الثلاثاء، 27 يناير 2015

محمد سلطان .. عامٌ من البحث عن الحرية بين طرقات الموت

محمد سلطان .. عامٌ من البحث عن الحرية بين طرقات الموت




«وقفت ساعة وربع أترقب أن أرى ولدي محمدًا الذي كان في زيارة، وعند عودته للمستشفى لابد أن يمر من الباب الوحيد أمامي»

هكذا يحكي الدكتور «صلاح سلطان»، وهو يتحسس رؤية ابنه الذي يبتعد فقط 10 أمتار عنه، ومع اقتراب اللحظة ناداه ضابط المباحث فظن أنه يناديه ليقابل ولده، ويستأنف:«ودار حوار حول الأوضاع في الخارج وقلت له أريد شيئًا واحدًا أن أرى ولدي محمدًا، فقال ليس بيدي، قلت مستحيل تكون رئيس مباحث وابني على بعد عشرة أمتار مني و تمنعني أن أراه، وبالفعل تم احتجازي عنده حتى مر محمد ورآه الشباب الذي كنت أقف معهم، وأدركوا الحيلة.


معاناة الأب الذي منعه رئيس المباحث من رؤية ابنه لم تقتصر عليه، فأولئك الذين رأوه قد أصاباتهم الحسرة بسبب سوء الأوضاع البدنية والنفسية التي يمر بها «محمد سلطان».



«تستمر السلطات في الضغط عليه لكسر إضرابه و تعزله عن باقي السجناء في محاولة لإضعاف معنوياته و دفعه للانتحار.. إننا مفزوعون و ممتعضون».

هكذا عبرت أسرة «محمد سلطان» عن قلقها إزاء ما يتعرض له نجلها في السجون المصرية، مطالبين بتدخل المنظمات الحقوقية لإطلاق صراحه فورا، «فقد عانى من عدة أزمات قلبية وفقدان متكرر للوعي». كتبت تلك الكلمات مرفقة بصورة سلطان والدم يسيل من فمه المفتوح، وبقع الدماء قد تناثرت على الوسادة، بينما بدت أطرافه زرقاء شاحبة.


عام مضى منذ أن بدأ محمد إضرابه عن الطعام تهالك فيه جسده «وتردت فيه حالته النفسية»، ولم يتغير فيه موقف السلطات الحاكمة لإطلاق سراحه، بالرغم من أن فترة إضرابه عن الطعام، تجاوزت فترة إضراب الفلسطيني«سامر العيسوي» الذي أضرب عن الطعام لمدة 9 أشهر في السجون الإسرائيلية، ليجبر سلطات الاحتلال أن تفرج عنه.
«فك الإضراب فكرة مش مطروحة» هكذا أكدت أخته «سارة» في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، مشددة :«محمد سلطان لم يبدأ الإضراب عشان يحسن ظروف اعتقاله ..محمد أضرب عشان ينال حريته ..محمد بيخوض معركته في نيل حريته ..يا الحرية .. يا الحرية».
 وطالبت الضاغطين على الأسرة لإيقاف إضرابه قائلة: «من فضلكم متكونوش كتلة ضغط على الأهل و تطلبوا منهم يكونوا كتل ضغط علي ذوويهم المعتقلين جوه»،وما ختمت به ساره منشورها تلقفته،« منى سيف» أخت الناشط «علاء عبد الفتاح»،والناشطة المحبوسة «سناء سيف» وأعادت نشره على صفحتها الشخصية.
وتضامنا مع إضراب«سلطان» وضع الكاتب «تامر أبو عرب»صورة «سلطان» على الصفحة الرئيسية لموقعه، وكتب:«ستزين صورة محمد سلطان الصفحة الرئيسية للموقع حتى يمن الله عليه وعلى رفاقه بالحرية ..#الحياة_لمحمد_سلطان»، وقارن «أبو عرب» في تدوينة له على فيس بوك- بين «سلطان» وبين الأسير الفلسطيني «سامر العيساو»ي، الذي أفرجت عنه السلطات الاسرائيلية بعد 9 شهور من إضرابه عن الطعام في 2013 بالرغم من الحكم بحبسه حتى 2029، وقال أن إضراب «سلطان» هو الأطول في التاريخ، ورغم ذلك لم تستجب السلطات المصرية لمطالبه ، متساءلا:« أيهما أكثر إجراما إذن، سلطة الاحتلال الاسرائيلية أم سلطة الاحتلال المصرية؟».



«محمد سلطان أقوى مني»، هكذا علق «عبد الله الشامي»،مراسل قناة الجزيرة الذي كان قد تم إخلاء سبيله في منتصف يونيو 2014 بعد 150 يوم من الإضراب عن الطعام، مشيدا بصموده وطالب بضرورة الإفراج عنه.
وكنوع من الدعم لقضيته، نشر عدد من النشطاء على هاشتاج #الحرية_لمحمد_سلطان صور له تظهره كأنه «سوبر مان» .

للقصة بداية

«محمد سلطان»، مصري الأصل وأمريكي الجنسية، حصل على شهادة البكالريوس في علوم الاقتصاد من جامعة ولاية أوهايو، ليعمل بعد ذلك كمدير التطوير المؤسسي في شركة خدمات بترولية بالولايات المتحدة، حياة مريحة كان يعيشها قبل أن تصاب والدته بالسرطان، ويصاب أخوه بمرض البهاق، ليترك عمله بأميركا ويقرر السفر في مارس 2013 إلى مصر ليرعى أهله المرضى.

من هنا بدأ القصة، حيث مصر قبل وأثناء انقلاب الثالث من يوليو، ليأتي بيان القوات المسلحة في 3 يوليو 2013، وما عقبه من إجراءات أمنية تعسفية ، وصفها الكثيرون بأنها تعادي الحريات.

لكن «محمد سلطان»، أبى أن يصمت على تلك الإجراءات واصفا نفسه أنه «من جيل حر مابيعرفش يدوق أو يشوف الظلم ويقعد ساكت ومايقاومش, جيل بيتحدي المستحيل»، وشارك في الاعتصام المناهض للانقلاب في ميدان رابعة العدوية، لكن رصاص قوات الأمن عند فض الاعتصام هشم عظم ذراعه لينضم إلى قافلة طويلة من المصابين ويلزم بيته. المرضى.

بعد أقل من إسبوعين وهو على سرير المرض بعد عملية جراحية وضع من خلالها مسامير في ذراعه، جاء أصدقاؤه ليزوروه في 27 أغسطس 2013، تزامن مع موعد زيارتهم له اقتحام قوات الأمن للبيت كي يلقوا القبض على أبيه، فلما لم يجدوا أباه، قاموا باعتقاله وأصدقاءه ليصبح «متهما محبوسا احتياطيا حتى تثبت براءته» على حد تعبيره .

بعد أقل من شهر من اعتقاله، اتقلت الشرطة والده الدكتور «صلاح سلطان»، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية، قبل سفره إلى السودان يوم 23 سبتمبر 2013.
انتهى عام 2013 لتضاعف معاناة أسرة «محمد»، بابن مصاب ومعتقل، وآخر مصاب بالبهاقي ، وأب معتقل وأم مصابة بالسرطان، وفي 20 إبريل2014 ، بدأ فصل جديد في الحكاية يبدو أنه أكثر حزنا وكآبة، حين بعث الأب من غيابة السجن رسالة استغاثة لإنقاذ ابنه قبل موته موجها إياها إلى«إعلام الأمة وقادة الفكر وسادة الدولة وأصحاب القلوب الرحيمة في العالم»، كان أهم ما ذكر فيها:« ولدي محمد يغمى عليه كثيرا بعد إضراب زاد عن (75) يوما .نزل وزنه 45 كيلو وصار جلدا على عظم هش، ويطلب الإفراج عنه من تلفيق تهم لا دليل عليها»، فقد:


1_ضرب بالرصاص في رابعة يوم 14/8 فهشم عظم ذراعه.


2_اعتقل من بيتي وهو في السرير بعد عملية جراحية ومسامير قي ذراعه.


3_عذب وضرب وأهين في 6 سجون مصرية والآن في استقبال طرة.


4_ مع الإهمال ..أجريت له جراحة بدون بنج أو تخدير في الزنزانة لنزع الحديد من تحت جلده.


5- يجدد حبسه منذ أكثر من سبعة أشهر دون أحزار أو أدلة.
6-أضرب عن الطعام منذ 26/1/2014 ولا يزال ،دون تراجع، وفي صمود مدهش أمام ظلم الأمن المصري.
وهو ذاته ما أكده «محمد» في رسالته أمام القاضي في 11مايو 2014 مضيفا عليه:«اتعذبنا واضربنا واتهددنا بالقتل وده ماكنش بعيد لأننا شوفنا مسجونين ماتوا من التعذيب قدام عنينا، اتحبسنا في زنازين صغيرة وغير آدمية حشرين فيها أكتر من مسجون وبحمام واحد».
وأشار:«ونحن في عهدة النيابة وجهت إلينا اتهامات خيالية. الإرهاب, وتشكيل عصابي, وقلب نظام الحكم, بدون أي دليل في محضر التحريات، اللي حصل معايا أنا وأصحابي الـ 26 يوم اللي فاتو هو الإرهاب بعينه بس بإسم القانون».
وأضاف ممنيا نفسه«عايز أعيش بس أعيش حر أو أموت حر .. وإذا كانت حياتي ثمن الحرية فغالي والطلب رخيص».


وصف الوضع الصحي لسلطان بعد 105 يوما من إضرابه عن الطعام ب« المتدهور» ، يعدها بعث «محمد» ربسالة أخرى للرئيس الأمريكي بصفته مواطناً أمريكياً، عسى أن يجد من كلماته المصورة أذانا مصغية متسائلا فيها: «هل حياتي مواطن أمريكي لاتساوي شيئا عندكم؟ لأن اسمي محمد؟ لماذا يكون التعامل مختلف؟ أم لأني ابن عالم إسلامي؟ أم لأني أحمل مثلك اسما عربيا؟»




تتكرر استغاثات محمد وأسرته يوماً بعد يوم ولا مجيب، فالفتى لايزال يقبع في السجن، واليوم يصل إضرابه عن الطعام إلى أطول مدة في التاريخ ليتعدى عاماً كاملاً، ويكأنه يعيش على حد تعبيره في «فيلم عسل أسود ومهبب بلد معاندة نفسها كل حاجة وعكسها وكله وبالورقة والقلم».


المصادر
رسالة دكتور سلطان
تدهور صحة محمد سلطان الناشط المصري الامريكي المضرب عن الطعام
تامر أبو عرب
Health of Egyptian-American hunger striker in 'dire' condition

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق