العلاقات التركية السعودية واللوبي الإماراتي
إسماعيل ياشا
تدهور العلاقات التركية السعودية جراء الانقلاب العسكري في مصر لم يكن خافيا على أحد، ولكنها شهدت في الأيام الأخيرة تطورات لافتة أثارت تساؤلات حول احتمال التقارب بين أنقرة والرياض وتحسن العلاقات مع فتح صفحة جديدة.
ومن أبرز هذه التطورات حضور رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في مراسم تشييع الملك عبد الله بن عبد العزيز، في غياب ولي عهد الإمارات محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك إعلان أنقرة حدادا رسميا على وفاة الملك عبد الله.
تزامنت هذه التطورات مع قرارات هامة جاءت بعيد مبايعة سلمان بن عبد العزيز ملكا جديدا للسعودية، مثل تعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد وإبعاد خالد التويجري عن القصر السعودي مع تجريده من كافة صلاحياته، الأمر الذي دفع الكثير من المتابعين للتفاؤل بحدوث تغييرات في السياسة الخارجية السعودية وفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية السعودية. ونسأل الله أن يوفق هذا العهد الجديد فيما يحبه ويرضاه وأن يرزق الملك سلمان البطانة الصالحة.
إن تمت تغييرات بهذا الاتجاه فلا شك في أنها ستكون لصالح المملكة العربية السعودية ولصالح تركيا؛ بل لصالح المنطقة بأكملها، وهناك مصالح ووجهات نظر مشتركة بين البلدين ويمكن أن يكمل دور بعضهما بعضا في كثير من القضايا، إلا أنها بحاجة إلى موقف صارم يحفظها من مؤامرات اللوبي الإماراتي الذي من المؤكد أنه سيسعى لعرقلة هذا التوجه الجديد كما سعى لإفساد علاقات المملكة مع قطر وتركيا.
السعودية في الفترة الأخيرة - مع الأسف الشديد - كانت تبدو كأنها تنجر وراء سياسات الإمارات الخارجية. وقد نجحت أبو ظبي في جر السعودية إلى الحروب التي يشنها ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ودفعتها إلى الواجهة لتستغل حجم المملكة وثقلها في التستر وراءها خلال مواجهة خصومها. ولعب اللوبي المتشكل من الإعلاميين السعوديين المقيمين في الإمارات أو خارجها ويعملون لصالحها، دورا بارزا في هذا النجاح. ولكن الأخطر في الأمر هو اختطاف المفاهيم والمشاعر، وأن يستغل هذا اللوبي مفهوم "الوطنية" ويحوِّله إلى سيف مسلط على السعوديين؛ فمن ينتقد منهم السياسات الصبيانية التي يمارسها حكام الإمارات يتهم بأنه "غير وطني" بل ربما يرمى بالخيانة والخروج ولو كان هذا الانتقاد لصالح السعودية وصاحبه من أشد المحبين لبلده.
الإمارات تعادي عقيدة التوحيد التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، وترى هذه العقيدة خطرا عليها، ولذلك تحتضن دعاة أمثال اليمني الحبيب علي الجفري والعراقي أحمد الكبيسي الذي اتهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بأنه "صنيعة يهودية"، ثم تراجع عن تصريحاته هذا واعتذر.
وفي الوقت الذي يسجن فيه مواطنون لمجرد آراءهم وتسحب منهم الجنسية، قامت الإمارات بالتغطية على هذه الإساءة الكبيرة إلى السعودية وعقيدتها، مكتفية باعتذار الكبيسي الذي اضطر له تحت الضغوط بعد أن انهالت عليه الردود.
اللوبي الإماراتي استهدف أصدقاء السعودية من الأتراك، من خلال إثارة الهواجس والأوهام والنفخ فيها لتبدو كمخاطر حقيقية محدقة. ويأتي طه كينتش، مستشار رئيس الوزراء التركي، من بين هؤلاء الذين تم استهدافهم والتحريض ضدهم، وحاول هذا اللوبي أن يظهر حب الرجل للشعب السعودي وقادته جريمة وأمرا مثيرا للشك والريبة. ومن الضروري أن يسأل السعوديون ما الهدف من استهداف شخص ترعرع في المملكة ودرس فيها وأحبها حكومة وشعبا ولم ينبس ضدها ببنت شفة ولم يسجل كلمة تسيء إليها؟ ولصالح من يتم التحريض ضده؟
وأن يسألوا أيضا: هل هؤلاء الإعلاميون السعوديون المقيمون في الإمارات أو الذين يعملون لحساب ولي عهد أبو ظبي يمكن أن ينتقدوا الإمارات إن كانت سياساتها تضر بالمصالح السعودية؟ أم يتحولون إلى الصم البكم حين جاءت الإساءة إلى السعودية والسخرية منها من الإمارات ويجدون لها ألف عذر وتأويل ومبرر؟
السعودية بكل ثقلها أكبر من أن تنجر وراء الإمارات وأن يستخدمها محمد بن زايد لضرب خصومه، ومع ذلك يجب أن يتنبه الإخوة السعوديون للاختراق الإماراتي الخطير الذي قد يصل إلى مستويات عالية وأن يلجموا اللوبي الإماراتي والغوغائيين الهمج والبيض الفاسد من أدوات الإمارات في السعودية، ومنعهم من التحريض وإثارة الفتنة، للحفاظ على أجواء التفاؤل وتشجيع الخطوات نحو ترميم العلاقات التركية السعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق