تحطمت الطائرات عند الفجر – جزء 2
غلاف الكتاب بالعبرية
آيات عرابي
كتاب ( تحطَمت الطائرات عند الفجر )
نتابع مع قراء موقع جريدة الجورنال ما بدأناه بالأمس من نشر كتاب تحطمت الطائرات عند الفجر و هذا هو الجزء الثاني:
القسم الرابع
حي . . . ميت
22 نوفمبر 1954
الساعة 30.14 حتى 00.18
قادنا الحارس ( أنا وفيشل ) الى غرفة في الطابق الارضي, وهمُّ بالخروج ولكن فيشل أمره بأن يغلق علينا الباب من الخارج, وأن يعود الينا بعد مضي ساعتين, وعليه, خلال ذلك أن لايسمح لاحد بالدخول. وسألت فيشل ما سنفعله في هذه الغرفة لوحدنا طوال ساعتين, فقال لي : تعال معي وسنقوم في البداية باخراجه, أو باخراجك أنت. . أذا أردت.
كانت الجثة باردة للغاية وكأنها كتلة من الجليد, القينا بها على الطاولة في وسط الغرفة, وطلب الي فيشل أن أتفحص الجثة جيدا وأذكر بصوت مرتفع أية علامة مميزة أراها في الجثة. وقال لي أنه سيقرر بعد ذلك كيف سيهتم بأمرى ويجعل منا ( أنا والجثة ) شبها واحدا في كل شئ, ماعدا برودة الموت طبعا.
وبدأت أذكر بصوت مرتفع العلامات التي أعتقدها مميزة في الجثة.
قلت أولا . . . أنه مختون ( أي اجريت له عملية ختان )
قال فيشل . . بالطبع فهو مسلم.
قلت : طوله يقارب طولي الى حد ما.
قال . . صحيح , طوله 177 سم يبدو طويلا بعض الشئ ولكن هذا الطول لايثير الاهتمام.
قلت . . حجم الجثة يشابه حجم جسدي.
قال . . صحيح فلكما نفس الوزن.
ثم انحنيت قليلا فوق الجثة وقلت : أرى على الجثة آثار دمل أو حروق أو آثار عملية جراحية.
قال فيشل : لا يهمك, سنحفر على جسدك مثل ذلك. قلت : يبدو أنه ذو شعر أكثف من شعري مع فارق بسيط في اللون. قال : لابأس, سنقوم غداً بصبغ شعرك بنفس اللون قبل أن تذهب لتحل محله في الفندق الذي يفترض أن يكون نازلا فيه. قالت : الأنف – أنف الجثة – يبدو أجمل من أنفي, فهو ليس ساميا وأنما يشبه الانف الروسى قليلا.
قال فيشل : ورث أنفه عن أمه, أنظر الى صورتها في الملف, أنها جميلة.
قلت : شاربه أدق وأكثف من شاربي, أما فمه فيشبه فمي ومع أن فكي أعرض من فكيه بعض الشئ, ولكني واثق أنك ستجد السبيل الى ضغطهما قليلا ليأخذ نفس شبه فكيه.
حينما دخلت الغرفة, أنا وفيشل لم تكن حالتي النفسية جيدة ولم تتحسن خلال وجودنا في الغرفة, ولم أستطع أن أتخلص من الشعور بأننى حينما سأحل محل هذا الرجل ( الجثة ) الملقاة هنا فانني في النهاية سأحل محلها بالتمام والكمال وأكون ملقى, بعد وقت ما على مثل هذه الطاولة, وجثة باردة مثلها, وواصلت ذكر أوصاف الجثة.
قلت : له جبهة عريضة جميلة, لكن لي جبهة مثلها, العيون العسلية ويمكن القول عن عيونى عسلية أيضا. ونظرت الى كفيه كانا أنعم من كفى وأصغر.
قال فيشل : هذه مشكلة, فبعد الوجه يأتى الكفَّان من حيث سهولة التمييز وهما يثيران الانتباه. أن وجه الانسان, وانتصابه وحتى حركاته يمكن أن تتغير مع الزمن, ولكن الكفين فلا يتغيران وأعتقد أنا لا نستطيع أن نفعل الكثير لتقريب الشبه بينكما في هذه النقطة, ومع ذلك سنجري بعض التجميل أظافر طويلة مستعارة, ولن يستطيع تمييز ذلك الا من كان يعرفك جيدا, ولذلك عليك أن تحذر النساء, فان أية أمرأة سبق أن نامت معك, ويبدو لي أن جميع نساء المنطقة القريبة كان لهن نصيب في مضاجعتك ولو مرة واحدة على الاقل, تستطيع أن تتعرف وتتذكر كفيك. وعندما تزور تركيا أو أي مكان آخر يجب أن تتجنب, وتحذر النساء اللواتي يعرفنك من قبل.
ثم قال فيشل : والآن سنقلب الجثة على وجهها, لتقوم بتفحصها من الخلف . . وما أن قلبنا الجثة بان على الظهر آثار دمل آخر أو ما شابه. فرد علي فيشل قائلا : أنها آثار رصاصة من سلاح خفيف, ولا أدري من أين جاءه هذا الشرف, قالها بتهكم. وقلت وأنا أعرف سلفا ما ينويه فيشل بالطبع : تستطيع أن تجد الشخص الذي يمكنه أن يحفر نفس العلامة على ظهري, ولكن أرجو أن توصيه بألا يجعل الرصاصة تدخل فى جسدي وتقتلني.
ثم قمنا بالباس الجثة ملابسها التي أحضرها فيشل معه في حقيبة صغيرة, ولكننا عجزنا عن وضع الحذاء في قدميها, وأوقفنا الجثة وأسندناها الى الطاولة.
كان ذلك الميت في ملابسه الأنيقة, وقميصه الأبيض, يبدو رجلا في غاية الأناقة وحسن المظهر مع أن بشرته كانت شاحبة بعض الشئ. وقال لي فيشل : أنظر الى الجثة جيداً, فلن تعود الى هنا مرة أخرى قبل أن تغير مظهرك.
حينما دخلت غرفتي في الفندق, وجدت فيها ( روثي ) متمددة على السرير يستر جسمها البض غطاء وردي, ومقابلها على كرسي وثير كانت تجلس نعومي. لم تقل كلمة. وأنما نهضت ونظرت الي ولطمتني بكفها بقوة وخرجت من باب الغرفة بعد أن جذبته بشدة محدثة صوتا مدويا. وأحسست أن يداي وأصابعي تكاد تتحجر وأنني بعد قليل سأفقد السيطرة على نفسي, ثم قلت لروثي بصوت هادئ مهددا خلته يخرج من حلقي مجمدا كجثة ذلك الميت في الثلاجة الكبيرة : أخرجي فوراً قبل أن أقضي عليك.
القسم الخامس
التعليمات الاخيرة
23 نوفمبر 1954
الوقت الساعة 00.12 حتى 00.13
أسند فيشل نفسه الى الخلف على الكرسي, وكسا وجهه بتغيرات متأملة وقال بهدوء : أعد كل شئ, لاتسرع. ولا يزال أمامنا متسع من الوقت. قلت وأنا أسير الى حقيبة جلد سوداء محشوة بالوثائق والمعلومات الخاصة بي وبأوصافي وتاريخ حياتي, أصدقائى . . وأقاربي, معلومات عن أملاكى, عاداتى, وطباعى, سآخذ كل هذه معي الى الفندق في حيفا, وسأدرسها خلال أسبوع وكل ما انتهى من شئ أتلفه بواسطة المادة للخاصة الموجودة داخل أنبوبة مغلقة في المحفظة الصغيرة. يجوز لي أن أنسخ بعض الاسماء الهامة وأسجلها في مفكرة صغيرة بشكل يبدو للاخرين بأننى أقصد الاحتفاظ بعناوين أصدقائي. سأكتب كل شئ باللغة الانجليزية مؤقتا حتى أتعلم اللغة التركية. وأثناء وجودي في حيفا علي أن أبتعد عن مقابلة الاجانب الذين يمكن أن يتعرفوا أنهم التقوا بي باسرائيل. وخلال الاسبوع الذي أمضيه في حيفا سأتعرف على نفسى ويتولى رجالك تعليمي التركية وبعض الكلمات الارمنية وقليلا من الفرنسية التى ألم بها الى حد ما. وبعد ذلك أطير الى سويسرا بجواز سفرى القديم الموجودة فيه فيزا أسرائيلية, وبواسطة الجواز القديم الذي يكون ممتلئا بالاختام أستخراج من القنصلية التركية جواز سفر جديد, اما جواز السفر القديم فأسلمه لواحد من رجالك ليقوم بتغيير أسمي فيه وأضعه في صندوق خاص بالبنك, لاعود وأستخدمه في السفر الى أسرائيل وأحصل على تأشيرات الدخول الى أسرائيل من القنصلية الاسرائيلية فى تركيا, حتى يظل جواز سفري الجديد معي في وقت واحد.
ومن سويسرا أطير الى باريس , وهناك في فندق ( هيلتون ) يتصل بي شخص من عملائك بواسطة كلمة السر ( الشاة جاهزة للذبح ) يتكلم معى بالانجليزية وأرد عليه بها وأقول له ( أنا الشاة ) والمفروض ألا يكون ذلك العميل يعرف عني شيئا ما عدا أن من واجبه أن يساعدني ويمدني بالمال. وأحاول أن أبحث عن منزل ولكن لا أجد منزلا يروقني. فأحاول أن أبحث عن منزل أفضل, وخلال ذلك يترك لى العميل بطاقة ما في الفندق. وعلي كل مناسبة بأننى أعتزم أن أنهي أعمالى في تركيا وانتقل الى باريس.
معظم وقتى في باريس أكرسه لدراسة اللغة التركية, وبعد أسبوع أعود الى سويسرا, وأستبدل جواز السفر الجديد بجواز السفر القديم لاسافرالى أسرائيل وحينماأستبدل جواز السفر أقوم بتغيير لون شعري حتى لا يستطيع من يراني في أسرائيل أن يتعرف علي في الخارج. وفي كل مرة أعود فيها الى أسرائيل أدع شاربي يكبر ويتهدل. وفي أول مرة أزور فيها أسرائيل أقوم بالاتصال بك فورا, أما في المرات القادمة فأقوم حال وصولي باستئجار غرفة, ليس في فندق, وأنما في مكان آخر في مكان آخر باسمي المذكور في جواز السفر القديم. ويجب علي أن لا أغادر الغرفة الا لمقابلة المسئولين عني. وبعد أن تستقيل من الخدمة أو تحال على التقاعد يجب ألا أنتقل من مسئول الى مسئول, لأظل معروفا لاقل الناس عددا. وأذا طلب مني مسئول جديد مهمة ثانوية أرفضها باصرار. وفي باريس يقوم عميلك بايجاد أتصالات أولية لي مع الطبقة الرفيعة ثم أعود الى تركيا وأنهي أعمالي فيها, ثم أعود أتصل بمهربي السلاح وأطلب منهم أن أتصل بمهربي السلاح في باريس وأسافر الى باريس ومعي عناوين المهربين وتجار الاسلحة, ولكني لا أباشر العمل, وأنما أسعى لاقامة علاقات بالطبقة العالية وبعد مدة تعطيني أنت أشارة البدء في العمل. وأباشر العمل بربح بسيط لاكون مصدر اجتذاب وأغراء. ومع ذلك أحاول أن أجمع ما أستطيع من المال, بشرط ألا أبيع السلاح الا لأخوتي المسلمين. وبعد ذلك يقوم عملاؤك بفتح الابواب العالية أمامي وأسعى للوصول الى التجارة في كل ما يتعلق بالطائرات كقطع الغيار والمدافع المضادة للطائرات وأجهزة اللاسلكي والرادار ومدافع الطائرات والذخيرة والطائرات نفسها وسألني فيشل : ماذا عن دينك الجديد ؟
قلت : بالأصل, أنا لست متدينا بشدة فأنا أشرب الخمر وأضاجع النساء, ولكنى سأتعلم أصول الدين, الصلوات الهامة والكتب الدينية وحينما أتعرف على أوساط أسلامية في باريس أتظاهر أمامها باداء بعض الشعائر الاسلامية وسيقوم أحد عملاءك بتدريبي على ذلك. وحينما أصل الى مصر, هذا إذا وصلتها سأفسح المجال لاصدقائي هناك في أن يلقنوني مزيدا من أصول الدين.
ثم نهض فيشل من مقعده وقال : حسنا, ثم أخرج ملفا وألقى أمامي بصورة كبيرة وسألته : إذا كانت هذه الصورة له, فقال كلا, ليست لي وأنما هي لشخص في مركزي ولكنه موجود هناك في الجانب الآخر.
القسم السادس
السفاح
23 نوفمبر1954
الساعة 1300 حتى 2100
قال لي فيشل :
أنظر جيدا الى شكله, وتذكر دائما أن تكون حذرا منه, في جميع الظروف والمناسبات. تفحصت جيدا ذاك الوجه المستطيل والعينين المتقدتين بنارغريبة, وأنف النسر المعقوف, والشفتين الرقيقتين, والفكين الضيقين, والجبهة العريضة. وسألنى فيشل : أي أنطباع يخلقه فيك ؟ ثم أخرج صورة ثانية وفيها يبدو نفس الرجل في الصورة الاولى ولكن واقفا قرب سيارة عسكرية في اللباس العسكري, يبتسم, وبجانبه ضابط شاب, أسود الشع , أصبح مع الايام أشهر ضابط في الجيش المصري ( يقصد عبد الناصر ) وسألت فيشل : في أي مكان التقطت لهما هذه الصورة. قال . . فى جيب الفالوجة, فالاثنان وقعا في أسر قواتنا, ولكن أفرجنا عنهم. وأخرج فيشل صورة ثالثة وفيها كان الرجل جالسا في قاعة كبرى للاحتفالات يرتدى بدلة أنيقة يبدو أكبر سنا وجبهته العريضة تحولت الى صلع كبير. وقلت معترفا أنه مخيف, فصورته وهو في جيب الفالوجة تبين أنه شاب واثق منه من نفسه مع أن أنف النسرالذي يملكه والذي يشبه أنفك الى حد ما ونظراته المحددة الشبيهة بنظراتك أيضا, تلقى الرعب فيمن يتطلع الى الصورة. أما في الصورة الثانية فيذكرني بديزرازنسكي أول مدير للمخابرات البولشفية وهو شاعر رقيق النفس أعدم الناس بدون تردد, بل ربما تكون هذه الصورة شبيهة ب( سبونرولا ) الراهب الذي كان يتجسس على معارضيه.
قال فيشل بهدوء : كلا أنها صورة زكريا عبد المجيد محي الدين, الصديق الشخصي للرئيس وهو رئيس المخابرات والامن الداخلي ووزير الداخلية والرجل الاول في الشرق الاوسط الذي أستطاع أن يقهر الاخوان المسلمين, الرجل الذي يلقب في مصر باسم السفاح. وقلت أما في الصورة الثانية فيبدو كضابط نازي من النوع الهادئ الذي لا يحتاج الى حذاء جلد طويل الرقبة, كما كان يلبس النازيون بأقدامهم لقتل سكان مدينة كاملة انتقاما لعمل تخريبي واحد. قال فيشل : للاسف الشديد أنه ليس ضابط نازي وهو فعلا يشبه ديزرازنسكى مخلص في ايمانه, هادئ التفكير متزن العمل. ولذلك تذكر أسمه جيدا ولاتقترب منه. وجمع فيشل الصور ثم قال لي : لا تخف من عبد الحكيم عامر, ولا من بقيه أعوانه فجميعهم جنود في أفكارهم وأعمالهم. ولكن احذر الضابط الذين تدربوا في موسكو, فهؤلاء تعلموا الى جانب التدريب العسكري عدم الثقة حتى بأمهاتهم اللواتي ولدنهم, وهم يشكون باخوانهم, ويميلون إلى تفحص كل كلمة فمثلا حينما تشتكي أمامهم عن الحرارة, لاينفكون يفكرون في المقصد الحقيقي الذي ترمي اليه. وصلت فندق الكرمل – بحيفا- بعد الظهر. ودخلت صالته الفسيحة كمن أبتلع عظام سمكة كبيرة, كانت خطواتي ثقيلة وقامتي منتصبة ووجهي متوتر كأني أمر بعملية جراحية.
الغرفة رقم 426 قلت بالانجليزية ومددت يدي المحلاة بخاتم ذهبي كبير الى موظف الاستقبال. وقال الموظف –أهلا يامستر أنوير هاو دو يو دو ؟ سأرسل حالا من يحمل حقائبك الى غرفتك. شكرا لا داعي لذلك, قلت وأنا أتوجه بخطوات غير واثقة نحو المصعد الكهربائى. في المصعد ركبت معي الى غرفتها في الطابق الرابع أمراة ناضجة جميلة ترتدي فستانا دقيق الحياكة يكشف عن مفاتنها, وأثناء وجودنا في المصعد أبتسمت لي تلك المرأة, ورددت على الابتسامة بابتسامة مفتعلة. وعندها تجرأت وسألتني بالانجليزية : أسمح لي من فضلك, هل مضى على وجودك وقت طويل في هذه البلاد ؟ واحد وثلاثون سنة, أردت أن أجيبها, ولكن بدلا من ذلك قلت بابتسامة خفيفة. أسبوعان تقريبا. وصلنا, فتحت باب المصعد, وخرجت بقامة منتصبة تحرك ردفيها عن قصد. هل تشرب كأسا معي في غرفتي ؟ سألتني –كلا شكرا جزيلا, قلت بأدب وأستطردت : كنت أريد ذلك ولكنى لاأستطيع الآن. ربما في مرة قادمة. قالت أرأيت : سأنتظر المرة القادمة.
دخلت غرفتى وأغلقت بابها جيدا , وتفحصتها, كانت أمتعتى, وأغراضي الشخصية معلقة في الخزانة, أدوات الاستحمام والحلاقة مصفوفة قرب حوض الغسيل. قطع ملابس داخلية من الحرير وبيجاما من الحرير وبدلات أنيقة الحياكة, كل هذه كانت تدل على شخصيتي ومن أنا. وعلى الطاولة وضعت زجاجة ويسكي فارغة حتى نصفها. استغربت من اشتراها هل أنا نفسي أشتريتها ؟ أم هل هو فيشل ؟ أم الشخص الذي كان يسكن الغرفة قبلي ؟ ثم, من هي تلك المرأة التي عرضت علي مصاحبتها بشكل جرئ : هل هي سائحة, تسعى أن تعيد شبابها بمغامرة عابرة ؟ ام هي مغامرة محترفة اعتقدت أن شخصيتي المحشوة بالمال سهلة الاغراء ؟ أم هى عميلة لفيشل أرسلها لاختباري ؟ . وأدركت في نفسي انني منذ الآن فصاعدا سأصبح أسائل نفسي بهذا الشكل حينما التقي بأي رجل أو أمرأة, وحينما يصادفنى أي حادث مهم أو غير مهم, لقد دخلت الآن الى عالم ليس له طريق عودة, وأنما أروقة طويلة متعرجة يمكن الفشل فيها من وراء كل باب أو زاوية. وتذكرت أنه من أجلى : من أجل تسهيل مهمتي وعدم افتضاح أمري قتلت أمرأة في بلاد بعيدة, قتلت لآزالة العقبات من سبيلي وأمرأة ثانية في مكان بعيد عند سفح الجبال الجلبواع قتلوا فيها نفسها من أجلى أيضاً وفتاة أخرى, – كانت تنفذ الأوامر الصادرة لها, ألقيتها بعيدا عني, كأنما ألقي بحيوان قذر. كل هذا وطريقى لم يبدأ بعد. وأن فشلت فستصبح هذه الضحايا بلا ثمن بلا فائدة. ولكن أذا نجحت فكم من الرجال والنساء سأضطر لقتلهم والدوس عليهم فى طريقي الى الهدف الذي أسعى لتحقيقه, الهدف المشبوه الذي خصصوني له, وهوأن أكون موردا كبيرا – لسلاح الجو المصري. . سلاح المستقبل الذي سيقرر من سيحكم الشرق الاوسط مثلما قال فيشل الطويل.
أنكببت على دراسة الوثائق التي تشكل تاريخ حياتي. والدي تاجر تركي غني من الاسكندرية. تزوج أمرأة أرمنية جميلة, من عائلة لاجئين طردوا من منطقة ( ماراس ) سنة 1915. ثم انتقلا, ( أبى وأمى ) بعد مدة الى مدينة ( ازمير ) في أقصى تركيا. ربما حاولا بذلك أن يهربا من الذكريات, ذكريات القتل المرعب الذي أوقعه أبناء شعبه بأبناء شعبها, بل ربما ليس ذلك التركي هو والدي ؟ وأنا ولدت بعد سنة ونصف على الزواج في بداية سنة 1925 ولكن لماذا لم يرزقنى الله بأخوة وأخوات ؟ فأن تاجر تركيا غنيا يهمه جدا أن يأتي لهذا العالم بعشرات الاطفال من ضلعه على غناه ورجولته. فما الذى حدث, ومنع مجئ أخوتي وأخواتي الى الدنيا ؟ القيت نظرة الى صورة الزوجين والواقع أننى منذ يومين لاأعمل سوى صور أشخاص, لم يسبق لى ان رأيتهم ولا حتى في خيالى. ومنذ الآن ستكون حياتي كلها تصوير الحياة, صورة منبسطة ليس لها أي عمق, ليست لها أية حقيقة. نهضت عن الكرسي وجمعت الوثائق التي درستها, وتكون أمامى كومة جميلة من الورق, وفتحت الحقيبة الصغيرة وملأت حوض الغسيل حتى منتصفه وغمست فيه الاوراق, وسكبت فوقها محتوى زجاجة واحدة ثم فتحت الصمام الموجود بأسفل الحوض وانتهى كل شئ. أمسكت بزجاجة الويسكي, وخرجت من غرفتي ومررت بالممر الطويل باتجاه غرفة المرأة التي قابلتها في المصعد الكهربائي, قرعت بابها, ولما فتحت قلت باسما . . هذه هي المرة القادمة, وأنا مستعد لاشرب كأسا معك . . كأن أسمها دومنيك – دومنيك لاكوست أرملة رجل فرنسي يملك مزرعة قروية, وحتى سنتين خلتا كانت تعيش معه في المزرعة. تحاول في البداية أن تكون زوجة مخلصة ( هكذا قالت لي) ولكنها بعد ذلك فرحت بموته. ورثت عنه دخلا حسنا, وهى الآن تقوم بالتجوال في أنحاء العالم, تحاول أن تعيد لنفسها بأموال زوجها السنين الطويلة التي أضاعتها في عشرته. والواقع أنها كانت تحاول ذلك بكل رغبتها. وكانت تلك الليلة ليلة بلا حدود بلا نهاية, لاحدود للوقت, ولا نهاية للعمل, رغبتها الشديدة وشهوتها الجامحة لم تعرفان الشبع وجوعها الصارخ لم يعرف الخجل. وأنا الرجل الذي أضاع كل عالمه, تمسكت بشهوتها كما يتمسك الغريق بالقشة وسمحت لنفسي أن تغرق في بحر شهواتها وملذاتها.
أن فيشل لن يرى ولن يعرف كل ما أفعله.
وحينما طلع الصباح قالت لي دومنيك :
ساسافر اليوم , ولكن سأجدك , الى اللقاء يا ( مون شير ) لن أدعك تنسى (دومنيك).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق