أوباما إذ يغازل إيران فيما نتنياهو يحرّض عليها
ياسر الزعاترة
أزمة ناشبة بين الإدارة الأمريكية وبين نتنياهو تجد صداها في الصحافة الإسرائيلية في ظل إصرار الأخير على تحريض الكونغرس على إضافة عقوبات جديدة على إيران، مقابل رفض أوبما لذلك وتلويحه بالفيتو في وجه أي قرار من الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية في هذا الاتجاه.
من المثير للسخرية بطبيعة الحال أن يتعامل نتنياهو بهذا المستوى من الغطرسة مع الرئيس الأمريكي، ويستخف بوزير خارجيته، فيما لا يجد الأخيرين من سبيل للاحتجاج غير إعلان الامتناع عن مقابلته أثناء زيارته المرتقبة للولايات المتحدة مطلع الشهر القادم، مع أن مسلسل الإهانات لكيري على وجه التحديد لم يتوقف منذ عامين، بخاصة من وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان.
والحال أنه لولا شعور نتنياهو بسطوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لما كان بوسعه الاستخفاف بالرئيس وحكومته، والذهاب نحو الكونغرس من أجل تحريضه على تحدي سياسة الرئيس، وهذا هو الجانب البارز في القصة، مع أن دوائر سياسية وإعلامية إسرائيلية لا زالت تحذر من مغبة خسارة الحزب الديمقراطي، في حين لا يرى نتنياهو ذلك، إذ يطمئنه سادة اللوبي الصهيوني (على الأرجح) على أن خسارة أوباما لا تعني بالضرورة خسارة أعضاء حزبه.
الجانب الآخر في هذه القضية تتمثل في الخلاف حول إدارة العلاقة مع إيران بين أوباما، وبين نتنياهو، ففي حين يريد الأخير تركيع إيران بالكامل، وصولا إلى اتفاق لا يشمل شطب البرنامج النووي فحسب، بل يشمل تعاطيها مع ملفات المنطقة برمتها، ومن ضمنها الملف الفلسطيني، يرى أوباما أن الإنجاز الأكبر الذي يريده خلال ولايته الثانية ممثلا في اتفاق النووي سيغدو مهددا بهذا المنطق المتغطرس، لاسيما أنه يدرك عمق الخلاف الداخلي في إيران حول هذا الملف؛ بين المحافظين الذين يريدون إفشال الاتفاق من دون أن يتحملوا مسؤولية ذلك أمام الشارع الإيراني المنحاز لإنجازه والراغب في الخروح من أسر العقوبات التي تلقي بظلالها على حياته اليومية، مع أنه لا يبدو في غالبيته الساحقة مقتنعا بقصة النووي، ولا بكل مشروع التمدد الإيراني، وزاد تدهور أسعار النفط من هذه المشاعر، الأمر الذي يضع المحافظين أمام حالة شعبية غير مسبوقة يخشون انفجارها في أية لحظة، ولا تجدي في لجمها مشاعر التجييش الوطنية اليومية التي يخوضها المحافظون ضد أمريكا.
وإذا جئنا نتحدث عن غارة القنيطرة الأخيرة التي قتل فيها جنرال إيراني كبير، فإن من الصعب التعاطي معها بعيدا عن الجدل الذي نحن بصدده، وحيث يعوِّل نتنياهو على رد إيراني يثبت نظريته في التعاطي مع إيران، وهو ما دفع الأخيرة إلى وضع الكرة في ملعب حزب الله، مع أن إصابتها في الغارة تبدو أكبر وأوضح، لا سيما أن قضية سوريا برمتها هي قضيتها قبل أن تكون قضية حزب الله، وإن كان من الصعب الفصيل بين الولي الفقيه وجنوده.
وفي سياق من غزل أوباما مع إيران من أجل تحقيق إنجاز الاتفاق تابع المراقبون موقف واشنطن مما يجري في اليمن، وحيث رفضت الإدارة الأمريكية تحميل إيران أية مسؤولية عما يجري هناك، مع أنها تدرك تماما أن الحوثيين ليسوا سوى جنود في جيش الولي الفقيه لا أكثر ولا أقل، وما كان لهم أن يتخذوا أية خطوة من دون إذنه، وها إن موقع “المونيتور” الأمريكي يكشف النقاب عن صلات استخبارية بين الحوثيين وبين الدوائر الأمريكية.
واضح أن أوباما في ضوء ذلك كله لا زال يعوِّل على تغيير داخلي في إيران، في حين يلعب نتنياهو دور المحرِّض على هذه السياسة رغم أنها تصب في صالحه في نهاية المطاف، في حين تجد إيران نفسها أسيرة مغامراتها البائسة التي وضعتها في حالة عداء مع غالبية الأمة الإسلامية، وفي وضع صعب على الصعيد الداخلي.
إنه الثمن الذي تدفعه إيران، وتدفعه الأمة أيضا نتيجة غطرسة المحافظين وغرورهم وإصرارهم على التمدد والهيمنة، في حين يكتفي الكيان الصهيوني بجني المكاسب، في مسلسل بائس سيتواصل إلى حين عودة محافظي إيران إلى رشدهم ووقف هذا النزيف عبر تفاهم مع جوارهم العربي والإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق