حرب الخليج، كما اضطر رعاتهم الإقليميون (السعودية والإمارات على وجه الخصوص) لتقديم دفعة مساعدات جديدة تبلغ تسعة مليارات دولار، إضافة إلى ما قدمته سابقًا، وذلك كله يجعل مسألة إنهاء الحالة الثورية ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل، ولو أدى ذلك إلى الدخول في حرب أهلية، أو تحويل مصر إلى دولة فاشلة (ويبدو أنها باتت تدخل هذه الحالة بالتدريج).

فالانقلابيون، باعتبارهم بيدقًا في يد الوزارات والمؤسسات الأمنية والعسكرية في أمريكا ودولة العدو الصهيوني، وباعتبارهم يدافعون عن رقابهم بعد ما اقترفوا من جرائم، لن تكون الخشية على حال البلد ومستقبلها رادعًا لهم عن ارتكاب الحماقات والجرائم التي من شأنها أن تدخل البلد إلى هذا النفق المظلم.

ذلك كله مهم، ومحتمل، ولكن في رأيي ثمة ما هو أهم منه، فما يجري الآن لا يقل جرمًا وقبحًا عن الجرائم التي ارتكبتها الإدارة الانقلابية من لحظة الانقلاب الأولى إلى اليوم، بل إن ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين لم تتعرض له أي جماعة صنفت كإرهابية، ولا حتى القاعدة.

فهذه الجماعة قتل منها الآلاف من الأبرياء العزل في ساعات محدودة في نهار واحد أمام العالم كله، وهذه الجماعة التي حلت وحظرت ونهبت ممتلكاتها، حرق مساجينها في سيارة الترحيلات، وهو أنموذج مصغر عن الهولوكوست النازية، وهذه الجماعة يعتقل رجالها وشيوخها ونساؤها وأطفالها والعجزة من منتسبيها لمجرد الانتماء لها أو رفع شارة رابعة، وهذه الجماعة حرقت كل مقراتها، وسحل أبناؤها، وجرفت جثثهم، واعتدي على بيوتهم وممتلكاتهم ومحلاتهم، واعتبروا شعبًا آخر تجوز عليه كل أشكال الإقصاء المتخيلة، أي اعتبروا شعبًا دخيلاً أو محتلاً وجب نفيه عن البلد، وتطهير جغرافيا البلد منهم، وهذا لا يقل سوء وخطرًا عن إعلانهم جماعة إرهابيًا وهو ما يعني تطهير تاريخ البلد منهم!

هذا المسار كله يعني أن ما يمرَ به الانقلاب من انتفاش بالطغيان الآن لم يكن رد فعل وحسب على تصاعد الحراك الثوري، أو بسبب أزمته في عجزه عن تسيير البلد ووقف الحراك الثوري، وليس لأجل ضمان إمكان إجراء الاستفتاء الانقلابي، وردع الثوار عن مزيد من التصعيد في شهر يناير القادم، وإنما هو نتيجة يسعى لها الانقلاب منذ البداية، أي إلغاء وجود الإخوان المسلمين، وإخراجهم من الجغرافيا، وإعادة كتابة تاريخهم في التأسيس لمرحلة جديدة في المنطقة، هو الهدف الذي يسعى إليه الانقلاب منذ البداية.

يمكن ملاحظة مجموعة من التصريحات والأحداث التي تثبت ذلك في حال ربطها ببعضها:

أولاً: طالب عبد الفتاح السيسي في السادس والعشرين من شهر يوليو الماضي، أي بعد ثلاثة وعشرين يومًا من إعلان الانقلاب، تفويضًا من الشعب للقضاء على "الإرهاب المحتمل"، وهو ما فهم في حينه تفويضًا للقضاء على الإخوان، وإذن كان التصنيف للإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، مبكرًا جدًا، ومنبئًا عن السياق الدولي والإقليمي الذي وُضع فيه الانقلاب المصري، ويمكن اعتبار خطاب طلب التفويض، هو الإعلان الرسمي الأول عن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

ثانيًا: كشفت وثائق ويكيليكس، عن تحريض إماراتي للغرب على حركة حماس منذ فوزها في الانتخابات التشريعية في العام ٢٠٠٦، وكما بينت هذه الوثائق، فإن أمراء كل من أبو ظبي ودبي، استغلوا فوز حركة حماس للتحريض على الإخوان عمومًا، وكان من أبرز ما جاء في هذا السياق حديث محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي عن عملهم، أي الإماراتيين، على القضاء على وجود الإخوان نهائيًا، ومعلوم أن دولة الإمارات تبنت المؤامرة الانقلابية بشكل مكشوف منذ فوز الدكتور محمد مرسي، ولم تكن تخف لا عداءها للتجربة الجديدة، ولا تآمرها عليها، وتخطيطها وتمويلها للفوضى وعمليات الإفشال التي رافقت حكم الدكتور مرسي.

ثالثًا: في اللحظات التي كان يقرأ فيها عبد الفتاح السيسي بيانه الانقلابي، كانت قواته تهدم الأنفاق بين غزة وسيناء، هدمًا شاملاً وتامًا وغير مسبوق، مع دعوات معلنة في فضائيات الانقلاب لاجتياح قطاع غزة، وانتشار مخططات عن تعاون جهات متعددة منها النظام الانقلابي في مصر لإسقاط حركة حماس، وبالتأكيد رافق ذلك واستمر إغلاق معبر رفح، الممر الوحيد بين قطاع غزة والعالم، ومنذ تلك اللحظة وإلى الآن والتحريض على حركة حماس مستمر، والذي بلغ الآن حد التجهيز النهائي بتبني شبه رسمي للأباطيل الإعلامية والأمنية التي تقحم حماس في الشأن المصري، وذلك لأجل ضرب الحركة، ودفع الفاتورة المطلوبة إقليميًا ودوليًا من الانقلابيين.

رابعًا: يأتي ذلك كله، محمولاً على هجمة ارتداية تقودها أمريكا، وأدواتها في المنطقة، وتحديدًا العدو الصهيوني، وأنظمة خليجية وغير خليجية، لتحقيق ثلاثة أهداف مركزية:

ـــ القضاء على الصعود الإسلامي «السني»، بتجلياته المختلفة، في بلاد الثورات العربية، ولتحقيق هذا الهدف جرت مراجعة الموقف من الثورة السورية، باحتواء هذه الثورة وحصارها، والتعاون مع بشار الأسد وحلفائه الشيعة، لمحاصرة هذا الصعود، ومحاربة من يسميهم نصر الله "التكفيريين"، وتسميهم أمريكا "الإرهابيين"..

وبطبيعة الحال ثمة خلافات في آليات تحقيق هذا الهدف، تتعلق أساسًا بمخاوف السعودية من التقارب الأمريكي الإيراني، لكن مخاوف السعودية ليست ذات شأن كبير بالنسبة لأمريكا، طالما أن السعودية لا تتحرك من موقع المتحرر من الهيمنة الأمريكية المطلقة.

ـــ فرض تسوية على الفلسطينيين، وهذا تطلب إسقاط الإخوان في مصر، وإضعاف سوريا وابتزازها، وتغيير وجهة حزب الله أو حصاره من خلال تغيير السياسات والتحالفات الإقليمية، وإسقاط حركة حماس، وربما يمكن القول إن من أهداف التقارب مع إيران، إثارة هذا الفزع العربي لدفعه لمزيد من التعاون مع العدو الصهيوني، وتمرير مخططات هذا العدو على حساب فلسطين، والمسجد الأقصى، والمنطقة كلها.

ـــ إعادة ترتيب المنطقة، بما يتناسب مع اللحظة الأمريكية الراهنة، التي تبدو فيها أمريكا أكثر ضعفًا من ذي قبل، في الوقت الذي تتجه فيه لمواجهة التحدي الصيني، وهذا يتطلب تغيير السياسات الأمريكية في المنطقة، وبالتالي إعادة ترتيبها وفق هذه السياسات، بما يصفي القضية الفلسطينية، أو يحول دون انفجارها، ويمنع أي صعود إسلامي من شأنه أن يشكل تحديًا مستقبليًا على حساب النفوذ الأمريكي، وبناء تحالفات جديدة مع قوى مقتدرة ذات نفوذ يمكنها أن تشرف من موقع الشرطي الإقليمي على استقرار الإقليم، ويبدو أن إيران تقع في قلب هذا التصور الأمريكي.

ولا يبدو ما يجري في تركيا بعيدًا عن السيناريو الإقليمي الذي وضعه رأس النظام الدولي، فبالرغم من كل التنازلات التي قدمها أردوغان، فمن الواضح أن النظام الدولي وعالمه السفلي، غير قادرين على استيعاب هذا الرجل في هذه اللحظة التي لا يُظهر فيها إرادة على مسايرتهم في مؤامرتهم الإقليمية.

وبهذا يتضح أن القضاء على الإسلاميين هدف مشترك لقوى مختلفة بل ومتصارعة، فالإعلان عن الإخوان جماعة إرهابية، نتيجة لمخطط دولي-إقليمي واسع ونتيجة لالتقاء مصالح قوى متعددة، ليس للانقلابيين منه إلا التنفيذ، سوى خشيتهم الذاتية على مصائرهم، إضافة للحقد والحسد والشوفينية البغيضة الذي افترس قوى سياسية وأيديولوجية يسارية وليبرالية على السواء، وجدت في العسكر، بيادق أمريكا و"إسرائيل"، ما يستجيب لأهوائها الفاشية المريضة.

إن ما يجري في مصر الآن، يمكن توصيفه بأنه صراع وجود، وهو صراع لا ينبغي أن يعني الإخوان أو الإسلاميين وحدهم، بل هو صراع متعلق بمستقبل هذه المنطقة كلها، وهو صراع في جانب منه يكشف أن القوى الاستعمارية وأدواتها الإقليمية، وتلك القوى صاحبة المشروع الخاص، تلحظ الصعود الإسلامي في المنطقة العربية، والتحولات العميقة التي تضرب في عمق المشرق العربي، وهي ولأجل هذا تقود هذه الحرب الاستباقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق