الخميس، 22 يناير 2015

كيف تدافع الشعوب عن نفسها؟

كيف تدافع الشعوب عن نفسها؟

عادل سليمان

شهد القرن العشرون حربين عالميتين، الأولى 1914- 1918، وكان عنوانها الرئيسي الصراع من أجل أوروبا وتركة الرجل المريض (الدولة العثمانية)، وراح ضحيتها حوالى 9 ملايين مقاتل من بين 60 -70 مليون مقاتل شاركوا في المعارك، وانتهت بسقوط آخر دولة ترفع شعار الخلافة الإسلامية في الشرق، وتقسيم العالم العربي على أساس اتفاقية سايكس- بيكو، وانهيار روسيا القيصرية ونجاح الثورة الشيوعية وبداية ظهور الاتحاد السوڤييتي. 
وكان عنوان الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) الرئيسي الصراع من أجل السيطرة على العالم، وإنهاء عصر الإمبراطوريات العجوز تماماً، وشارك فيها نحو مليون جندي تحت السلاح، سقط منهم حوالى 18 مليون قتيل في المعارك، وضعفهم من المدنيين.
وانتهت بسقوط دول المحور- ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية - وبلورة قطبين كبيرين:
الولايات المتحدة الأميركية وحلفها الغربي الرأسمالي يحمل "شعارات" الحرية والديمقراطية وإعلاء قيمة الدولة الوطنية وحقوق الإنسان، وجناحها العسكري، حلف شمال الأطلسي "الناتو".
والقطب الآخر هو الاتحاد السوڤييتى وحلفه الشرقي الشيوعي، ويحمل "شعارات" الاشتراكية وسلطة البروليتاريا والطبقات العاملة، والحزب الواحد، وإعلاء قيم الأممية وسحق الإنسان لصالح الدولة السلطوية الشمولية، وجناحه العسكري حلف وارسو. ودخل العالم في مرحلة جديدة من مراحل الصراع، عرفت بمرحلة الحرب الباردة (1945- كانت سمتها الرئيسية تجنب الصدام المباشر بين
 المعسكرين الكبيرين بترساناتهما العسكرية الهائلة، مع إدارة مجموعة كبيرة من الحروب الصغيرة بالوكالة في مناطق عديدة لبسط النفوذ.
 وانتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوڤييتي، وإنزال علمه من على الكرملين آخر مرة في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991.

وانتهى عصر كانت طبيعة الصراعات فيه تأخذ شكل الحروب العسكرية التي تخوضها الجيوش على مسارح العمليات وساحات القتال، وكانت الشعوب يتحدد مصيرها طبقا لما تحققه جيوشها في ميادين القتال.

وقبل أن يبزغ فجر الألفية الثالثة، كانت البشرية تدخل عصراً جديداً عُرف بعصر ما بعد الحداثة، وبدأت تظهر ملامح نظام عالمي جديد، تجلس على قمته الولايات المتحدة الأميركية، وعلى مسافة منها باقي دول الشمال الصناعية الكبرى، ثم تأتى الدول الكبرى، أو البازغة التي استطاعت أن تجد لها مكاناً قرب القمة، مثل الهند وبعض دول آسيا وغيرها.
ولكن، بقيت منطقة الشرق الأوسط القديمة، وفى قلبها العالم العربي الإسلامي، تمثل بالنسبة للنظام العالمي الجديد، ومن وجهة نظر دول الشمال المتقدمة، مشكلة ثلاثية الأبعاد هي:

بعدها الأول
أنها مصدر للأفكار والتوجهات الجهادية التي تنتج الجماعات الراديكالية التي تتبنى ثقافة العنف والإرهاب.
وبعدها الثاني أنها مصدر للهجرة غير الشرعية إلى دول الشمال، وتدفق قوى بشرية غير مؤهلة وغير مطلوبة، تؤثر سلباً على المجتمعات وعلى سوق العمل.
وبعدها الثالث أنها في ظل زيادة نسب الفقر والبطالة وتدنى المستويات التعليمية والمعرفية، أصبحت بيئة حاضنة لجماعات الجريمة المنظمة المتمثلة في تجارة السلاح والمخدرات والبشر.

وبدأ طرح مشروعات إعادة هيكلة هذه المنطقة، بداية من مشروع الشرق الأوسط الكبير، إلى الشرق الأوسط الأوسع، وأخيراً الشرق الأوسط الجديد.

كل هذا والشرق الأوسط نفسه، بكل دوله وشعوبه العربية، غائب عن المشهد، وغارق في مشكلاته متعددة المستويات، في ظل نُظم حكم سلطوية متكلسة، لا تُجيد سوى أساليب القمع والاستبداد ضد شعوبها، بينما تتسع الفجوة الحضارية والمعرفية بينه وبين العالم من حوله. ثم جاءت أحداث "11 سبتمبر 2001"، والتي استهدفت الولايات المتحدة في عقر دارها، في عملية إرهابية غير مسبوقة هزت أميركا وعالم الشمال بعنف، وامتدت تداعياتها إلى كل العالم. 
هنا كان القرار الأميركي الحاسم هو الانتقال من حالة التحليل والتقييم والدراسة التي بدأت مع انتهاء حقبة الحرب الباردة، مثل كتابات فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنجتون، عن نهاية التاريخ وصراع الحضارات وغيرها، وكذا الاعتماد على العمل بالوكالة، عبر حلفائها من نُظم الحكم التابعة في المنطقة، إلى حالة الفعل المباشر، ربما لأول مرة في تاريخها، وبدأت بغزو أفغانستان في 2001، ثم غزو العراق في 2003، بعد أن أطلقت نظريتها الفريدة بنشر "الفوضى الخلاقة" في أرجاء المنطقة.
ووجدت شعوب المنطقة نفسها في مواجهة خطر حقيقي، يهدد وجودها نفسه، وعليها أن تتصدى له بنفسها، خصوصاً بعد أن انكشفت الجيوش القومية تماماً، بعد عجزها المخزي في الدفاع عن الأوطان، أو حتى القتال المشرف ضد قوات العدو الغازية. وكان في مشهد العراق وسقوطه تحت الاحتلال في 500 ساعة، استغرقتها قوات الغزو في التقدم من أم القصر إلى بغداد، والذي أعاد إلى الأذهان مشهد سقوط بغداد على يد المغول 1258، رسالة متجددة وواضحة للشعوب، مفادها بأن جيوشكم قد تكون قادرة على قهركم وحكمكم، لكنها قطعا لن تكون قادرة على الدفاع عنكم وحمايتكم.
إذن، الخطر الوجودي قائم، وقادم، ويهدد كل شعوب المنطقة العربية، خصوصاً بعد استبعاد تركيا وإيران وإسرائيل، باعتبارهم يمثلون الركائز الواعدة للشرق الأوسط الجديد، فماذا نحن فاعلون؟ وكيف تدافع الشعوب عن نفسها ومقدراتها؟
هذا هو السؤال الأهم الذي يجب أن يشغلنا جميعا في هذه المرحلة، وعلينا أن نجتهد في الإجابة عليه. ولا أعتقد أن الإجابة في إعادة تكوين الجيوش التقليدية التي تفككت على النسق نفسه، ولا تكديس الأسلحة والعتاد من المصادر نفسها التي تسعى إلى إعادة هيكلة المنطقة.

ولكن الإجابة الحقيقية تكمن في العمل على بناء مجتمع مدني قوي متماسك مبني على الوعي والإدراك والمعرفة، يشعر بالشراكة الحقيقية في الوطن، ويحترم الاختلاف في الرأي والرؤى السياسية، ويتمسك بوحدة الهدف الوطني، مجتمع مستعد للدفاع عن الوطن بجد، وليس بالأغاني والأهازيج، مجتمع يُعلى من قيم الكرامة والحرية والحق والعدل.
هكذا تدافع الشعوب عن نفسها، وهكذا تنال احترام العالم، فهل ندرك ذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق