بعد محرقة غزة:ويل للعرب من (ذلٍ) قد اقترب!
بقلم : د.عبدالله هلال
الصمود الأسطوري في غزة يتواصل، وقافلة الشهداء والمصابين تتزايد كل يوم.. والعدو الصهيوني المجرم يواصل سياسة سفك الدماء مستخدما كل أدوات الحرب الجهنمية سعيا إلى إصابة الفلسطينيين الأبطال باليأس والتسليم بالأمر الواقع.
ولا ندري لماذا أصيب الحكام العرب بالسكتة القلبية؟؛ في المجازر السابقة، كان العرب يجتمعون ذرا للرماد في العيون، وكنا وقتها نقول إن اجتماعهم لن يقدم، بل (سيؤخر)!.. ولكنهم كانوا على الأقل يقولون لشعوبهم إننا على علم بما يحدث حولنا!. كانت الحكومات تستغفل الشعوب العربية، ولكنها لم تكن لتستغفل العالم المتحضر اليقظ.
وعندما جاء الربيع العربي، واستيقظت الشعوب وبدأت تدرك عمق العمالة والخيانة والتبعية، فضل الحكام الصمت ولم يجدوا شيئا يقولونه، فلم يفكروا حتى في الاجتماع الصوري المعتاد.
لقد كانت- ولا تزال- فضيحة العرب بجلاجل.. إذ بدأ العدو محرقة غزة في وقت خال من الأحداث التي تشد انتباه الرأي العام، وكثير من شعوب العالم في إجازة الصيف، أي أن أغلب الناس في العالم كله يتفرجون مجانا على العجز والوهن العربي.
بدأت المحرقة وما صاحبها من مجازر وحشية يشيب لهولها الولدان واستمرت لأسابيع، والحكومات العربية في عالم آخر: صم، بكم، عمي.. ولسان حالهم يقول للعدو: هذه مهلة كافية لتنجز مهمتك وتخلصنا من المقاومة المشاغبة التي تحرجنا أمام شعوبنا!.
عندما هز العرب طولهم واجتمعوا في المحرقة السابقة؛ ضحك المتابعون للأحداث العربية، العارفون بالمستوى السياسي العربي، وقالوا لأنفسهم لماذا يجتمع هؤلاء السذج ليؤكدوا على عجزهم وهوانهم؟، أليس من الأفضل ألا يجتمعوا ويلفتوا الأنظار إليهم على قاعدة (إذا بُليتم فاستتروا)؟.. ويبدو أنهم بدأوا يفهمون هذا الكلام، فانصرفوا عن الاجتماعات الهزلية، ولكنهم في المقابل دفنوا أنفسهم تحت الرمال!.
ظن غير الخبراء بـ (الحالة العربية) أن هناك في الوطن العربي (أحياء)، وترقبوا رد فعل عالم عربي ممتد يتكون من 22 دولة لها 22 جيش مدجج بالأسلحة، وتمتلك أغلب مصادر الطاقة العالمية، وتسيطر على عنق زجاجة العالم من ممرات ومضايق، وتخطب ودها الدول المنتجة بسبب عجزها الإنتاجي وإسرافها الاستهلاكي.. وظنوا أن العرب سوف يؤدبون الكيان الصهيوني وحلفاءه بشيء من الأوراق الكثيرة التي بحوزتهم، وانتظر العالم وانتظر، ليفاجأ بالخيبة العربية الرسمية التي تفضح العرب في كل مكان بالعالم، ولم يتحرج منها أو يخجل أي من (المتحكمين فيهم)!.. حيث فضلوا الصمت وادعاء العمى والصمم.
لم يستطع ممثلو النظام الرسمي العربي أن يتوصلوا إلى أي قرار أو تصرف رجولي أو مشرف، فالعاجز له العذر، وليس على المريض حرج. وبدلا من الاعتراف بالعجز وترك الأمر للشعوب العربية لتختار من يستطيعون اتخاذ قرار مصيري يتوقف عليه مستقبلهم، واصلوا عملية خداع شعوبهم بالمبادرات الخائبة التي تخدم العدو وتضاعف معاناة أهل غزة!.
وتم إثبات العجز باللجوء إلى العدو نفسه من خلال أمريكا!. وهذه بلا شك أكبر فضيحة عربية في العصر الحديث، إذ كيف نستجير من الكيان الصهيوني بالحلف الصهيوأمريكي؟. ألا يعلم العرب مسبقا أن أمريكا صهيونية وتعادينا مثل الصهاينة؟، وأنها ضدهم على طول الخط، وأنها لم ولن تنصفهم يوما، وأن كل قراراتها فيما يخص القضية الفلسطينية كانت ضدهم؟.
ما هو وزن العرب في الميزان الدولي لكي يلجؤوا إلى قوى دولية؟.. لو كان للعرب وزن لاحترمهم العالم ووقف في صفهم.
لو تجرأ العرب وهددوا بأي شيء- وإن صَغـُر- إن لم يوقف العدو جرائمه التي أثارت شعوب العالم كله (عدا أغلب العرب!) لأسرع المتحكمون في النظام الدولي بالاستماع إليهم.
ألم نقل مئة مرة (إن الانحناء يغري بالامتطاء)؟!. ولكي نوضح هذه النقطة الهامة فلننظر إلى تعامل النظام الدولي مع كل من إيران وكوريا الشمالية، مقارنة بالتعامل مع العرب..
ألم نقل مئة مرة (إن الانحناء يغري بالامتطاء)؟!. ولكي نوضح هذه النقطة الهامة فلننظر إلى تعامل النظام الدولي مع كل من إيران وكوريا الشمالية، مقارنة بالتعامل مع العرب..
ففي الحالة الأولى نجد التردد في اتخاذ إجراءات عقابية، بل وتشجيع كل من إيران وكوريا الشمالية (بالحوافز)،
وفي الحالة العربية نجد الحصار، والبند السابع، والحروب (الدولية) التي تشترك فيها عشرات الدول، وتجاهل الأمم المتحدة. لماذا يتناسى العرب تاريخ القوى الغربية معهم ولم تمض على حرب لبنان بضع سنوات عندما ترك مجلس الظلم الدولي العدو الصهيوني يُهلك الحرث والنسل (كما يفعل في غزة) ولم يصدر قرار وقف إطلاق النار إلا عندما احتاج العدو هذا القرار؟.
هل يظن العرب أن (التسول السياسي) واستجداء وقف إطلاق النار يمكن أن يجعل أحد في العالم يحترمهم أو يستمع إليهم؟.. وماذا تفعلون أيها المساكين، وماذا تقولون لشعوبكم، بعدما نجحت أمريكا والغرب (مرارا) في منع مجلس الظلم من إصدار قرار بوقف المحرقة؟..
هل يظن العرب أن (التسول السياسي) واستجداء وقف إطلاق النار يمكن أن يجعل أحد في العالم يحترمهم أو يستمع إليهم؟.. وماذا تفعلون أيها المساكين، وماذا تقولون لشعوبكم، بعدما نجحت أمريكا والغرب (مرارا) في منع مجلس الظلم من إصدار قرار بوقف المحرقة؟..
فالقرار الخائب الوحيد الذي يلح عليه العرب المغاوير هو وقف إطلاق النار مع المساواة بين القاتل والضحايا، ورغم ذلك يرفضه العدو كما فعل كثيرا من قبل.
لقد عرف العالم كله "الحالة المَرَضيّة العربية"، ولم يعد أحد يستمع إلينا، أو يحترمنا.. لأنهم وجدوا أن صفع العرب على قفاهم لا يؤدى إلى الغضب، بل ويؤدي إلى مزيد من الخضوع.
ولقد أظهرت الاتصالات السياسية الأخيرة التي بدأها قادة الغرْب مجاملة للعدو، أن العرَب مستعدون لقبول (أي شيء) مهما كان مهينا. فلم يرفض أحد من العرب افتراءات قادة الدول الغربية من أن المقاومة الصامدة الباسلة هي المسئولة عن المحرقة، ولم يحتجّ أحد على المطالبة بوقف تهريب الأسلحة (الدفاعية) مع إمداد العدو بالأسلحة الهجومية الفتاكة، ولم يخجلوا من الإعلان عن أن جل اهتمامهم هو الادعاء بالسعي لتوصيل المساعدات للمحاصرين وليس وقف المجازر وإنهاء الحصار والاحتلال.
لم يحدث في تاريخ المسلمين أن قام عدو عمدا بتدمير المساجد جهارا نهارا دون خشية من أحد.. ورحم الله من قالت "وامعتصماه" فتحركت الجيوش للثأر لامرأة تجرأ عليها عابث بمجرد رفع ثيابها.
لو اعترف قادة العرب بعجزهم ولجأوا إلى الله تعالى على قاعدة أن للبيت ربٌّ يحميه، لنصرهم الله.. ولكنهم للأسف لجأوا إلى جلاديهم، فخذلوهم كالعادة!.
ولقد أظهرت الاتصالات السياسية الأخيرة التي بدأها قادة الغرْب مجاملة للعدو، أن العرَب مستعدون لقبول (أي شيء) مهما كان مهينا. فلم يرفض أحد من العرب افتراءات قادة الدول الغربية من أن المقاومة الصامدة الباسلة هي المسئولة عن المحرقة، ولم يحتجّ أحد على المطالبة بوقف تهريب الأسلحة (الدفاعية) مع إمداد العدو بالأسلحة الهجومية الفتاكة، ولم يخجلوا من الإعلان عن أن جل اهتمامهم هو الادعاء بالسعي لتوصيل المساعدات للمحاصرين وليس وقف المجازر وإنهاء الحصار والاحتلال.
لم يحدث في تاريخ المسلمين أن قام عدو عمدا بتدمير المساجد جهارا نهارا دون خشية من أحد.. ورحم الله من قالت "وامعتصماه" فتحركت الجيوش للثأر لامرأة تجرأ عليها عابث بمجرد رفع ثيابها.
لو اعترف قادة العرب بعجزهم ولجأوا إلى الله تعالى على قاعدة أن للبيت ربٌّ يحميه، لنصرهم الله.. ولكنهم للأسف لجأوا إلى جلاديهم، فخذلوهم كالعادة!.
إن فكرة الشكوى (الطفولية) لمن نعتبرهم الكبار في أمريكا وأوروبا كلما طغي وبغي علينا العدو الصهيوني هي السبب في زيادة طغيانه, ليس فقط لأنهم أعداء لنا مثله ولكن لأنهم يرون منا ضعفًا ومسكنة.. وإذا لم نعتمد على أنفسنا فسوف يبتلعنا الطوفان.
ويل للعرب من المستقبل (العولمي) بعد أن أيقن القاصي والداني أنهم "الحائط المنخفض" في العالم كله. يستطيع الآن كل من هب ودب أن يفعل بالعرب ما يشاء.. يذلهم، يضربهم، يستغفلهم، يسرقهم، يحاصرهم، يستولي على ثرواتهم، يُصَدّر إليهم نفاياته ومنتجاته الراكدة، يقتلهم ببطء بالمواد الغذائية المحشوة بالهرمونات والسموم، يفرض عليهم ثقافته ولغته، يهين مقدساتهم ويدنس مساجدهم، يمزق قرآنهم..... والقائمة تطول، لأن عالم اليوم عالم جاهلي لا يذعن للحق وإنما ينحني للقوة.
والقوة ليست فقط قوة السلاح، ولكنها قوة الإرادة والاستقلالية. والسؤال المحير هو؛ لماذا يرتعد العرب من كيان هزيل لا يمتلك مقومات الدولة، وأثبتت المقاومة اللبنانية والفلسطينية أنه نمر من ورق وأن لديه جيش جبان، أغلبه من الشاذين جنسيا، لا يجرؤ على مواجهة منظمات جهادية محاصرة لا تمتلك شيئا مما تمتلكه الجيوش.. ولولا الطائرات والصواريخ ووسائل الضرب عن بعد لما قامت له قائمة، فماذا يكون حاله لو واجهه جيش عربي (واحد) من الاثنين وعشرين جيشا؟. وإذا كان العرب قد حنطوا جيوشهم أو فرغوها لحماية العروش، فلماذا لم يمدوا المقاومة الجهادية بالسلاح؟، وإن عجزوا عن ذلك فلماذا لم يفكروا في عقوبات اقتصادية أو يلغوا المعاهدات أو يقطعوا العلاقات أو حتى يسحبوا السفراء؟!.
الغريب أن أنظمة النكبة الجديدة تخدّرنا بمقولات تحكيم العقل وتجنب المواقف الانفعالية التي يمكن أن تجرنا إلى حرب «غير مدروسة» تأتي على الأخضر واليابس, وتضيّع إنجازات التنمية!.
وكأنهم قد أفلحوا في التنمية, وهم الذين زادت على أيديهم معدلات البطالة ودفعوا الشباب العربي إلى البحث الدءوب عن أي وطن آخر يهاجرون إليه, وهم كذلك الذين شاخت حكوماتهم ولازمها الفشل في كل ميدان ولم نعد نرى سوى التخلف في كل الميادين وانهيار التعليم وتضاؤل الرعاية الصحية.. إلخ. وأيا كان الأمر.. فمن الذي طالب هؤلاء المتخاذلين الواهنين بإعلان الحرب?.. هل هناك معتوه يقبل أن يسلم رقاب شباب الأمة لهؤلاء الذين فشلوا في السلم لكي يخوض بهم حربًا? إن هذه المقولات التي تروجها أنظمة النكبة هي من باب الهروب من الموضوع الحقيقي الذي إن لم تفلح فيه هذه الأنظمة فلا داعي لوجودها.. ألا وهو الجهد السياسي والدبلوماسي, الذي يبدو أنه كذلك قد صار «محرمًا» عليهم مثل الحرب تمامًا بسبب الاستسلام المهين أمام الحلف الصهيوأمريكي.
لقد أثبتت الأحداث الملتهبة في غزة أن النظام العربي الرسمي قد سقط, بل مات وشبع موتاً, وأنه لن تقوم له قائمة؛ إلا إذا حدثت المعجزة وعاد الربيع العربي واستردت الشعوب العربية حريتها، وأقامت نظاماً جديداً يستطيع أن يبرهن للعدو أن اللحم العربي في حقيقته مُرّ.. لأنه منذ أن اكتشف العدو أن هذا اللحم طري ومصاب بالوهن، أخذ (يبرطع) في كل مكان وزمان وهو يعلم أن أقصى عقوبة له هي الشجب (الذي صار عزيزا للأسف!).
فما الذي يمنعه من ارتكاب المذابح وهدم المساجد والبيوت والمدارس والجامعات وانتهاك المقدسات وضـرب المدنيـين بالـ (إف 16)?!. لم يعد هناك شك في أن الحكومات العربية فقدت مبررات وجودها, ولم يعد لديها ما تقدمه في أي شأن من شئون الأمة بعد أن فقدت توازنها أمام الأعداء وانهارت مناعتها تماما.
ولعل سائلاً يسأل عن السبب في هذا التسليم وذاك الهوان رغم امتلاكنا لمصادر القوة التي يمكن أن تجعلنا سادة العالم... فنقول إنه غياب الحريات وسيادة الحكم الفردي الذي يسْهل التأثير عليه واختراقه من قبل الأعداء.
والحقيقة أن الحكومات العربية هي السبب في هذا الموقف المخزي.. فكلما تزايد الانحياز الأمريكي للعدو, زاد «العشق» بين هذه الحكومات وجلادها الأمريكي, مدعين أنه الشريك المحايد وراعي عملية «السلام»!.
ولا ندري ماذا ينتظر العرب من هذا «الشريك المخالف» بعد أن أعلنها صراحة بأنه مع الصهاينة مهما فعلوا وأنه ضدهم بكل إمكاناته?.
هل العرب لا يملكون وسيلة للضغط على أمريكا وأوروبا?.. إننا لن نطالبهم بموقف ثوري مثل موقف إيران, فهم لا يجرؤون على ذلك, بل لا يجرؤون على مجرد قول كلمة حق لصالحها.. ولكن لماذا لا يفعلون مثل تركيا عندما حاول «الصديق» الأمريكي, وفي إطار الحملة الصليبية ذاتها, إدانة الدولة العثمانية بارتكاب حرب إبادة ضد الأرمن. فهددت تركيا باتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية (أي مقاطعة مثل التي فشلنا فيها), لتتراجع أمريكا صاغرة لأنها لا تحتمل أية مقاطعة اقتصادية. هل الفرق بيننا وبين تركيا هو الفرق بين شجاعة الحكومات هنا وهناك?.. أم أنها إرادة الشعب التركي «الحر» التي يجب أن تُحترم؟.
• هذه رسالة قصيرة إلى أهل غزة ومقاوميها الصامدين المرابطين: أنتم فخرنا وقدوتنا.. لم يكسركم الحصار والجوع، ولم تخيفكم المحرقة ولا الأسلحة الفتاكة التي تخيف الجيوش المسلحة، لقد تحملتم وصبرتم كما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وبالتأكيد فالنصر مع الصبر، وشهداؤكم في الجنة أحياء عند ربهم يرزقون..
ويل للعرب من المستقبل (العولمي) بعد أن أيقن القاصي والداني أنهم "الحائط المنخفض" في العالم كله. يستطيع الآن كل من هب ودب أن يفعل بالعرب ما يشاء.. يذلهم، يضربهم، يستغفلهم، يسرقهم، يحاصرهم، يستولي على ثرواتهم، يُصَدّر إليهم نفاياته ومنتجاته الراكدة، يقتلهم ببطء بالمواد الغذائية المحشوة بالهرمونات والسموم، يفرض عليهم ثقافته ولغته، يهين مقدساتهم ويدنس مساجدهم، يمزق قرآنهم..... والقائمة تطول، لأن عالم اليوم عالم جاهلي لا يذعن للحق وإنما ينحني للقوة.
والقوة ليست فقط قوة السلاح، ولكنها قوة الإرادة والاستقلالية. والسؤال المحير هو؛ لماذا يرتعد العرب من كيان هزيل لا يمتلك مقومات الدولة، وأثبتت المقاومة اللبنانية والفلسطينية أنه نمر من ورق وأن لديه جيش جبان، أغلبه من الشاذين جنسيا، لا يجرؤ على مواجهة منظمات جهادية محاصرة لا تمتلك شيئا مما تمتلكه الجيوش.. ولولا الطائرات والصواريخ ووسائل الضرب عن بعد لما قامت له قائمة، فماذا يكون حاله لو واجهه جيش عربي (واحد) من الاثنين وعشرين جيشا؟. وإذا كان العرب قد حنطوا جيوشهم أو فرغوها لحماية العروش، فلماذا لم يمدوا المقاومة الجهادية بالسلاح؟، وإن عجزوا عن ذلك فلماذا لم يفكروا في عقوبات اقتصادية أو يلغوا المعاهدات أو يقطعوا العلاقات أو حتى يسحبوا السفراء؟!.
الغريب أن أنظمة النكبة الجديدة تخدّرنا بمقولات تحكيم العقل وتجنب المواقف الانفعالية التي يمكن أن تجرنا إلى حرب «غير مدروسة» تأتي على الأخضر واليابس, وتضيّع إنجازات التنمية!.
وكأنهم قد أفلحوا في التنمية, وهم الذين زادت على أيديهم معدلات البطالة ودفعوا الشباب العربي إلى البحث الدءوب عن أي وطن آخر يهاجرون إليه, وهم كذلك الذين شاخت حكوماتهم ولازمها الفشل في كل ميدان ولم نعد نرى سوى التخلف في كل الميادين وانهيار التعليم وتضاؤل الرعاية الصحية.. إلخ. وأيا كان الأمر.. فمن الذي طالب هؤلاء المتخاذلين الواهنين بإعلان الحرب?.. هل هناك معتوه يقبل أن يسلم رقاب شباب الأمة لهؤلاء الذين فشلوا في السلم لكي يخوض بهم حربًا? إن هذه المقولات التي تروجها أنظمة النكبة هي من باب الهروب من الموضوع الحقيقي الذي إن لم تفلح فيه هذه الأنظمة فلا داعي لوجودها.. ألا وهو الجهد السياسي والدبلوماسي, الذي يبدو أنه كذلك قد صار «محرمًا» عليهم مثل الحرب تمامًا بسبب الاستسلام المهين أمام الحلف الصهيوأمريكي.
لقد أثبتت الأحداث الملتهبة في غزة أن النظام العربي الرسمي قد سقط, بل مات وشبع موتاً, وأنه لن تقوم له قائمة؛ إلا إذا حدثت المعجزة وعاد الربيع العربي واستردت الشعوب العربية حريتها، وأقامت نظاماً جديداً يستطيع أن يبرهن للعدو أن اللحم العربي في حقيقته مُرّ.. لأنه منذ أن اكتشف العدو أن هذا اللحم طري ومصاب بالوهن، أخذ (يبرطع) في كل مكان وزمان وهو يعلم أن أقصى عقوبة له هي الشجب (الذي صار عزيزا للأسف!).
فما الذي يمنعه من ارتكاب المذابح وهدم المساجد والبيوت والمدارس والجامعات وانتهاك المقدسات وضـرب المدنيـين بالـ (إف 16)?!. لم يعد هناك شك في أن الحكومات العربية فقدت مبررات وجودها, ولم يعد لديها ما تقدمه في أي شأن من شئون الأمة بعد أن فقدت توازنها أمام الأعداء وانهارت مناعتها تماما.
ولعل سائلاً يسأل عن السبب في هذا التسليم وذاك الهوان رغم امتلاكنا لمصادر القوة التي يمكن أن تجعلنا سادة العالم... فنقول إنه غياب الحريات وسيادة الحكم الفردي الذي يسْهل التأثير عليه واختراقه من قبل الأعداء.
والحقيقة أن الحكومات العربية هي السبب في هذا الموقف المخزي.. فكلما تزايد الانحياز الأمريكي للعدو, زاد «العشق» بين هذه الحكومات وجلادها الأمريكي, مدعين أنه الشريك المحايد وراعي عملية «السلام»!.
ولا ندري ماذا ينتظر العرب من هذا «الشريك المخالف» بعد أن أعلنها صراحة بأنه مع الصهاينة مهما فعلوا وأنه ضدهم بكل إمكاناته?.
هل العرب لا يملكون وسيلة للضغط على أمريكا وأوروبا?.. إننا لن نطالبهم بموقف ثوري مثل موقف إيران, فهم لا يجرؤون على ذلك, بل لا يجرؤون على مجرد قول كلمة حق لصالحها.. ولكن لماذا لا يفعلون مثل تركيا عندما حاول «الصديق» الأمريكي, وفي إطار الحملة الصليبية ذاتها, إدانة الدولة العثمانية بارتكاب حرب إبادة ضد الأرمن. فهددت تركيا باتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية (أي مقاطعة مثل التي فشلنا فيها), لتتراجع أمريكا صاغرة لأنها لا تحتمل أية مقاطعة اقتصادية. هل الفرق بيننا وبين تركيا هو الفرق بين شجاعة الحكومات هنا وهناك?.. أم أنها إرادة الشعب التركي «الحر» التي يجب أن تُحترم؟.
• هذه رسالة قصيرة إلى أهل غزة ومقاوميها الصامدين المرابطين: أنتم فخرنا وقدوتنا.. لم يكسركم الحصار والجوع، ولم تخيفكم المحرقة ولا الأسلحة الفتاكة التي تخيف الجيوش المسلحة، لقد تحملتم وصبرتم كما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وبالتأكيد فالنصر مع الصبر، وشهداؤكم في الجنة أحياء عند ربهم يرزقون..
هنيئا لكم. إنكم تدقون المسمار الأخير في نعش الصهيونية ونعش النظام العربي الرسمي، لقد انتصر العدو على جيوش ثلاث دول كبيرة في ستة أيام، ولكنه لم ولن ينتصر عليكم مهما طال الوقت.. حياكم الله ونصركم، وغفر لنا تقصيرنا في حقكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق