السبت، 9 أغسطس 2014

الثمار المرة للوساطة المصرية

الثمار المرة للوساطة المصرية

"هيرست" محذرا: 
السيسي (ومعلمه التهامي) أقسى على غزة وحماس من الإسرائيليين



بقلم: ديفيد هيرست
كاتب بريطاني ومدير تحرير موقع "ميدل إيست آي"

هل كان اعتراض إسرائيل على رفع الحصار غزة العقبة الأكبر في محادثات وقف إطلاق النار أم كانت رغبة إدارة السيسي في سحق حماس؟

الرأي العام العالمي آخذ في التغير بشأن حصار غزة، حيث يتساءل، علنا، المزيد من قادة عن الحكمة من الضغط على غزة إلى نقطة الانفجار.
وهذا ما يمكن أن يُقرأ من بيان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الخميس، حيث قال: "على المدى الطويل، يجب أن يكون هناك اعتراف بأن غزة لا يمكن أن تظل معزولة نهائيا عن العالم"، وينطبق الشيء نفسه على موقف الاتحاد الأوروبي.

المطلب المحوري للوفد فلسطيني الموحد، بشكل غير مسبوق، في القاهرة، أنه بعد سفك الدماء البريئة في الجولة الأولى من القتال، لا يمكن لغزة العودة إلى الوضع الراهن.  
إلا أن جاري غزة كلاهما لا يشاطران الوفد الفلسطيني في وجهة نظره. وعليه، من المفيد أن نسأل: من هو العائق الأكبر للمفاوضات هذا الأسبوع: إسرائيل أم مصر؟ الإجابة ليست واضحة.

وقد أفادت مصادر فلسطينية في محادثات القاهرة أن المسؤولين المصريين رفضوا بشكل قاطع عبارة "رفع الحصار" في اتفاق الهدنة المقترحة. وقالت المصادر نفسها أن مصر رفضت نقل الطلب الفلسطيني بفتح ميناء غزة إلى الوفد الإسرائيلي.

صباح يوم الجمعة، طلب وفد حماس من المسؤولين المصريين موافقة إسرائيلية منحيث المبدأ لإنهاء إغلاق الحدود والسماح لإعادة بناء غزة مقابل تمديد الهدنة. وأفاد مسؤولون مصريون أن إسرائيل رفضت. على الجانب الآخر، ذكرت التقارير أن إسرائيل عرضت لتخفيف الحصار، وهو ما رفضته حماس.

منذ البداية، ربطت مصر وإسرائيل مطلب إنهاء الحصار بنزع السلاح من حماس وجميع الفصائل المقاومة في غزة.
وكان هذا كمن سأل المقاتلين الذين نجحوا، وفقا لمنظورهم، في مقاومة قوة عسكرية متفوقة بشكل كبير خلال الشهر الماضي، لكف أيديهم وتسليم أسلحتهم والاستسلام.

وقد رُفضت المبادرة المصرية، بنسختها الأولى، لوقف إطلاق النار، حتى إنها لم تُعرض على حماس قبل إصدارها، ولم يتحرك المصريون بعدها بخطوة.
وكان أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أكثر وضوحا مساء الخميس في بيانه: "إذا لم تتم الاستجابة لمطالبنا، بما في ذلك إنشاء ميناء بحري، فإننا نطالب الوفد الفلسطيني الانسحاب من المفاوضات وإنهاء هذه اللعبة".

ما هو واضح تماما من هذه القراءات أن المسؤولين المصريين والإسرائيليين يعملون يدا بيد.
وكانت هذه دائما تهمة موجهة لدور أمريكا في عملية السلام،  ولكنلقاء الحب بين مصر وإسرائيل أكثر وضوحا وجرأة في محادثات القاهرة الأخيرة.

منذ اليوم الأول، فاجأ عبد الفتاح السيسي المسؤولين الإسرائيليين بحماسه القوي في مناهضة حماس.
وكما أفادت تقارير صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنه عندما أغلق السيسي أكثر الأنفاق (على الحدود مع غزة) ولم يفعل شيئا لتعويض وقف مرور الإمدادات فوق الأرض، بدأ بعض المسؤولين الإسرائيليين يدقون ناقوس الخطر بشأن قسوة إجراءات القاهرة (ضد حماس).

"إنهم، في الواقع، قد خنقوا غزة كثيرا"، كما نقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول إسرائيلي.

لقد تعلمت إسرائيل خلال السنوات الثماني الماضية، وليس أكثر من هذا، كيف تضبط عقدة الحبل الذي ربطت به عنق غزة، وكان هذا (ما فعله السيسي) تحول جديد باتجاه التشديد على القضية بشكل مبالغ فيه وبسرعة كبيرة جدا.

والآن لنتحدث عن الرجل الذي يقود "المفاوضين" المصريين في المحادثات. ظل الملف الفلسطيني دائما في أيدي جهاز المخابرات العامة (GIS)، وكان من أوائل الأشياء التي قالها لي، نائب رئيس جماعة الإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، عندما انتخب محمد مرسي رئيسا لمصر، أن المخابرات العامة ستبقى القناة المركزية في العلاقات مع إسرائيل.

وكان هذا واحدا من الأسباب التي دفعت السيسي في أول تغيير له بعد الانقلاب العسكري هو تطهير جهاز المخابرات وفرض رجله الخاص، بل معلمه، اللواء محمد فريد التهامي، رئيسا له.
بل إن الانقلاب العسكري سُبق بحرب مواقع على مستوى الاستخبارات العسكرية، التي كان يرأسها السيسي في عهد مرسي، والمخابرات العامة.

من التقى الوفود الفلسطينية والإسرائيلية؟ التهامي.
من يقف وراء ما يراه البعض في واشنطن بأنها نظريات مؤامرة القائلة بأن حماس تهدد الدولة المصرية؟ التهامي.
من شجع السيسي على التقدم خطوة إلى الأمام وترشيح نفسه للرئاسة؟ التهامي.

والوضع الحاليَ هو عكس جولات سابقة من القتال بين إسرائيل وحماس لسبب بسيط، أن إسرائيل وجدت شريكا متحمسا جدا في مصر، بما مكًنها من تجاهل إشارات من واشنطن تحث على ضبط النفس. فربما وجدت شريكا متحمسا جدا وأن الاتجاه الأكثر حكمة الآن سيكون المفاوضات المباشرة بين حماس وإسرائيل.

مصالح إسرائيل ومصر الإستراتيجية مختلفة. فإسرائيل تريد وقف الصواريخ وإخضاع الأنفاق للرقابة وفقط.
ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرف أن تكلفة هذا عسكريا غير مقبولة عسكريا وقال هذا في اجتماع لمجلس الوزراء المصغر، الذي استغرق أربع ساعات، يوم السبت الماضي.
إذ يتطلب تحقيق هذا الأمر أسابيع إن لم يكن أشهر من حرب المدن وسط مدينة غزة، وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، ومئات من العسكريين الإسرائيليين، وفي نهاية كل هذا تصبح إسرائيل مسؤولة مرة أخرى عن تحسن أوضاع سكان غزة.

كما الشاباك نفسه يعترف، فقد حافظت حماس على السلم لأكثر من سنة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة مرسي في نوفمبر 2012. في الأشهر الثلاثة الأولى، سجلت جهاز "شين بيت" هجوما واحدا، إطلاق قذيفتي هاون من قطاع غزة. وفي السنة التالية، عام 2013، كان الأهدأ منذ عام 2003، عندما أُطلقت الدفعة الأولى من الصواريخ البدائية.

ليس هناك من سبب لماذا لا تستطيع غزة العودة إلى ذلك الهدوء، إذا ما التزمت إسرائيل بالوعد الذي قطعته حينها برفع الحصار. فمع حكومة الوحدة في غزة والسلطة الفلسطينية في المعابر الحدودية لغزة، ليس هناك ما يدعو إلى توقع أن الصيغة غير قابلة للتحقيق.

مؤسسة الدفاع الإسرائيلي، التي لا تزال المصدر الأكثر واقعية لصياغة السياسات، يجب أن ترى أنه بعد أن رفضت خيار الإطاحة بحماس من غزة، يبقى الخيار الوحيد الآخر هو التفاوض، وثمن ذلك هو إعادة فتح الحدود (المعابر).

في مصر، لا يوجد مثل هذه البراغماتية. فالسيسي والتهامي ليس لديهما ما يكسبانه من تطبيع العلاقات مع حماس، وأكثر من ذلك هناك ما يخسرانه على المستوى الشخصي، ذلك أن السياسة الوحيدة التي ترشح بها السيسي للرئاسة هي سحق العدو اللدود ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين وذراعها المسلح: حماس.

بالنسبة لحماس وغيرها من جماعات المقاومة المسلحة في غزة، فإن الوضع واضح وضوح الشمس: إنهم واثقون من قدرتهم على الاستمرار. لديهم دعم من أهل غزة، ويرون تغيرا في موقف الرأي العام الدولي من الحصار، كما يمكنهم أن يروا أيضا ترددا في إسرائيل حول شن جولة أخرى من العدوان على غزة.
عن "ذي هافنغتون بوست" 
الترجمة / خدمة العصر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق