الخميس، 22 يناير 2015

القرود في اليوم التالي

القرود في اليوم التالي

أحمد عمر

أومأ أسد القرود، قرد الربّاح الكبير، إلى أحد القرود الغوريلا الشيوخ، فجاء يسحل مؤخرته، قرّب الرباح فمه من أذن الغوريلا، وقال: أريد أن أتولى حكم الغابة مباشرة.
قال الغوريلا بحكمة العجائز:
ولمَ الحكم مباشرة يا مولاي، أنت تحكمها فعلاً، وهذا الليث المخصي ليس سوى صورة وطرطورا. الغابة خالية من الكواسر، وليس فيها سوى الغزلان والأيائل والأرانب والحيوانات العاشبة، بعد أن قضينا على ضواريها، وسحقناهم في المعتقلات، وشردناهم في المنافي.
قال الرباح: قرد. إنه طمع، تعرف أنّ السلطة شرهة، وأحياناً، أحسد هذا الليث التافه (يقصد الرئيس، وهو الليث الأخير)، الذي لا يصلح حتى لعروض السيرك، يمشي تحت الأضواء، وعلى السجاد الأحمر، فأغتاظ وأغار.
قال الغوريلا: صعب يا مولاي، ولا أوصي بذلك، حسب الثقافة الشعبية التي تقول "أكثر من القرد ربك ما مسخ"، نحن قردة خاسئون.
تابع الغوريلا، وهو يغالب ضحكه: أنت يمكن أن تكون ملك كوميديا يا مولاي أمّا ملكا .... فعند أم ترتر.
في اليوم التالي، أصدر أسد القرود إشاراته إلى عشيرته ورهطه، فقاموا بانقلاب أحمر، أطاحوا فيه الليث، وأودعوه جنينة الحيوانات، وجعلوه فرجة، وتولى الرباح عرش الغابة، وأعلن نفسه ملكاً، قام بالقضاء على أكلة اللحوم الرأسماليين، وأعلن بداية العصر النباتي الاشتراكي، وعهد التداوي بالأعشاب الطبيعية. فقابله سكان الغابة بالصفير والتصفيق، فهي تدرك بالغريزة أن التوازن البيئي اختل بقتل الضواري التي كانت تأكل الجثث، وتقتنص المريضة والقاصية، وقذفوه بالفواكه الفاسدة، وسقطت على رأسه جوزة هند كبيرة، كادت أن تودي به إلى الهلاك، فقرر الانتقام. وفعلاً، خلال ساعات كانت عناصره من مغاوير السعادين، وشبيحة المكاك وبلطجية البابون، وزعران الليمور، والغوريلا، تحرق وتقتل وتسلب وتنهب، فلم تدع وكراً أو عشاً أو شجرة إلا ودمرته. وفي اليوم التالي، تلمست شعوب الغابة خسارتها من الأنفس والثمرات، وخرجت في مسيرة تأييد، وهي تهتف بحياة القرد الأكبر، وتقول: وتنادي: "بالروح بالدم نفديك يا أقرد".
واستعرض القرد الملك، بمؤخرته الحمراء اللامعة، الرعية، فتقدم الفيل، وقال للقرد ببوقه العالي: أنت الفيل الأول.
وتقدم الوعل في البلاط مطئطئاً قرونه الشجرية: أنت الوعل الأول.
وقال الحمار: أنت الحمار الأول، وتستحق أن تقود غابات العالم يا مولاي، أنت الطوطم. أنت صمام أمان الغابة.
وتقدّم الطاووس، ونتف ريشه الجميل الزاهي وراح يلطم: وقال من العار أن أهنأ بهذا الريش، إنه يليق بكم يا مولاي.
ولم يبق جنس من الأجناس، إلا وجعل القرد أول صنفه وجماعته، وأسبغ عليه صفاتٍ لم تسبغ من قبل على زعيم حيواني أو بشري.
وفي اليوم التالي: صارت الماعز تحاول تسلق الأشجار، أسوة بالقرود، وتعمدت الفيلة الاكتفاء بأكل الموز مداهنة، بل إنها صارت تأكل القشور وتؤثر القرود باللب، وراحت الغزلان تتدرب على العواء مثل القرود العواءة، وظهرت موديلات الأزياء الطويلة الأكمام، وزاد الإقبال على مشاهدة فيلم "كينغ كونغ"، وأفلام "طرزان ربيب القرود"، وأداة النداء الودية باتت "قرد"، بدلاً من "يا رفيق" و"يا أخ" الشائعتين.
أوقف أحد حواجز السعادين الشمبانزي نمراً عجوزاً، يضع طقم أسنان صناعي، وسأله: قرد .. كأنك نمر؟
قال النمر ضارعاً: أقسم بالله أنا هرٌّ .. كبير.
-قرد .. هات هويتك، من أين أنت؟
فقال: أصلي قرد .. إذا كان الإنسان، أكمل المخلوقات، أصله قرد حسب القرد العالم داروين، فمؤكد أنّ أصلنا نحن أيضاً قرد. وأخرج هويته، وكان عليها صورة .. نمر مقرود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق