التاريخ لن يرحم
من يستمد شرعيته من فيفي عبده!
شريف عبدالغني
ليس من الشرف ولا الأخلاق الشماتة. الشجاعة أن تقول للغولة «عينك حمرا» وهي في عز عنفوانها، لا أن تنافقها «محلاكي جميلة الصورة» طمعاً في رضا أو خوفا من بطش أو تأمينا من خوف.
في أول مقال ينشر لي عام 2001 بجريدة «الأحرار» المصرية المعارضة، كتبت عن جدار تخيلت أن مبارك أقامه عالياً على الحدود المصرية خوفاً علينا من أن تصيبنا «لطشة برد ديمقراطية» قادمة من هنا أو هناك.
هنا في «العرب»- والأرشيف موجود- كتبت ما يمليه الحق والضمير، وتحدثت عن أخطاء وخطايا نظام مبارك وتوابعه من الأهل والصحبة وهــم يسيطرون على مصر بمن فيها ومــا عليها، ويــعــدّ ون أنفاسنا ويرصدون كلامنا و «اللي يخاف ما يتكلمش» حسب التعبير الشهير لخالد الذكر حبيب العادلي يد المخلوع الباطشة. لكن لم أشمت في مبارك وهو لا حول له ولا قوة، وقد بلغ من الكبر عتيا جالسا على سريره الطبي في قفص المحكمة.
رغم كل هذا أعترف: سأشمت حينما أجد في الموقف نفسه كل من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. كل من عذّب الأنقياء. كل من اعتقل الشرفاء. كل من لا عهد له ولا ديــن ولا ضمير وأخــرج من السجون اللصوص وأدخل بدلاً منهم الشرفاء بتهمة مساعدة من يقاوم العدو الصهيوني!
من لا يتعظ من الحكام والمسؤولين من زملائهم المخلوعين، فسيكون أكثر غباء منهم كونهم لم يستوعبوا بدورهم المصير الأســود الذي انتهى إليه معلموهم ومنظروهم ونظرائهم في الطغيان ومص دماء الشعوب.
التاريخ قاس جداً في حكمه ورصــده. إنه لا يــدون بين صفحاته إلا الأعمال الخارقة المدهشة، أو تلك المخجلة المأساوية. تذكروا ماذا حكى التاريخ عن شخصيات مثل ماركس وهتلر ولينين وتشرشل ونيكسون ومانديلا وغيرهم.
على المستوى المصري لو عرضنا أسماء جمال عبدالناصر والسادات ومبارك ومرسي، وسجلاتهم التاريخية، فستكون النتيجة منطقية مع الأعمال المرتبطة بكل منهم.
سجل التاريخ لعبدالناصر مجموعة أعمال من ذلك النوع المدهش إيجاباً وسلباً.. قيادة «انقلاب» يوليو الذي غير وجه العالم العربي كله. أرسى دولة العسكر في المنطقة. تأميم قناة السويس. العدوان الثلاثي، إعدام اثنين من المطالبين بحقوق العمال وهما مصطفى خميس ومحمد البقري، فضلاً عن سيد قطب. الوحدة مع سوريا. السد العالي. هزيمة يونيو 67. خطاب التنحي. الجنازة المليونية المهيبة.
أما السادات فمؤكد أنه صاحب قرار حرب أكتوبر وبطل أول وآخر انتصار عربي رسمي ضد إسرائيل، ثم سياسة الانفتاح الاقتصادي التي وصفها المصريون بـ»انفتاح السداح مــداح»، وصــولاً إلى المبادرة التي أذهلت العالم ما بين مؤيد ومعارض حينما هبط في مطار «بن جوريون» بقلب إسرائيل.
وأخيرا اغتياله يوم نصره في 6 أكتوبر 1981. كل هذا في 11 عاماً فقط لم يشكك خلالها أو بعدها أحد في الذمة المالية للرجل.
لكن الوضع مختلف مع مبارك، سيسجل التاريخ أنه حكم مصر30 عاماً كاملة، لم تشهد مصر خلالها عملاً مذهلاً يحسب له، فلا امتلك جرأة عبدالناصر ولا إبهار السادات. بل كان موظفاً روتينياً بدرجة رئيس دولة. ومثله لا تتوقف عندهم صفحات الزمن طويلاً . كل ما ركز عليه الرئيس المخلوع في رصد إنجازاته كان افتتاح كوبري هنا أو رصف طريق هناك، وغيرها من أعمال لا تجد طريقها إلى التاريخ، فهي تليق بوزير أو محافظ.
لكن ما سيرصده التاريخ كحدث بارز في مسيرة مبارك هو اندلاع تلك الثورة الشعبية الحاشد ضده، وخروج المصريين في عهده من قمقم الخوف تحت وطأة ما أذاقهم من هوان، وفشله في التشبث بالسلطة رغم كل المــراوغــات، وانتهاء بخطاب التنحي الشهير الذي ألقاه نيابة عنه عمر سليمان وخلفه «الراجل اللي ورا عمر سليمان»، ثم مشاهد محاكمته وأولاده في تهم قتل متظاهرين سلميين وتضخم الثروة واستغلال النفوذ والحصول على عمولات، وغيرها من الاتهامات المهينة المخلة بالشرف، والتي برأه «القضاء الشامخ» منها تمهيداً لإعادة عصره ولكن بوجوه أخرى.
أما محمد مرسي، فسيذكر التاريخ أنه أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وأنه استهل حكمه بقسم اليمين أمام الشعب في ميدان التحرير، وأنه أراد نهضة حقيقية لبلده، فغضب أعداء مصر من الخارج وصبيانهم في الداخل، وأعدوا العدة لإطاحته من أول يوم وصل فيه إلى القصر الرئاسي، وخلال سنة تم إزاحته وخطفه وتلفيق التهم له. وبعدما استكثروا عليه لقب رئيس، أصبح زعيماً ترفع صوره على المسجد الأقصى، ولقبه كثير من العرب بـ»الخليفة السادس»، ويصير ملهماً وروحاً للثورة فيخشى المرتعشون صوته، ويضعونه في قفص زجاجي.
ويــا أيها الظالمون. أمامك سير من سبقوكم. لا تغرنكم القوة التي بأيديكم. القوة الحقيقة والشرعية الحقة تستمد من الشعب وليس من فيفي عبده ولميس الحديدي. ثم لا تنسوا الدرس الإلهي: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
shrief.abdelghany@gmail.com
Twitter: @shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق