عزيزي المثقف السيسي دع نظامك يقتل بهدوء
وائل قنديل
هذا نظام يحمل عوامل فنائه، لن يطيل عمره إلا ابتذال المعارضة القائمة ضده واستدراج الغضب النبيل عليه إلى مساحات من الجنون والانفلات والإسفاف.
هو نظام بلا أي أساس أخلاقي أو سياسي، قام على مغامرة قادها شخص وحيد، وجدت ميلاً انتقاميا ثنائيا: من نخب قررت الانتقام من أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة لاعتبارات حزبية وأيديولوجية ونفسية وعنصرية.
ومن جانب دولة عميقة عسكرية، عرفت كيف تمتطي وجوهاً محسوبة على الثورة، فاستطاعت تحريك كتلة جماهيرية في إطار ثورة مضادة، نفذت من خلالها انقلاباً عسكرياً مكتمل الأركان، وواضح المعالم من المخاض إلى الميلاد.
وأزعم أن هذا النظام لم يكن متخبطاً ومرتبكاً وشاعراً بخطر الانهيار كما هو الآن، حتى أنه بدأ يصدر همهمات هذيان، هنا وهناك، تتطور لتأخذ شكل سعار إعلامي، يهاجم مجددا الدوحة وأنقرة، ورويداً رويداً، يضيف عواصم جديدة لقائمة المغضوب عليهم.
وأزعم أن هذا النظام لم يكن متخبطاً ومرتبكاً وشاعراً بخطر الانهيار كما هو الآن، حتى أنه بدأ يصدر همهمات هذيان، هنا وهناك، تتطور لتأخذ شكل سعار إعلامي، يهاجم مجددا الدوحة وأنقرة، ورويداً رويداً، يضيف عواصم جديدة لقائمة المغضوب عليهم.
ويعتبر تغطية قناة الجزيرة تظاهرات الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عملاً عدائياً وخرقاً للمصالحة والتهدئة.
ويصل جنون رد الفعل إلى أبعد من ذلك، حين يقرر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري فصل جميع العاملين في قطر من موظفي الاتحاد، وذلك لأن "الجزيرة" قررت تغطية فعاليات يوم تاريخي في حياة المصريين، استنفر طاقات جميع وسائل الإعلام على مستوى العالم. والمنطق الذي يتحرك به هذا النظام المبتسر الذي لا يتحمل العيش خارج "حضانة" أن كل من يزعجه في أثناء ممارسته القتل والتصفية للمعارضين والمناهضين له يعتبر عدواً له ولمصر، رافعاً شعار "دعونا نقتل في هدوء".
وغير بعيد عن هذه الحالة من انعدام الوزن، أو فقدان الاتزان، البادية على أداء هذا النظام، هذا التحرك المفزوع من مجموعة من مثقفيه لجمع التوقيعات على عريضة مرفوعة لقائد الانقلاب، تطالبه فيها بإقالة وزير الداخلية، والإفراج عن النشطاء السياسيين، في تصرف ينتمي إلى زمن حسني مبارك، شكلاً وموضوعاً، حينما كانت الفلسفة التي يتم، على أساسها، تعيين رئيس للحكومة أن يلعب دور الإسفنجة، لامتصاص رذاذ النقد المتطاير للنظام، أو يكون مجرد حائط يتلقى رميات المعارضين، فيما يبقى رئيس الدولة هو الرجل الكبير والأب الرحيم.
وليس أكثر تفاهة من الذين يختزلون الأزمة المصرية، أو يبتذلونها في شخص وزير الداخلية، ويردّون المقتلة إلى شخص آخر، غير الذي طلب تفويضا بالقتل، إلا هؤلاء الذين يوجهون مدفعيتهم الثقيلة والخفيفة والمرحة ضد لواء كفتة الإيدز، بوصفه المسؤول عن فضيحة مصر العلمية أمام العالم.
وأظنك تعلم، عزيزي المثقف السيسي، أن الذي أدى إلى هذه المعرة الحضارية التي انحشرت فيها مصر أنها انكفأت تحت قدمي زعامة وهمية بدائية الصنع، تحت تأثير حالة من صناعة الكذب القومي، اضطلع بها فريق من عجائز الزمن الناصري، تخيلوا أنه بالإمكان استنساخ شخصية جمال عبد الناصر.
إن الظروف الدولية والإقليمية والمناخ الداخلي في مصر، بالإضافة إلى تهافت الأداء، وركاكته سياسياً واقتصادياً، كلها عناصر تؤشر إلى أن الحراك المتصاعد في الشارع حالياً يمكن أن يؤدي إلى تحرير ثورة يناير من خاطفيها.
غير أن ذلك مرهون بالقدرة على ترشيد هذه الغضب النبيل، وتوجيهه في المسارات الشعبية الصحيحة، كي لا يتحول من طاقة هدم لنظام مهترئ إلى قفز عشوائي في جحيم مجهول. وهذا لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى تلك الكيمياء المبدعة التي حكمت التفاعل الثوري في 2011.
إن ملوثات كثيرة تتهدد موجة الغضب الحالية، أخطرها ذلك النزوع من بعضهم إلى اعتبار أنفسهم "الفرقة الناجية" التي تمتلك وحدها الصواب والحق.. والثورة أيضاً، وتهرف بخطاب منفر غارق في الإسفاف أحياناً، ومتورط في استعداء قطاعات من المجتمع بتصرفات خرقاء في أحيان أخرى.
أقول قولي هذا، وأنا أضع في الحسبان أن أجهزة النظام ليست بعيدة عن محاولة اختطاف هذا الطقس الثوري إلى دروب وعرة، وحرق جوهره النبيل.. سهل أن تغضب، المهم كيف تدير غضبك
ويصل جنون رد الفعل إلى أبعد من ذلك، حين يقرر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري فصل جميع العاملين في قطر من موظفي الاتحاد، وذلك لأن "الجزيرة" قررت تغطية فعاليات يوم تاريخي في حياة المصريين، استنفر طاقات جميع وسائل الإعلام على مستوى العالم. والمنطق الذي يتحرك به هذا النظام المبتسر الذي لا يتحمل العيش خارج "حضانة" أن كل من يزعجه في أثناء ممارسته القتل والتصفية للمعارضين والمناهضين له يعتبر عدواً له ولمصر، رافعاً شعار "دعونا نقتل في هدوء".
وغير بعيد عن هذه الحالة من انعدام الوزن، أو فقدان الاتزان، البادية على أداء هذا النظام، هذا التحرك المفزوع من مجموعة من مثقفيه لجمع التوقيعات على عريضة مرفوعة لقائد الانقلاب، تطالبه فيها بإقالة وزير الداخلية، والإفراج عن النشطاء السياسيين، في تصرف ينتمي إلى زمن حسني مبارك، شكلاً وموضوعاً، حينما كانت الفلسفة التي يتم، على أساسها، تعيين رئيس للحكومة أن يلعب دور الإسفنجة، لامتصاص رذاذ النقد المتطاير للنظام، أو يكون مجرد حائط يتلقى رميات المعارضين، فيما يبقى رئيس الدولة هو الرجل الكبير والأب الرحيم.
وليس أكثر تفاهة من الذين يختزلون الأزمة المصرية، أو يبتذلونها في شخص وزير الداخلية، ويردّون المقتلة إلى شخص آخر، غير الذي طلب تفويضا بالقتل، إلا هؤلاء الذين يوجهون مدفعيتهم الثقيلة والخفيفة والمرحة ضد لواء كفتة الإيدز، بوصفه المسؤول عن فضيحة مصر العلمية أمام العالم.
وأظنك تعلم، عزيزي المثقف السيسي، أن الذي أدى إلى هذه المعرة الحضارية التي انحشرت فيها مصر أنها انكفأت تحت قدمي زعامة وهمية بدائية الصنع، تحت تأثير حالة من صناعة الكذب القومي، اضطلع بها فريق من عجائز الزمن الناصري، تخيلوا أنه بالإمكان استنساخ شخصية جمال عبد الناصر.
إن الظروف الدولية والإقليمية والمناخ الداخلي في مصر، بالإضافة إلى تهافت الأداء، وركاكته سياسياً واقتصادياً، كلها عناصر تؤشر إلى أن الحراك المتصاعد في الشارع حالياً يمكن أن يؤدي إلى تحرير ثورة يناير من خاطفيها.
غير أن ذلك مرهون بالقدرة على ترشيد هذه الغضب النبيل، وتوجيهه في المسارات الشعبية الصحيحة، كي لا يتحول من طاقة هدم لنظام مهترئ إلى قفز عشوائي في جحيم مجهول. وهذا لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى تلك الكيمياء المبدعة التي حكمت التفاعل الثوري في 2011.
إن ملوثات كثيرة تتهدد موجة الغضب الحالية، أخطرها ذلك النزوع من بعضهم إلى اعتبار أنفسهم "الفرقة الناجية" التي تمتلك وحدها الصواب والحق.. والثورة أيضاً، وتهرف بخطاب منفر غارق في الإسفاف أحياناً، ومتورط في استعداء قطاعات من المجتمع بتصرفات خرقاء في أحيان أخرى.
أقول قولي هذا، وأنا أضع في الحسبان أن أجهزة النظام ليست بعيدة عن محاولة اختطاف هذا الطقس الثوري إلى دروب وعرة، وحرق جوهره النبيل.. سهل أن تغضب، المهم كيف تدير غضبك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق